طباعة

خلقه الطاووس

 

 

خلقه الطاووس

من خطبه له يذكر فيها عجيب خلقه الطاووس:
و من اعجبها خلقا الطاووس الذى اقامه فى احكم تعديل، و نضد الوانه فى احسن تنضيد، بجناح اشرج قصبه
[اشرج قصبه: داخل بين آحاده و نظمها على اختلافها فى الطول و القصر.] و ذنب اطال مسحبه،
اذا درج الى الانثى نشره من طيه و سما به مظلا على راسه كانه قلع دارى عنجه نوتيه
[القلع: شراع السفينه. عنجه: جذبه فرفعه. النوتى: الملاح.] يختال بالوانه و يميس بزيفانه.
[الزيفان: التبختر، و يريد به حركه ذنب الطاووس يمينا و شمالا.]
تخال قصبه مدارى من فضه
[القصب: الريش. المدارى، جمع مدرى. و المدرى و المدراه: اداه ذات اسنان كاسنان المشط.] و ما انبت عليه من عجيب داراته
[الدارات جمع داره، و هى بالنسبه للشمس كالهاله بالنسبه للقمر.] و شموسه خالص العقيان
[العقيان: الذهب الخالص.] و فلذ الزبرجد. فان شبهته بما انبتت الارض قلت: جنى جنى من زهره كل ربيع! و ان ضاهيته بالملابس فهو كموشى الحلل! و ان شاكلته بالحلى فهو كفصوص ذات الوان نطقت باللجين المكلل
[اللجين: الفضه. المكلل: المزين بالجواهر.]، يمشى مشى المرح المختال، و يتصفح ذنبه و جناحيه فيقهقه ضاحكا لجمال سرباله و اصابيغ و شاحه!
فاذا رمى ببصره الى قوائمه زقا
[زقا يزقو: صاح.] معولا يكاد يبين عن استغاثته، و يشهد بصادق توجعه، لان قوائمه حمش كقوائم الديكه الخلاسيه.
[حمش، جمع احمش، اى: دقيق. والديك الخلاسى: الديك المتولد بين دجاجه و ديك من لونين مختلفين.]
و له فى موضع العرف قنزعه خضراء موشاه. و مخرج عنقه كالابريق و مغرزها الى حيث بطنه كصبغ الوسمه اليمانيه
[مغرزها: الموضع الذى غرز فيه العنق منتهيا الى مكان البطن. الوسمه: نبات يخضب به.] او كحريره ملبسه مرآه ذات صقال.
[الصقال: الجلاء.] و كانه ملفع بمعجر اسحم الا انه يخيل لكثره مائه و شده بريقه ان الخضره الناضره ممتزجه به.
و مع فتق سمعه خط كمستدق القلم فى لون الاقحوان ابيض يقق، فهو ببياضه فى سواد ما هنالك ياتلق. و قل صبغ الا و قد اخذ منه بقسط و علاه بكثره صقاله و بريقه و بصيص ديباجه و رونقه
[علاه: فاقه. البصيص: اللمعان.]، فهو كالازاهير المبثوثه لم تربها امطار ربيع و لا شموس قيظ.
و قد ينحسر من ريشه و يعرى من لباسه فيسقط تترى، و ينبت تباعا، فينحت من قصبه انحتات اوراق الاغصان.
[ينحسر من ريشه: يتكشف منه و يعرى. تترى: شيئا بعد شى ء. ينحت: يسقط و ينقشر. انحتات الاوراق: تناثر الاوراق.] ثم يتلاحق ناميا حتى يعود كهيئته قبل سقوطه: لا يخالف سالف الوانه و لا يقع لون فى غير مكانه.
و اذا تصفحت شعره من شعرات قصبه ارتك حمره ورديه،
و تاره خضره زبرجديه، و احيانا صفره عسجديه
[ذهبيه.]، فكيف تصل الى صفه هذا عمائق الفطن او تبلغه قرائح العقول
[عمائق، جمع عميقه. القرائح جمع قريحه و هى: الخاطر و الذهن.] او تستنظم وصفه اقوال الواصفين و اقل اجزائه قد اعجز الاوهام ان تدركه و الالسنه ان تصفه!