طباعة

مناقشة دليل ابن تيمية في التحريم:


مناقشة دليل ابن تيمية في التحريم:
لابن تيمية فتوى بالتحريم عمم فيها الحرمة بزيارة قبور الاَنبياء والاَولياء والصالحين، مع أنّ المستثنى هو المساجد فقال في الفتاوى، معتمداً في فتواه على القياس: «فاذا كان السفر إلى بيوت الله غير الثلاثة ليس بمشروع باتفاق الاَئمة الاَربعة بل قد نهى عنه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم فكيف بالسفر إلى بيوت المخلوقين الذين تتخذ قبورهم مساجد وأوثاناً وأعياداً ويشرك بها وتدعى من دون الله، حتى إنّ كثيراً من معظّميها يفضّل الحج إليها على الحج إلى بيت الله»(2).
ولو صحّ هذا النقل عن ابن تيمية ففي كلامه مؤاخذات شتى، فقد قال: «إذا كان السفر إلى بيوت الله غير الثلاث ليس بمشروع».
المؤاخذة عليه هي أنّه من أين وقف على أنّ السفر إلى غير المساجد الثلاثة محرّم، وقد تقدّم أنّ النهي ليس نهياً تحريمياً مولوياً، وإنما هو إرشاد إلى عدم الجدوى، ولذلك فإنّه لو ترتبت على السفر مصلحة لجاز ذلك السفر مثلما عرفت من سفر النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى مسجد قباء مراراً.
وقال أيضاً بأنّ عدم المشروعية اتفق عليه الاَئمة الاَربعة:
ويؤاخذ عليه: أننا لم نجد نصّاً منهم على التحريم، وإيرادهم للحديث في صحاحهم ليس دليلاً على أنّهم فسروا الحديث بمثل ما فسرّه هو.وأيضاً: فإنّ قياسه زيارة قبور الاَنبياء والصالحين على زيارة عامّة المساجد، قياس باطل خصوصاً بعد أن عرفنا عدم جدوى السفر إلى شيء من هذه المساجد العامة، لعدم تحقق أي فائدة سوى تحمّل العناء والتعب، وقد عرفت أنّ فضيلة أي جامع في بلد هي نفسها في بلدٍ آخر، وليس اكتساب الثواب متوقفاً على السفر، وهذا بخلاف المقام، فإنّ درك فضيلة قبر النبي يتوقف على السفر إليه.
وأما قوله: «إنَّ المسلمين يتخذون قبور الاَولياء أوثاناً وأعياداً، ويُشْرَك بها» فهذا افتراء كبير على المسلمين الموحّدين، فكيف يكون مشركاً من يشهد كل يوم بأن لا إله إلاّ الله وأنّ محمداً عبده ورسوله، وكيف يتخذ من يشهد بذلك قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم وثناً ؟ أما ما يصدر من الجهلة المتوهمين للعبادة بما قد يعدّ من الشرك، فليس بموقوف على هذه الاَماكن، بل قد يصدر منهم أنفسهم في بيت الله الحرام والمسجد النبوي أيضاً ! فلا يصحّ اتخاذه ذريعة للتحريم، وإلاّ لوجب تحريم دخول المساجد كلّها لاَجل مايفعل أمثال هؤلاء، بل وتحريم الحج نفسه ! وهذا باطل لا يقول به عاقل.
تم ما أردنا إيراده عن البدعة مفهوماً وشروطاً ومصاديق.
والحمد لله ربِّ العالمين
____________
(1) الفتاوى، لابن تيمية. البدعة، للدكتور عبدالملك السعدي.
(2) الفتاوى، لابن تيمية. البدعة، للدكتور عبدالملك السعدي.