• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

شبابنا في ظل التربية الإسلامية (2)

 

 

شبابنا في ظل التربية الإسلامية (2)
التربية البدنيّة والجسمانيّة


أمرنا الله جلّ وعلا أن نهتمّ بوسائل القوّة والإعداد الجسديّ ، لمواجهة الأعداء ، بقوله :
وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ [ الأنفال : 60 ] .
وقد حثّ الرسول الأكرم ( صلّى الله عليه وآله ) على بعض أنواع الرياضة البدنيّة ، حيث قال : (… وعلّموا أولادكم السباحة والرماية ) .
ومن مظاهر الاهتمام بالتربية الرياضيّة والبدنيّة للرسول الأكرم ( صلّى الله عليه وآله ) أنّه كان فتىً فارساً مقاتلاً ، وكان يشترك في ميادين سباق الفروسيّة ، فكان يكسب الجولات ويتفوّق في أغلب السباقات .
وكان ( صلّى الله عليه وآله ) يقيم السباقات بين أصحابه ، ويرصد لها جوائز للمتفوّقين ،تشجيعاً منه للفتوّة وللروح الرياضيّة .
وقد ورد عن الإمام عليّ ( عليه السلام ) : ( إنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله ) أجرى الخيل وجعل سبقها أواقي من فضة ) .
وبما أنّ الأبناء هم ثمرة العلاقة الزوجيّة ، وزينة الحياة الدنيا ، وبذرة الامتداد والبقاء النوعي للإنسان .
وبما أنّ الشباب هم أغلى شريحة في المجتمع ، وأثمن ما تملك الأمّة من طاقاتها البشريّة ، إذ هم في بداية شبابهم وقوّتهم ونشاطاتهم ، ويعتبرون القوّة الاحتياطيّة لإمداد المجتمع بعناصر حيويّة عاملة .
لذلك فإنّ الدولة ينبغي أن تبالغ في الاهتمام الكبير بهم وتسعى أن نضجهم لتستفيد منهم بحسب ما تخطّط لشكل الحكم فيها ، وترسيخه ، وللحرص على علوّ مكانتها ، وديمومتها وبقائها .
وإذا لم توجّه هذه الطاقات الشابّة فإنّها سوف تتحوّل إلى عناصر تخريب وهدم وفساد في المجتمع ، وينعكس ذلك على شخصيّة الشابّ نفسه انعكاساً سلبيّاً .
والشباب يمتازون في هذه المرحلة بالقوّة الجسديّة والنشاط والحيوّية ، لذا فإنّ تنمية روح الفتوّة والرياضة البدنيّة تعتبر مسألة لها أهميّتها الخاصّة ، لإنقاذهم من الميوعة والتحلّل .
وذلك عن طريق فتح نوادٍ رياضيّة وملاعب ومسابح وساحات للعب والسباق ، وإقامة المسابقات الرياضيّة ، وتسهيل الانتماء إليها والاشتراك فيها ، ورصد الجوائز للمتفّوقين منهم تشجيعاً لهم ولغيرهم من شباب الأمّة .
إنّ الإسلام العظيم قد اعتنى عناية فائقة بالرياضة والتربية البدنيّة ، لإعداد جيل قويّ .
وقد وجّه الرسول الأكرم ( صلّى الله عليه وآله ) السباق بنفسه ، كما تقدّم ، ورأينا كيف كان يشجّع على السباحة والفروسيّة .
فالرياضة في نظر الإسلام الحنيف هي من أهمّ وسائل الترفيه وتوفير القوّة الجسدية واللياقة البدنيّة ، التي دعا إليها القرآن الكريم .
لذا فعلى جيل الشباب أن يتمتع بالقوة والفتوّة ، والحصانة الفكريّة ، والتثقيف والوعي الإسلاميّ ، والتوجّه إلى الله تبارك وتعالى والإيمان به وبرسوله ( صلّى الله عليه وآله ) ذلك هو السلاح الأقوى والأمضى والأشدّ على الأعداء .
فنكون بذلك قد حصّنّا شبابنا من التسكّع والتطفّل والفساد والانحلال والميوعة والتخاذل .
فإننا نريد شبابنا أن يكونوا مؤمنين طيّبين وأن يكونوا أعضاء نافعين كما قال مولانا أمير المؤمنين الإمام عليّ ( عليه السلام ) ، والمراد من الآباء والمعلّمين والمربّين المؤمنين الصالحين أن يكونوا لشبابنا خيرَ عونٍ وهادٍ في عمليّة تربيتهم ، وإعدادهم الإعداد الجيّد الذي يرضي الله عزَّ وجلَّ ، ويرضي رسوله وأوصياءه وخلفاءه الأئمة الإثني عشر ( صلوات الله وسلامه عليه وعليهم أجمعين ) .

 

التربية الذوقيّة والجماليّة

قال الله تبارك وتعالى في محكم كتابه المبين : إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا [ الكهف : 7 ] .  
وبالعلم والمعرفة تتحدّد شخصيّة الإنسان ، وتقوّم قيمته ، كما تقدّم في الحديث الذي مرّ ذكره عن الإمام علي ( عليه السلام ) .
وقد تصدّرت الأمم والمجتمعات مواقعها في التاريخ ، وسادت البشريّة وتزعّمت قيادتها عن طريق العلم والمعرفة ، اللذين جلبا لها القوّة والقدرة العسكرية .
وقد أراد الله عزَّ وجلَّ بالعقل الذي وهبه للإنسان أن يصل به إلى العلم والمعرفة والكمال ، لينتـفع به وينفع غيره ، وأن يكون رحمة للناس كافة .
والله تبارك وتعالى مدح أهل العلم في قرآنه الكريم فقال مبيّناً فضلهم : قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ [ الزمر : 9 ] .
وقال تعالى أيضاً : الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ [ الزمر : 18 ] .
كما حث رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) المسلمين على طلب العلم والمعرفة ، فجعلها فريضة وواجباً على كلّ مسلم ومسلمة ، إذ قال : ( أطلبوا العلم ولو في الصين .. فإنّ طلب العلم فريضة على كلّ مسلم ) .
من هنا نرى أنّ واجب الوالدين ضمن النشاط الأسريّ لهما و وظيقة المعلّم خلال أدائه لواجبه الشريف هو تعريف الأولاد بحياة العلماء وأصحاب المعرفة السابقين ، الذين أرسوا قواعد العلم والمعرفة والفضيلة ووسائل الحضارة البشريّة ، ونشروا العلم بمختلف صنوفه أينما حلّوا في هذه الدنيا .
وأن يتحدّثوا لهم عن تجاربهم وعلومهم وفضائلهم ، بأسلوب قصصيّ شيّق جميل يستميل رغبة الأولاد ويثير فيهم حب الاطّلاع على المجهول ، ويرسّخ في أذهانهم ونفوسهم حبّ العلم والمعرفة والاستطلاع والاستكشاف لنشر العلم والمعرفة بين الناس ، وتوضيح أثر وأهميّة العلم والعلماء للأولاد .
وأن يشجعونهم على زيارة المتاحف ، للتعرّف على ما كان عليه أجدادنا ، وكذلك زيارة المعارض الحديثة للاطّلاع على معروضاتها الصناعيّة والعلميّة .
وأن يغرسون في أنفسهم مطالعة الصحف والمجلات الإسلامية والكتب العلميّة النافعة ، فيكون ذلك سسباً في توسيع مداركهم وتنمية عقولهم .
ونرى أن الواجب الذي يفرضه عصرنا الذي نعيش فيه ، والتقدّم الهائل والسريع الذي حدث فيه ، أن يتم تعليم الأولاد بممارسة الطرق والأساليب والآلات والأجهزة الحديثة للتعلّم واكتساب المعرفة .
والتي منها شبكات ( الإنترنت ) التي تتفاضل على سائر وسائل التعليم بالسرعة الفائقة ، والدقّة المتناهية ، وشموليّتها لمختلف المواضيع العلميّة والأدبيّة والثقافيّة وغيرها .
 وقال رسول الله ( صلى الله عليه واله ) : ( إن الله جميل يحب الجمال ، ويحبّ أن يرى أثر نعمته على عبده ، ويبغض البؤس والتباؤس ) .
وقال أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : ( التجمّل مروءة ظاهرة ) .
إنّ الشريعة الإسلاميّة الغرّاء قد اعتنت بمسألة الجمال والتجمّل والذوق الجميل والحسّ الجميل عناية فائقة ، ولقد تحدّث القرآن الكريم عن الجمال والزينة والطيب ، وبيّن للإنسان ما في عالم الموجودات من جمال وزينة ولطافة وبداعة ، وأنّ له الحقّ في التجمّل والتطيّب والتزيّن والاستمتاع .
وكان الرسول الأكرم وخلفاؤه وأوصياؤه الأئمّة الإثنا عشر ( صلوات الله وسلامه عليه وعليهم أجمعين ) المثل الرائع والقدوة اللطيفة في الأناقة والتجمّل وسمّو الذوق والتطيّب .
كما وإنّ التربية الذوقيّة والجماليّة والحسّية تربّي لدى الإنسان ـ سيّما الشباب ـ سمّو الذوق الجميل ، وتجسّد الحسّ السليم ، ولها تأثير عظيم في أنماط السلوك الإنسانيّ والروابط الاجتماعيّة .
وهي أيضاً تفتح الأفق النفسيّ والعقليّ والوجدانيّ لدى الإنسان ، وتشدّه إلى مبدع خلائقه ومصوّر جمالها في هذا الوجود ، الله عزَّ وجلَّ، الخالق المبدع المصوّر الخبير العليم .
فالجمال والتربية الجماليّة والخيال الخصب والذوق الجميل والحسّ الرقيق يعتبر طريقاً إلى معرفة الخالق جلّت قدرته؛ لأنّ ذلك دليل على عظمته سبحانه ، وعلى الارتباط العقليّ والوجدانيّ به تعالى .
فهذا الكون من سماء وأرض كلّ ما فيهما من تناسق وجمال وروعة ونظام وترتيب ما هو إلاّ لوحة فنيّة خلاّبة ، ومصدر إلهام فنّي وذوقي وجماليّ .
وقد أكّدت بحوث الفلاسفة الإسلاميّين القيم الإنسانيّة والمثل العليا ( الحقّ والخير والجمال ) ، وجعلتها هدفاً أسمى في هذا الوجود ، يسعى المرء لبلوغها ، وتحقيق مصاديقها ، وبناء الحياة على أساسها .
كما تناول علماء الكلام ـ علماء العقيدة الإسلاميّة ـ وعلماء أصول الفقه والمنطق مسألة الحسن والقبح في الأفعال والأشياء بالبحث والتدقيق العلميّ تفصيلاً ، فنفوا عن الله عزَّ وجلَّ القبح وفعل القبيح ، وأثبتوا له الحسن والفعل الحسن .
وأقاموا على هذه المبادئ قيماً وأسساً ومفاهيم تشريعيّة لتنظيم السلوك الفرديّ والعلاقات الاجتماعيّة والروابط الإنسانيّة ، فجعلوا الحسن والجمال والبداعة واللطف أساساً لبناء الحياة .
ومن نظرة الإسلام العظيم إلى الحسن والجمال يتعيّن على الآباء والمعلّمين والمربّين تأصيل وتعميق هذا الشعور الإنسانيّ اللطيف في نفس الأولاد منذ طفولتهم ، وتحبيب الجمال والتجمّل إليهم .
فإنّ تربيتهم على هذه القيم تعني تنمية الذوق اللطيف والحسّ الجماليّ لديهم ، وتعمل على تهذيب سلوكهم وأخلاقهم ، وإرهاف حسّهم الذوقيّ ، وتجذير قدرتهم على التمييز بين الشيء الحسن والآخر القبيح ، والتفاعل مع الجمال الماديّ والمعنويّ .
إن تعويد الإنسان منذ نعومة أظفاره على الأناقة والجمال والزينة ، والذوق الأدبي والأخلاقيّ ، ولمسه للعناية الأسريّة لهذه المظاهر اللطيفة ، ومشاهدته آثار الجمال على البيت ، من هندسة بنائه وترتيب حديقته ، وتنظيم أثاثه ، وترتيب الطعام على المائدة ، وكذلك استصحابه في التجوال والسفر ، وتمتّعه بمشاهدة الطبيعة الجميلة ، وانتباهه إلى مواطن الجمال والفتنة ، وكذلك غرس الأبوين في نفسه روح التأثر بالمظاهر الجماليّة ، كلّ هذه تخلق فيه حساً ذوقيّاً وجماليّاً لطيفاً .
كما وأنّ الإطراء والمدح على اهتمامه بمظهره وقيافته ، وعنايته بترتيب لوازمه وأدواته ، وتنظيم وتصفيف لعبه ، وكذلك تشجيعه على إنتاجاته الفنيّة المرهفـة والذوقيّة مهما كانت بسيطة ، كلّ ذلك يعدّ من المحفّزات الضروريّة لتنمية الذوق الجميل والحسّ الفنّي والقدرة الإبداعيّة والأداء الفنيّ الجميل .
كما أنّ نقد وتقبيح مظاهر القبح ، وإشعاره بالنفور والتقزّز من المظاهر والمناظر القبيحة والفاقدة للجمال ، يكوّن لديه حسّاً نقديّاً وتمييزيّاً ، وذوقا سليماً .
ويركّز في نفسه الإقبال على الحسن والجمال من الفعل والقول والسلوك والأشياء ، والنفور من أشكال مظاهر القبح والفساد ومعانيهما .
وينبغي أن نربّي أولادنا على أنّ الجمال كما يتجسّد في الموضوعات الحسيّة كالمظهر في اللباس والعطر والحدائق وطراز بناء البيوت وهندسة الشوارع وتخطيط المدن ، واللوحات والواجهات الفنيّة .
كذلك فإنّ الجمال يتجسّد في القيم الأخلاقيّة العليا ، والمثل الأدبيّة السامية الرفيعة ، وكذا في الكلمة الطيبّة والمنطق الحسن والكلام المؤدبّ والأسلوب المهذّب والمعاملة الحسنة والمعاشرة الجميلة ، وفي فعل الخير واحترام حقوق الآخرين .
وذلك حتى ينشأوا ويكبروا على القيم الأخلاقيّة النبيلة ، والتحسّس بالجمال ، وتوظيفه في تهذيب السلوك وتسامي الذوق ورفعة الأدب والأخلاق الكريمة .
ولاهتمام الإسلام بالجمال ، وطبع شخصيّة الطفل بطابعه ، وتوفير العناصر الجماليّة في حياته ، تراه قد دعا الناس إلى انتقاء المرضعة الحسنة الوضيئة ، وكرّه أن ترضعهم المرأة القبيحة .
فلو أعددنا شبابنا الإعداد الفنيّ والذوقيّ والجماليّ الحسن ، فإنّنا في الحقيقة نكون قد أعددنا مجتمعاً إسلاميّاً ذوّاقاً سامياً مرتّباً منظّماً قوّياً ، وذلك من مظاهر القدرة والمنعة ومن عناصر الحضارة ومعالم رقيّها .


التربية الوطنيّة والقياديّة

روي عن النبي ( صلّى الله عليه وأله ) : ( حبّ الوطن من الإيمان ) .
وعن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) أنّه قال : ( عُمّرت البلدان بحبّ الأوطان ) .
يتبيّن من هذين القولين و غيرهما مما قيل في الوطن وفي حبّه والتضحية من أجل عزّته وكرامته ، أنّ الإسلام العظيم يولي اهتماماً كبيراً وأساسيّاً للوطن وحبّه والدفاع عنه ، إذ فيه عزّة الفرد المسلم والمجتمع الإسلاميّ ، وبالتالي الدين الإسلاميّ نفسه .
وإنّ التربية الوطنيّة موضوع أساسيّ في تنشئة الشباب وإعدادهم إعداداً صحيحاً سليماً ، يتناسب والدور الذي سيساهمون فيه لبناء مجد الأمّة وعزّتها وكرامتها وسؤددها في المستقبل الزاهر بعونه جلّ وعلا .
في الحقيقة إنّ كلّ أمّة من أمم الأرض إذا أرادت أن تحقّق لنفسها السيادة والقوّة والغلبة ، وأن تجعل ميزان القوى في العالم لصالحها ، فلابدّ لها من الالتزام بأسس معيّنة في تربية مواطنيها ، كيما ينشأوا مخلصين لأمّتهم ، مضحّين في سبيل أهدافها ومثلها وقيمها .
ولو تصفّحنا تاريخ الأمم السحيق لوجدنا حبّ الوطن والدفاع عنه كان من البالغة الأهميّة عندهم .
وممّا لا ريب فيه أنّ الأمّة الإسلاميّة ، منذ عهد الرسول الأكرم ( صلّى الله عليه وآله ) حينما بدأت في سيادة العالم سياسيّاً وعسكريّاً وحضاريّاً ، كانت واحدة من نوادر الأمم التي تمكنّت من تربية أجيالها تربية وطنيّة رصينة صالحة ، ممّا مكّن المسلمين لأن يتحكّموا فترة طويلة وقروناً متطاولة بالميزان الدولي ، وجعله يميل إلى كفّتهم ويصّب في صالحهم ، بل وفي صالح البشريّة جميعاً ، لما في النظام الإسلاميّ من قوانين وأنظمّة وقواعد إنسانيّة شريفة تخدم الصالح العام .
وهذا ما كان سبب تقدّمها في العالم وسيطرتها على بقعة كبيرة منه .
إذ وصلت جيوشها شرقاً إلى بلاد الصين وأخضعوها لسيطرتهم ، وغرباً إلى بلاد المغرب والمحيط الأطلسي ، وشمالاً إلى أواسط روسيا ودول أوربا كآسيا الصغرى واليوغسلاف .
حتّى أنها عبرت أسبانيا والبرتغال وأصبحت على مشارف بلاد الإفرنج ( فرنسا ) ، وجنوباً إلى المحيط الهادي والبحر العربي وأفريقيا .
فكان سبب ذلك الفتح الهائل هو كونها من الأمم الفكريّة المتميّزة بروحيّة عقيدتها وسماويّة تشريعها وأخلاقيّة رسالتها .
فطبيعي أن هكذا أمّة تمتلك كل عناصر القوّة والغلبة أن تكون كذلك ، وحينما يغمر روّادها مواطنيهم بالحبّ والعطف والرعاية والاهتمام والألفة والاحترام .
ففي ذلك تحقيق رضا الله عزَّ وجلَّ ، ونيل الهدف السامي الذي من أجله بعث الإسلام لهداية الناس جميعاً إلى الخير والتوفيق والسعادة .
ويجسّد أمير المؤمنين ( عليه السلام ) هذا المعنى في رسالته إلى ولده الإمام الحسن المجتبى ( عليه السلام ) مؤكّداً في قوله :
( يا بُنيّ ، إجعل نفسك ميزاناً فيما بينك وبين غيرك ، فأحبب لغيرك ما تحبّ لنفسك ، واكره له ما تكره لها ، ولا تظلم كما لا تحبّ أن تظلم ، وأحسن كما تحبّ أن يحسن إليك ، واستقبح من نفسك ما تستقبح من غيرك ، وارض من الناس بما ترضاه لهم من نفسك ) .
هذه هي المواطنة الصالحة التي يحدّد إطارها الإمام عليّ ( عليه السلام ) ويحدّد معيارها ، حين يحثّ المسلمين على السعي إلى الإصلاح والوقوف بوجه الظلم والانحراف ، فيقول :
( إنّ من رأى عدواناً يُعمل به ومنكراً يدعى إليه ، فأنكره بقلبه فقد سلم وبرئ ، ومن أنكره بلسانه فقد أُجر ، وهو أفضل من صاحبه ، ومن أنكره بالسيف لتكون كلمة الله العليا وكلمة الظالمين السفلى ، فذلك الذي أصاب سبيل الهدى ، وقام على الطريق ، ونوّر في قلبه اليقين ) .
وبقدر ما تجب على الإنسان المسلم المواطنة الصالحة ، فقد تجب عليه أيضاً الدفاع عن حياض دينه الإسلاميّ الحنيف ، والمحافظة على ثغور وطنه الإسلامي العزيزمع أنّ القتال والحرب دمار للإنسان وإزهاق للأرواح واستهلاك للطاقات البشريّة وهدر للقدرات الإنسانيّة .
إلاّ أنّه إذا وصلت الحالة إلى غزو الأوطان والاعتداء على أهلها وإخضاعهم وإذلالهم ، توجّب حين ذاك أن يهبّ أهلها للدفاع عن حياضها وعن كرامتهم وعزّتهم ومقدّساتهم .
و في الحقيقة شتّان بين جيلين من الشباب ، جيل يعيش على الحرب والدماء والخراب والدمار ، ويتّخذها وسيلة للظلم والاستغلال والعدوان واستعباد المستضعفين ، ليشبع نهم نفسه الشريرة ، ويبسط غطرسته وتجبّره عليهم .
وجيل يعيش نظريّة الحبّ والسلام ، والأخوّة والمساواة والعدالة ، ويعتبر الحرب أداة لردّ العدوان ، ووسيلة للدفاع عن الحقّ .
والحمد لله رب العالمين

 


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
اللطميات
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page