طباعة

برج عذراء:

دفـع زيـاد حـجر بن عدي واصحابه الى وائل بن حجر الحضرمي , وكثير بن شهاب , وامرهما ان يسيرا بهم الى الشام , وبعث زياد الى معاوية كتاباارسله مع الركب ونص الكتاب : (بسم اللّه الرحمن الـرحـيـم لـعـبـد اللّه معاوية امير المؤمنين من زياد بن ابي سفيان . اما بعد فان اللّه قد احسن عند امـيرالمؤمنين البلاء, فكاد له عدوه وكفاه مؤنة من بغى عليه . ان طواغيت من هذه الترابية السبائية راسهم حجر بن عدي خالفوا امير المؤمنين وفارقواجماعة المسلمين ونصبوا لنا الحرب , فاظهرنا اللّه عـلـيـهـم وامـكـنـنا منهم . وقددعوت خيار اهل المصر واشرافهم وذوي السن والدين منهم فـشهدواعليهم بما راوا وعملوا. وقد بعثت بهم الى امير المؤمنين وكتبت شهادة صلحاء اهل المصر وخـيارهم في اسفل كتابي هذا), فخرجوا عشية , ـ ولعل السير بهم ليلا, وتحت ستار الظلام كان خـوفا من اثارة اهل الكوفة لو ساروابهم في وضح النهار امام عيون الناس ـ وقد حذر البعض زيادا ان هناك من يحاول اعتراض الركب . ففي الطبري : ((فاتاه ـ زياد ـ قيس بن الوليد فقال انه قد بلغني ان هـؤلاء اذا خرج بهم عرض لهم , فبعث زياد الى الكناسة فابتاع ابلا صعابا فشد عليها المحامل , ثم حـمـلهم عليها في الرحبة اول النهار,حتى اذا كان العشاء قال زياد: فليعرض , فلم يتحرك من الناس احـد)),وسـار معهم صاحب الشرطة , حتى اخرجهم من الكوفة , فلما انتهوا الى جبانة عرزم , نظر قـبـيصة بن ضبيعة العبسي الى داره , وهي في جبانة عرزم ,فاذا بناته مشرفات , فقال لوائل وكثير: ائذنا لي فاوصي اهلي , فاذنا له , فلمادنا منهن وهن يبكين , سكت عنهن ساعة , ثم قال : اسكتن , فسكتن , فـقال :اتقين اللّه عزوجل , واصبرن , فاني ارجو من ربي في وجهي هذا احدى الحسنيين , اما الشهادة وهـي السعادة , واما الانصراف اليكن في عافية , وان الذي رزقكن ويكفيني مؤونتكن هو اللّه تعالى , وهـو حـي لايموت , ارجو ان لا يضيعكن , وان يحفظني فيكن , ثم انصرف فمر بقومه , فجعل القوم يدعون اللّه له بالعافية .
فـساروا حتى انتهوا بهم الى مرج عذراء عند دمشق , وهم اثنا عشر رجلا,حجر بن عدي , الارقم بـن عـبداللّه , شريك بن شداد, صيفي بن فسيل , قبيضة بن ضبيعة , كريم بن عفيف , عاصم بن عوف , ورقـاء بن سمي , كدام بن حيان ,عبدالرحمن بن حسان , محرز بن شهاب , عبداللّه بن حوية , واتبعهم زيادبرجلين مع عامر بن الاسود, فتموا اربعة عشر رجلا, حبسوا بمرج عذراء.
وقـد عـفا معاوية , بعد الحاح بعض حاشيته الذين لهم تاثير كبير عليه , ولهم علاقة ببعض اصحاب حـجـر, عن سبعة منهم , فيكون عدد من قتل منهم مع حجر, سبعة اشخاص , ذكرهم الطبري وهم : (حـجـر بن عدي , شريك بن شداد الحضرمي , صيفي بن فسيل الشيباني , قبيصة بن ضبيعة العبسي , مـحـرزبـن شـهاب السعدي , كدام بن حيان العنزي . واما عبدالرحمن بن حسان العنزي فبعث به الى زياد, فدفن حيا بقس الناطف , فهم سبعة قتلوا, وكفنواوصلي عليهم ) ((166)) .
ومـرج عـذراء كما يقول صاحب الاغاني (تقع على بعد اميال من دمشق ).واما الطبري فيقول : (بينها وبين دمشق اثنا عشر ميلا).
ولما علم معاوية بوصول ركب العقيدة والولاء الى مرج عذراء, بعث الى قائدي الركب , وهما وائل بن حـجـر, وكـثـير بن شهاب , ان ياتيا اليه , وقرارسالة زياد, الا ان معاوية تجاهل او جهل خطورة الـمـوقـف , كـمـا كـان يـدركهازياد, وخطورة وجود حجر وجماعته , وان حجرا يهدد سلطان مـعـاوية ,وربما ادى وجوده الى ظهور حركة تمرد ضد زياد, تهدد ولايته , وتهددسلطان معاوية , فـاسـتـشار معاوية بعض حاشيته حول الموقف الذي يلزم اتخاذه ضد حجر وجماعته , فاشار عليه الـبعض بنفيهم الى بعض قرى الشام ,فتردد معاوية في قتلهم , وربما كان سبب التردد ما كان يخشاه مـن التذمروالاستنكار بين المسلمين , الذي يعقب قتله لحجر وجماعته , فكتب الى زيادرسالة ذكر فـيـهـا تـردده : (امـا بعد فقد فهمت ما اقتصصت به من امر حجرواصحابه وشهادة من قبلك عليهم فـنـظـرت فـي ذلـك , فاحيانا ارى قتلهم افضل من تركهم واحيانا ارى العفو عنهم افضل من قتلهم .
والـسـلام ). حـيـنئذاضطر زياد ان يكشف عن وجهه الحقيقي امام معاوية , وعن السبب الحقيقي في قتلهم , فليس السبب دافعا دينيا, كما هو مذكور في متن الشهادة , بل سببه الخوف من انهيار سلطته في الـكـوفة , والعراق , فكتب اليه زياد مع يزيد بن حجية : (اما بعد. فقد قرات كتابك , وفهمت رايك في حـجـر واصحابه ,فعجبت لاشتباه الامر عليك فيهم , وقد شهد عليهم بما قد سمعت من هواعلم بهم , فان كانت بك حاجة في هذا المصر فلا تردن حجرا واصحابه الي ) ((167)) .
وهـنـا انـكـشف السبب الحقيقي , وهو بقاء العراق تحت سيطرة الحكم الاموي ,او تحت ولاية زياد فاقبل يزيد بن حجية حتى مر بهم بعذراء فقال : (ياهؤلاء اما واللّه ما ارى براءتكم , ولقد جئت بكتاب فـيـه الـذبـح فـمـرونـي بـمـااجبتم مما ترون انه لكم نافع اعمل به لكم وانطق به ) فقال حجر: ((ابـلـغ ‌مـعـاوية انا على بيعتنا لا نستقيلها ولا نقيلها وانه انما شهد علينا الاعداءوالاظناء)) ولما اخبروا معاوية بما قاله حجر, اجاب : ((زياد اصدق عندنا من حجر)).
قـال ابن الاثير: ((فوصل اليهم , وهم بمرج عذراء, الرجلان اللذان الحقهمازياد بحجر واصحابه , وهما عتبة بن الاخنس السعدي , وسعيد او سعد بن نمران الهمداني الناعطي , فلما وصلا سار عامر بن الاسود العجلي من عذراءالى معاوية ليعلمه بهما. فقام اليه حجر بن عدي يرسف في القيود, فقال : ((ياعامر, اسمع مني , ابلغ معاوية ان دماءنا عليه حرام , واخبره انا قد اومناوصالحناه وصالحنا, وانا لم نقتل احدا من اهل القبلة فتحل له دماؤنا, فليتق اللّه , ولينظر في امرنا)) ((168)) .
ولعله اشار بالامان الى اعطاء زياد الامان لهم , واراد من الصلح صلح الامام الحسن (ع ) وبنوده , ومنها عدم مطاردته لشيعة الامام (ع ).
وفـي الاصابة : ((من طريق ابي اسحاق , قال : رايت حجر بن عدي وهو يقول :الا اني على بيعتي لا اقـيـلها واستقيلها)) ((169)) وفي المستدرك : ((فلما قدم ـ حجرـ عليه ـ معاوية ـ قال : السلام عليك يا امير المؤمنين . قال : وامير المؤمنين انااني لا اقيلك ولا استقيلك . فامر بقتله , فلما انطلقوا به طـلـب مـنـهـم ان يـاذنوا له فيصلي ركعتين , فاذنوا له فصلى ركعتين ثم قال : لا تطلقو عني حديدا ولاتغسلوا عني دما وادفنوني في ثيابي فاني مخاصم , فقتل )) ((170)) .
وعدد الذين استشهدوا مع حجر ستة : 1 ـ حجر بن عدي .
2 ـ شريك بن شداد الحضرمي .
3 ـ قبيصة بن ضبيعة العبسي .
4 ـ صيفي بن فسيل الشيباني .
5 ـ محرز بن شهاب السعدي .
6 ـ كدام بن حيان العنزي .
واما عبد الرحمن بن حسان العنزي , فانه ارسل لزياد ودفنه حيا, وهو اول من دفن حيا في الاسلام .
ويـذكـر الـطـبري : انه بعد ان سير حجر الى معاوية , اجتمعت كندة وغيرهاعند مالك بن هبيرة , وتـشاوروا فيما بينهم , وصمموا على انقاذ حجر, ولذلك ساروا الى الشام من اجل ذلك , ولكن عندما وصـلـوا الـى مـرج عـذراءفـاسـتـقـبلهم بعض من جاء منها فاخبروهم ان القوم قد قتلوا, وحين اخـبـروامـعاوية بمسير مالك بن هبيرة ومن معه من الناس قال (اسكنوا فانما هي حرارة يجدها في نـفـسـه وكـانـهـا قـد طـفـئت ). وارسـل الى مالك ان ياتي اليه ,فابى , فبعث اليه بمائة الف درهم , واسترضاه ((171)) , وهكذا كان دهاء معاوية واساليبه , ومواقف بعض الناس .