• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

تذكرة وإنذار

إنّ لزيارة العظماء والقدّيسين، أصحاب الرسالات آثاراً إيجابيةً تعود تارة إلى الزائر وأُخرى إلى المزور.
أمّا الاُولى:
فلانّ الزيارة صلة بين الكامل ومن يروم الكمال، فالدوام على مواصلته محاولة للتخلّق بأخلاقه، واتّباعِ منهجه وتجديد العهد معه، ولذلك لا تجد إنساناً وَقف أمام قبر النبيّ الاكرم (صلى الله عليه وآله) وزاره إلاّ ويتأثّر بشخصه و شخصيّته، وإن كان التأثّر قليلاً مؤقّتاً، فزيارتهم تقترن غالباً بذرف الدموع، والعطف والحنان على المزور، وهي لا تنفك عن تحوُّل نفسيّ وأخلاقيّ وحبّ ووُدٍّ لهم، وبالتالي شعوره بقربه منهم ومشاطرته لاهدافهم، إلى غير ذلك من الاثار الايجابية التي تعود على الزائر والتي أشرنا إليها في تمهيدنا الذي تصدّرت هذه الرسالة به، ولا نعود إلى تلك الاثار التي تعود إلى الزائر.
أمّا الثانية:
أعني الاثار الايجابية التي تعود إلى المزور فهذا هو المقصود في بياننا، وهو أنّ زيارة العظماء هي تخليد لذكراهم، وتجسيد لرسالاتهم في الاذهان، وبالتالي تكون سبباً لبقائهم أحياءً في كلّ عصر، وقرن، لا يتسرّب إلى وجودهم ورسالاتهم وبطولاتهم أدنى ريب وشكٍّ، فبذلك يتجلّى المزور في كل زمان حيّاً في القلوب وفي المجتمع، كما لو كان موجوداً بشخصه في زمن الزائر، فكأنَّ الزيارةَ استمرار لبقائهم في القلوب تجلي الصدأ عنها، وتتجلّى صحة وجودهم للخلف كما تجلّت للسلف وتكون بمنزلة الدليل على وجودهم ورسالاتهم وبطولاتهم.
فلو حذفنا الزيارة من قاموس حياتنا و تركنا مزارهم وأقفلنا أبواب بيوتهم ولم نهتمّ بآثارهم طوالَ قرون، فقد جعلنا آثارهم في مهبِّ الفناء والتدمير، وبالنتيجة التشكيك في أصل وجودهم وبعثهم، وبالتالي تصبح تلك الشخصيات بعد قرون أساطيرَ تاريخية للخلق، فيتلقّون النبيّ والامام بل الانبياء كلّهم قصصاً تاريخية نسجتها يدُ الخيال، كما هو الحال في كثير من القصص التاريخية التي أصبحت تُروى على ألسن الاطفال وفي المنتديات.
إنّ الانسان الغربيّ يتمتّع في حياته بكلّ ما هو غربيّ إلاّ الدين والمذهب، فإنّ مذهبه شرقيّ، لانّ المسيح وليد الشرق ومبعوثه سبحانه إلى أرض فلسطين وغيرها وبما أنّ الغربيّ لا يجد أثراً ملموساً للمسيح في حياته فمثلاً ليس له قبر حتى يُزار ولا لاُمّه قبر حتى يُنسب إليها، ولا لكتابه صورة صحيحة يؤمن به، ولا لتلاميذه وحوارييه آثار ملموسة، فلذلك صارت الديانة المسيحية أُسطورة تاريخية في نظر الغرب وشبابه المثقّفين بعد ألفي عام وإن كان الشيوخ والعجائز يُؤمنون به إيماناً تقليديّاً لا علمياً، فالجُدد منهم مسيحيّون في هويّاتهم الشخصية لا في هوياتهم العقلية والفكرية، وممّا أثّر في ذلك هو فقدان كلّ أثر ملموس عن سيّدنا المسيح في حياتنا البشريّة، ولولا أنّ القرآن الكريم جاء بذكره ورسالته ومواقفه لكان الشك متسرِّباً إلى أذهاننا وأفكارنا.
وهذا بخلاف ما لو كان له أثر ملموس يُزار بين آونة وأُخرى، وتشدُّ الرحال إليه عندئذ لكانت الديانة المسيحية حيّة نابضة بلا شك وريب.
ومن الاسباب والوسائل التي أضفت على الاسلام حيوية وعلى نبيّه بقاءً في القلوب وعلى مواقفه وبطولاته خلوداً في الاذهان والضمائر، هو وفود المسلمين في كلّ شهر وسنة إلى موطنه (مكّة) و مهجَرِه (المدينة) وزيارة قبره وآثاره وقبور أولاده وأصحابه ومشاهدة مولده ومبعثه وما يمتُّ إليه بصلة طوال حياته، حيث أضفت هذه الوفادة المستمرة على وجوده ورسالته نوراً وضياءً، وواقعية تُذهِب كلّ ريب وشكّ وتقرّ في النفوس عظمته وبطولاته.
وإذا كانت الذكرى ناقوساً في وادي النسيان يذكّرك الحبيبَ ويرِنُّ في أسماعك جماله وكماله، فزيارته والمثول أمام آثاره وعظمته تُؤثر في خلوده وبقائه في النفوس وتزيل غبار النسيان عنه. لذا نرى أنّ الفقهاء أفتوا بأنّه يجب على الحاكم الاسلامي تجهيز المسلمين من بيت المال وإرسالهم إلى الحجّ اذا خلت الكعبة عن الزوار لئلاّ تُنسى وحتى تبقى خالدة في قلوب المسلمين ومهوى أفئدتهم، فكذلك قبور الانبياء والمرسلين وفي مقدّمتهم سيّدنا سيد الرسل نبيّنا الاكرم عليه صلوات الله وعلى آله ومن تبعه بإحسان، وذلك لانّ هجرة قبورهم وعدم الاهتمام بها تمهيد لنسيانهم ورسالاتهم وبالتالي القضاء على الاسلام.
* * *
أخي القارئ الكريم; لقد عالجت مسألة الزيارة معالجة علميّة في ضوء القرآن والحديث الصحيح وقضاء الفطرة الانسانية، فلم يبق في رجحان الزيارة واستحبابها شرعاً شكّ ولا ريب، وقد تعرفت على آثارها الايجابية للزائر والمزور، وقد أزحنا بعضَ الاشواك النامية في هذا الطريق، فعلى المشرفين على القبور والاضرحة ونخصّ بالذكر قبرَ سيد البشر ـ عليه صلوات الله وسلامه ـ استقبال الوافدين عليها بوجوه مشرقة مرَحِّبين بضيوف النبي مهيّئين الاجواء الودّية المناسبة للزيارة، وحشد كلّ الامكانات المادّية والمعنوية لاقامتهم في مدينة الرسول (صلى الله عليه وآله)إقامة مقرونة بالارتياح.
ولا تفوتنا الاشارة هنا إلى واجب الخطباء والعلماء في إرشاد المسلمين وتوجيههم إلى الاداب الصحيحة للزيارة وتذكّرهم بما ينفعهم في الدنيا والاخرة، حتى يتلقّى الزائر أنّ الحضور في مزاره الشريف وسيلة للتذكرة به وهي لا تنفك عن العمل بشريعته ودينه وسنّته والتخلّق بأخلاقه.
نحمده سبحانه ونستعين به وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.
جعفر السبحاني    
24 محرم عام 1416


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
اللطميات
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page