طباعة

الاستغفار هو البداء

الاستغفار هو البداء


ليس من الصحيح أن نحكم على أحد ما بكونه من أهل جهنّم، فما أدرانا لعلّه أن يتوب ويستغفر فيتوب الله عليه، ويغفر له، وهذا هو البداء، الذي جسّده تعالى بقوله: «لِلَّهِ الأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ».
والبداء هذا يتّصل بفكرة الحرية الأساسية في الإسلام، ولذلك كان نفحة من نفحات الحضارة الراقية، لأنّه بالشكل الذي عرضناه يدلّنا على انسجام المجتمع، وتماسكه، ووحدته، وخلوصه شيئاً فشيئـاً لله سبحانه، فيصبح عندها مجتمعاً حرّاً كريماً، وهذه هي سمـة التمدّن الحضاري المنشود.
ويعتبر الدعاء من أعظم المظاهر التي يتجلّى فيها البداء، ولذلك كان الدعاء مخّ العبادة، كما جاء عن معاوية بن عمار قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام؛ رجلان افتتحا الصلاة في ساعة واحدة فتلا هذا من القرآن فكانت تلاوته أكثر من دعائه، ودعا هذا فكان دعاؤه أكثر من تلاوته ثمَّ انصرفا في ساعة واحدة أيهما أفضل؟ فقال: كلٌّ فيه فضل، كلٌّ حسن. قال: قلت قد علمت أنَّ كلاً حسن وأنَّ كلاً فيه فضل. فقال: الدُّعاء أفضل، أما سمعت قول الله تبارك وتعالى «وَقَال رَبّكم ادْعُوني اَسْتَجِبْ لَكُم إنَّ الَّذينَ يَسْتَكْبرونَ عَنْ عِبَادَتي سَيَدْخُلُونَ جَهنَّمَ دَاخِِرينَ». هي والله العبادة، هي والله العبادة. أليست هي العبادة، هي والله العبادة، هي والله العبادة. أليست أشدّهنّ، هي والله أشدّهنَّ، هي والله أشدّهنَّ، هي والله أشدهنَّ. ([54])
والقـرآن الكريم يؤكد على الدعاء في الكثير من آياته كقوله تعالى: «ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ» (غافر/60) وقوله: «وَإِذَا سَاَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَاِنِّي قَرِيبٌ اُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ» (البقرة/186) وقوله: «قُلْ مَا يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبِّي لَوْلاَ دُعَآؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامَاً» (الفرقان/77).
فعلنيا أن نتوجّه إلى الله بكل جوارحنا، وبقلوب نقية، وخلوص نيّة، فندعوا ربنا ولا نكون مصداقاً لقوله تعالى: «إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ» (غافر/60).
فلنجد في الدعاء، ولا نيأس ولا نتكبّر ولا نكن غافلين عنه، فهذا هو الله سبحانه معنا أينما كنّا، ولا شيء يفصل بيننا وبينه إلاّ الذنوب، ولذلك كان الوصول إليه واجتيازها عبر جسر التوبة النصوح، وطلب المغفرة، والدعاء، فلنقف بين يدي الجليل سويعات بقلوب منكسرة وعيون تفيض بالدمع، ولنعرض ونعترف بذوبنا وخطايانا وظلمنا أمام الله، ولنتب إليه، ونعاهده على أن نردّ مظلمة كلّ من ظلمناه، وحقّ كلّ من بخسناه حقّه فأكلناه بالحرام، ثم لنسأله سبحانه أن يغفر لنا، ويتوب علينا، فهو التواب الرحيم ذو المغفرة.
أسأل الله سبحانه أن يجعل في هذا الدعاء بركة لنفسي ولإخواني، وأن يعرّفنا فضيلة ليلة القدر، وشرفها، ويعيننا على أنفسنا، وينصرنا على عدوّنا وعدوّه الشيطان الرجيم، انّه ولي التوفيق.

مدرسة التربية والفضيلة

مكاسب رمضانية

ربيع القرآن

في رحاب شهر الصيام

واجبات شهر رمضان

 

_________________________________
([54]) بحار الأنوار، ج81، ص223.