طباعة

الوداع الأخير من الإمام لعياله (صلوات لله وسلامه عليهم أجمعين)


وقفل الإمام راجعاً إلى عياله ليوعهم الوداع الأخير وجراحاته تتفجر دماً وقد أوصى حرم الرسالة وعقائل الوحي بلبس الأزر والاستعداد للبلاء، وأمرهن بالخلود إلى الصبر والتسليم لقضاء الله قائلاً:
((أستعدوا للبلاء، وأعلموا أن الله تعالى حاميكم وحافظكم، وسينجيكم من شر الأعداء ويجعل عاقبة أمركم خير، ويعذب عدوكم بأنواع العذاب؛ ويعوضكم عن ههذ البلية بأنواع النعم والكرامة فلا تيكوا ولا تقولوا بألسنتكم ما ينقص قدركم))(1).
في كتاب حياة الإمام الحسين ج3. ص284ـ إلى 287ـ:
((وذابت أسى أواح بنات الرسول (ص) حينما رأين الإمام بتلك الحالة يتعلقن به يودعنه، وقد وجلت منهن القوب وأختطف الرعب ألوانهن، والتاع الإمام حينما نظر إليهن وقد سرت الرعدة بأوصالهن.

يقول الإمام كاشف الغطاء:
((من ذا الذي يقتدر أن يصور لك الحسين (ع) وقد تلاطمت أمواج البلاء حوله، وصبت عليه المصاب من كل جانب، وفي تلك الحال عزم على توديع العيال ومن بقي من الأطفال فاقترب من السرداق على حرائر النبوة وبنات علي والزهراء (ع) فخرجت المخدرات كسرب القطا المذعورة فأحطن به وهو سابح بدمائه، فهل تستطيع أن تتصور حالهن وحال الحسين في ذلك الموقف الرهيب ولا ينفطر قلبلك ولا يطيش لبك ولا تجري دمعتك لقد كانت محنة الإمام في تدويعه لعياله من أقسى وأشق ما عاناه من المحن والخطوب، فقد لطمن بنات رسول الله (ص) وجوهن، وأرتفعت أصواتهن بالبكاء والعويل، وهن يندبن جدهن الرسول (ص) وألقين بأنفسهن عليه لوداعه، وقد أثر ذلك المنظر المريع في نفس الإمام بما لا يعلم بمداه إلا الله.
ونادى الرجز الخبيث عمر بن سعد بقواته المسلحة يحرضها على الهجوم على الإمام قائلاً:
((أهجموا عليه ما دام مشغولاً بنفسه وحرمه، فوالله إن فرغ لكم لا تمتاز ميمنتكم عن ميسرتكم)).
وحمل عليه الأخباث فجعلوا يرمونه بالسهام وتخالفت السهام بين أطناب المخيم وأصاب بعضها أرز بعض النساء فذعرن ودخلن الخيمة وخرج بقية الله في الأرض كالليث الغضبان على أولئك الممسوخين فجعل يحصد رؤوسهم الخبيثة بسيفه، وكانت السهام تأخذه يميناً وشمالاً، وهو يتقيها بصدره ونحره، ومن بين تلك السهام التي فتكت به.
1ـ سهم أصاب فمه الطاهر، فتفجر دمه الشريف فوضع يده تحت الجح فلما أمتلأت دماً رفعه إلى السماء وجعل يخاطب الله تعالى قائلاً:
((اللهم أن هذا فيك قليل))(2).
2ـ سهم أصاب جبهته الشريفة المشرقة بنور النبوة والإمامة رماه به أبو الحتوف الجعفي فأنتزعه، وقد تفجر دمه الشريف، فرفع يديه بالدعاء على السفكة المجرمين قائلاً:
((اللهم إنك تلى ما أنا فيه من عبادك العصاة، اللهم أحصهم عدداً وأقتلهم بددا، لا تذر على وجه الأرض منهم أحداً، ولا تغفر لهم أبداً)).
وصاح الجيش يا أمة السوء بئسما خلفتم محمدا في عترته، أما أنكم لا تقتلون رجلاً بعدي فتهابون قتله بل يهون عليكم ذلك عند قتلكم إياي، وأيم الله أني لأرجو أن يكرمني الله بالشهادة، ثم ينتقم لي منكم من حيث لا تشعرون...))(3).
3ـ وهو من أعظم السهام التي فتكت بالإمام، يقول المؤرخون: إن الإمام وقف ليستريح بعدما أعياه نزيف الدماء، فرماه وغد بحجر أصاب جبهته الشريفة، فسالت الدماء على وجهه فأخذ الثوب ليمسح الدم عن عينيه، فرماه رجس بسهم محدد له ثلاث شعب فوقع على قلبه الشريف الذي يحمل العطف والحنان لجميع الناس(4).
فشخص ببصره نحو السماء وهو يقول:
((بسم الله وبالله وعلى ملة رسول الله (ص).. إلهي أنك تعلم أنهم يقتلون رجلاً ليس على وجه الأرض أبن بنت نبي غيري)).
وأخرج السهم من قفاه فأنبعث الدم كالميزاب فأخذ يتلقاه بيديه فلما أمتلأتا رمى به نحو السماء وهو يقول:
((هو ما نزل بي أنه بعين الله)).
وأخذ الإمام من دمه الشريف فلطخ به وجهه ولحيته، وهو بتلك الهيبة(5) وأندفع يقول:
((هكذا أكون حتى ألقى الله وجدي رسول الله (ص) وأنا مخضب بدمي...))(6).
4ـ رماه الحصين بن نمير بسهم أصاب فمه الشريف فتفجر دما فجعل يتلقى الدم بيده ويرمي به نحو السماء، وهو يدعو على الجناة المجرمين قائلاً:
((اللهم أحصهم عددا، وأقتلهم بددا، ولا تذر على الأرض منهم أحدا))(7).
وتكاثرت عليه السهام حتى صار جسده الشريف قطعة منها... وقد أجهده نزيف الدماء وأعياه العطش، فجلس على الأرض، وهو ينؤبرقبته من شدة الآلام فحمل عليه وهو بتلك الحالة الرجس الخبيث مالك بن النسر فشتمه وعلاه بالسيف، وكان عليه برنس فأمتلاً دما فرمقه الإمام ودعا عليه قائلاً:
((لا أكلت بيمينك ولا شربت وحشرك الله مع الظالمين)).
وألقى البرنس وأعتم على القلنسوة(1) فاسرع الباغي إلى البرنس فأخذه وقد شلت يداه(9).
الإمام الحسين (صلوات الله وسلامه عليه) مع أبن رباح:
وكان مسلم بن رباح هو آخر من بقي من أصحاب الإمام، وكان معه، وقد أصاب الإمام سهم في وجهه الشريف فجلس على الأرض وأنتزعه، وقد تفجر دمه ولم تكن به طاقة فقال لأبن رباح.
((أدن يديك من هذا الدم)).
فوضع أبن رباح يديه تحت الجرح فلما أمتلأتا دماً قال له:
((أسكبه في يدي)).
فسكبه في يديه فرقعهما نحو السماء وجعل يخاطب الله تعالى قائلا:
((اللهم أطلب بدم أبن بنت نبيك)).
ورمى بدمه الشريف نحو السماء فلم تقع منه قطرة واحدة إلى الارض فيما يقول أبن رباح(10):


____________
1ـ حياة الإمام الحسين (ع). وفي تعليقة الكتاب: مقتل الحسين للمقرم (ص337).
2ـ حياة الإمام الحسين للشيخ القرشي.
3ـ المصدر السابق. وقال وفي تعليقة الكتاب، مقتل الحسين للمقرم (ص339).
4ـ حياة الإمام الحسين للشيخ القرشي.
5ـ المصدر السابق.
6ـ المصدر السابق.
7ـ حياة الإمام الحسين للشيخ القرشي.
8ـ المصدر السابق.
9ـ المصدر السابق.
10ـ حياة الإمام الحسين للشيخ القرشي.