زكاة الحقيقة التقوى
وفي هذا المجال يقول القرآن الكريم : « هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنشَاَكُم مِنَ الأَرْضِ وَإِذْ أَنتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلاَ تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى » (النجم / 32). فزكاة الحقيقة هي التقوى، والمقياس هو العمل الصالح، كما يقول تبارك وتعالى في آية أخرى : « أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَن نَّجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَآءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَآءَ مَايَحْكُمُونَ » (الجاثية / 21). فلا يحاول الواحد منا ان يصل الى مستوى من الوعي والتقوى إلا من خلال العمل الصالح، وإلاّ فمن المستحيل ان يجعل الله سبحانه وتعالى ذلك الذي لم يعمل الصالحات في مستوى واحد مع ذلك الذي اجتهد وعمل في شهر رمضان. فالله عز وجل انما خلق السماوات والأرض بمقياس الحق، واعطى لكل ذي حق حقه. اما ان يتفضّل تعالى على الانسان عبثاً، ومن دون عمل واجتهاد، فان هذه الفكرة يجب ان نخرجها من اذهاننا.
وبناء على ذلك، فان علينا ان نعود انفسنا على الكدح والتعب، وعلى مقاومة جاذبية الراحة، والشهوات. فعلينا ان نتحرر من هذه الجاذبية ونبتعد عنها، وشهر رمضان المبارك هو افضل فرصة لذلك.
وعلينا ان نتذكر في هذا المجال اننا لانستطيع ان نخترق الحاجز النفسي في قلوبنا حتى لو حصلنا على الوعي، والثقافة الرسالية السياسية. فهذه الاشياء وحدها لاتكفي، فالايمان على نوعين؛ مستقر، ومستودع. والانسان المستقر هو الذي يدخل القلب، ويخترق الحواجز النفسية. ولذلك فاننا نقرأ في احد ادعية شهر شعبان : اللهم صل على محمد وآل محمد واعمر قلبي بطاعتك، ولاتخزني بمعصيتك .([18]) فهذه الطاعة يجب ان تدخل في القلب، وتعمره.
اما النوع الآخر من الايمان، فهو الايمان المستودع الذي يشبه الامانة التي يجب ان تسترد من المؤتمن عليها. ومن المعلوم ان مثل هذا الايمان، من الممكن في أية لحظة ان يسترد منا.
______________________________
([18]) مفاتيح الجنان / من أدعية شهر شعبان.