بعد استشهاد الإمام الكاظم(ع) انتقلب الإمامة إلي ابنه علي بن موسي الرضا(ع) الذي كان في الخامسة و الثلاثين من عمره الشريف. و كان(ع) بالإضافة إلي إمامته الإلهية و هداية الامة الإسلاميةالوصي الوحيد لأبيه الكاظم() الذي يتولي مسئولية أبناء الإمام الكاظم(ع) إخوانه و أخواته.
و بالرغم من استمرار ضغط حكومة هارون كان الإمام الرضا(ع) مشغولاً بمهمته الإلهية من دون أي خوف و رهبةٍ، و لم يتوان لحظة عن نشر الحق و الهدي. مع كل ذلك لم تكن الظروف تسمح لهارون بالتعرض للإمام(ع) أو إظهار العداوة له.
ثم في سنة 193 هـ . ق. مرض هارون و مات بمرضه، و استخلص المسلمون من شر واحد من السفاكين. و بعد هارون ارتقي"الأمين" منصة الخلاقة و لم تدم خلافته أكثر من أربع سنوات، حيث وقعت أحدات دامية بين"الأمين" و أخيه"المأمون" علي منصب الخلافة، و أخيراً في سنة 198 هـ . ق. قتل الأمين بيد أخيه تسنم المأمون منصب الخلافة.
اغتنم الإمام الرضا(ع) فرصة اشتغال الحكام بالحروب و استطاع من دون أي مزاحم تربية أتباعه و تعليمهم.
في هذه المدة لم يتفرغ العباسيون من جهة النزاع في الحكومة لإيذاء الإمام(ع) و شيعته. و بعدما استقام أمر الحكومة للمأمون قام بتقوية أركان حكمه بالحيلة و الإغراء. و من مكره و خدعته لعامة الناس جمع العلماء حوله و أسس مجالس علمية و حاول أن يظهر نفسه بأنه حاكم خبير و محب للعلم و أهله. و من جهة اخري و لأجل جلب حماية الشيعة كان يظهر حبه لأمير المؤمنين علي(ع) و يلعن معاوية.
ونظراً لإتساع رقعة البلاد الإسلامية و وجود المخالفين في أطرافها كان المأمون ـ لحفظ إمارته ـ مضطراً و محتاجاً إلي جلب حماية الشيعة و إلا فلو انضم الشيعة إلي صفوف المعارضين فإن الأمر سيصعب عليه، و لهذا ولكي يخذع للعلويون و الشيعة عزم علي انتخاب الإمام الرضا(ع) لولاية عهده.
ولو قبل الإمام(ع) ولاية العهد فلا شك أن الشيعة سيكفوا عن مخالفة الدولة التي إمامهم ولي عهد فيها. و من هنا تبادلت رسائل كثيرة بين المأمون و الإمام الرضا(ع)، و الإمام كان يرفض ولاية العهد و يمتنع عن قبولها. لكن الخليفة يصر عليها.
الرسائل المتوالية لم تثمر شيئاً، ولإمام(ع) من خلال موقفه الواعي أحيط مؤامرة الخليفة الشيطانية و ذهبت محاولاته إدراج الرياح، و صرح(ع) في رسائله برفض طلب المأمون.
لكن المأمون لم يكف و لتحقيق هدفه أرسل"رجاء بن أبي الضحاك" إلي المدينة و ذلك سنة 200 هـ . ق. لكي يشخص بالإمام(ع) من المدينة إلي"مرو" التي كانت مركز حكومته، و المأمون يأمل أنه يستطيع أن يحصل علي موافقة الإمام(ع) لقبول و لاية العهد. و بعد إجبار الإمام و إكراهه علي الخروج من المدينة، قام إلي زيارة قبر جده(ص) و الأئمة الأربعة في البقيع(ع)،ثم ودع أولاده و إخوانه و أخواته و منهن اخته الكريمة السيدة فاطمة المعصومة(ع)، و غادر متجهاً إلي مرو.
وبلوعةٍ وحزنٍ شديد ودع الإمام(ع) من قبل عائلته و أقربائه، ورجعوا إلي بيوتهم مهمومين مغمومين، لأنهم فقدوا أعز ملجأً لهم.
ومع مغادرة الإمام الرضا(ع) انتهت اللحظات السعيدة في حياة السيدة فاطمة المعصومة(ع)، فإنها بعد استشهاد أبيها الإمام الكاظم(ع) وجدت الرحمة و الحنان في كنف أخيها الرضا(ع) و الآن و قد سافر مضطراً، و بعد هذا الأخ الشفيق مستصعب جداً علي جميع عائلة الإمام الكاظم(ع) و خاصة السيدة المعصومة.
و كان المأمون قد خطط أن لا يكون مسير الإمام من المدن التي يسكنها الشيعة خصوصاً الكوفة وقم. لأنه كان يخشي أن يؤدي حضور الإمام(ع) إلي ثورة الناس و استنهاضهم و تمردهم علي عمال المأمون، بحيث يفلت زمام الامور من السلطة.
التاريخ المشرق للكوفة و قم يشهد بحب وولاء أهلهما لآل بيت الرسول(ع)، و هذا معلوم للخليفة كالشمس في رابعة النهار، لذلك كان يمانع من مرور الإمام الرضا(ع) بتلك المدن الشيعية.
و بالرغم من تدبير المأمون فإن المسلمين في بقية المدن الواقعة في مسير حركة الإمام(ع) استقبلوا ابن النبي الأكرم(ع) بحفاوة لا مثيل لها ، و حال دخول مدنهم كانوا ينهلون من غزارة علمه(ع) و في بعض المدن الايرانية استقبل الناس ابن رسول الله (ص) بما لا مثيل و لا نظير له في التاريخ، فكان يأتي جميع أهل المدينة و يحيطون براحلة الإمام و أخذوا يستفيدون من وجوده الشريف.
نيسابور أحد تلك المدن، فإن أهله عندما استشعروا بوصول الإمام(ع) إلي قرب ديارهم خرجوا من البيوت و أحاطوا بقافلة، و اجتمعوا حول محمله كي يتعلموا العلم من معدنه، وقالو:"يابن رسول الله نريد أن تأخذ من علمك و نسمع كلامك" فاستجاب(ع) طلبهم و ذكر لهم حديث سلسلة الذهب و هو ما رواه عن أبيه عن آبائه(ع) عن النبي(ص) أنه قال:"إن الله سبحانه و تعالي يقول: كلمة لاإله إلا الله حصني فمن دخل حصني أمن من عذابي". و بعد أن تقدم مركب الإمام خطواتٍ أخرج الإمام(ع) رأسه الشريف من المحمل و قال:"بشروطها، و أنا من شروطها". يقصد الإمام(ع) أن قول لاإله إلا الله خاصة لا يكفي لدخول الجنة، بل القائل لابد و أن يعتقد بإمامة الأئمة الحق و منهم الإمام الرضا(ع)، أو يريد الإمام(ع) أنه لايمكن لأحد أن يصل إلي حقيقة التوحيد إلا من طريق أهل البيت(ع)، و هذا هو الطريق الوحيد لمعرفة الله جل جلاله.
و بعد ذلك السفر الطويل وصل الإمام(ع) إلي مرو. و عند الوصول استقبل المأمون للإمام الرضا و أصر عليه بقبول ولاية العهد. لكن الإمام(ع) كان مقيماً علي رأيه مظهراً عدم قبوله لها. فاستمر النزاع بين الإمام الخليفة حول مسألة ولاية العد لمدة شهرين، و في النهاية اجبر الإمام بسبب تهديدات المأمون علي القبول، و في السابع من شهر رمضان المبارك سنة 201 هـ . ق. مع حزون عميق و قلب كئيب قبل ولاية العهد، لكنه شرط أن لايتدخل في أي قرار من قرارات السلطة. و المأمون قبل منه الشرط.
3ـ سفر الرضا(ع) إلي مرو..
- الزيارات: 5603