• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

رسالة نقض فتاوي الوهابية ورد كلية مذهبهم

بسم الله الرحمن الرحيم 
إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون  (بقرة /159)

 

رسالة نقض فتاوي الوهابية ورد كلية مذهبهم

بسم الله الرحمن الرحيم

ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام . وإذا تولي سعي في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد . وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم فحسبه جهنم ولبئس المهاد .
وحي معجز
بسم الله الرحمن الرحيم
هذا ما ألقاه علينا أستاذنا الأكبر ، وشيخنا الأعظم ، حجة الإسلام ، آية الله في الأنام ، علامة الدهر ، مولانا الشيخ محمد حسين دامت بركاته في شأن الوهابية ، واستفتاء علماء المدينة المتضمن تهديم القبور وغير ذلك في عدة مجالس ضممنا بعضها إلى بعض وجلوناها مجموعة عليك .
قال دامت أيام إفاداته : وقفنا من جريدة العراق في العدد الموافق منها 13 ذي القعدة سنة 1344 على سؤال قاضي الوهابيين ابن بليهد مستفتيا علماء المدينة عن البناء على القبور ، واتخاذها مساجد ، وإيقاد السرج عليها وما يفعل عند الضرائح ، من التمسح والتقريب إليها بالذبائح والنذور ، وتقبيلها وعن التكبير والترحيم والتسليم في أوقات مخصوصة . . .
هذا ملخص السؤال وكان الجواب من علماء المدينة بالمنع مطلقا ووجوب الهدم ، مستدلين على المنع في بعضها ، ومرسلين الفتوى بغير دليل في الباقي .
وقد رغب إلينا الكثير من الأعلام والأفاضل في إبداء ملاحظتنا على تلك الفتوى ، ووضعها في معيار الاختبار وميزان الصحة والسقم ، وعرضها على محك النقد ، ومطرقة القبول أو الرد ، إيضاحا للحقيقة وطلبا للصواب ، كي لا تعرض الأوهام والشكوك وتعلق الشبهة بأذهان البسطاء من المسلمين ، فإن البلية عامة ، والمصيبة شاملة ، والرزية على الجميع عظيمة ، وعليه فنذكر نص الفتوى جملة جملة حسبما ذكر في تلك الجريدة ، ثم نعقب كل جملة منها بما يحق لها من البيان ، وبالله المستعان .
قالوا في الجواب : أما البناء على القبور فهو ممنوع إجماعا لصحة الأحاديث الواردة في منعه ، وبهذا أفتي كثير من العلماء بوجوب هدمه ، مستندين على ذلك بحديث علي - رضي الله عنه - أنه قال لابن الهياج : ( ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله - صلى الله عليه وآله - ألا أدع تمثالا إلا طمسته ، ولا قبرا مشرفا إلا سويته ) ( 1 ) رواه مسلم . انتهي .
فتراهم قد تمسكوا تارة الإجماع ، وأخرى بالحديث ، أو الإجماع المستند إلى الحديث .
أما دعوى الإجماع فهي مدحوضة مرفوضة ولكن لا تتسع أعمدة الصحف والمجلات لنقل كلمات العلماء في جوازه ، بل رجحانه ، وفساد توهم الإجماع وبطلانه من أول الإسلام وإلى هذه الأيام ، وأي حاجة بك إلى أن أسرد لك أو أملي عليك ما يوجب الملل ( قال فلان وقال فلان ) ، وهذا عمل المسلمين وسيرتهم القطعية في جميع الأقطار والأمصار ملء المسامع والأبصار ، على اختلاف طبقاتهم وتباين نزعاتهم ، من بدء الإسلام إلى هذه الغاية من العلماء وغيرهم ، من الشيعة والسنة وغيرهم ، وأي بلاد من بلاد الإسلام من مصر أو سوريا أو العراق أو الحجاز وهلم جرا ليس لها جبانة شاسعة الأطراف واسعة الأكناف ، وفيها القبور المشيدة والضرائح المنجدة ؟ !
وهؤلاء أئمة المذاهب : الشافعي في مصر ، وأبو حنيفة في بغداد ، ومالك بالمدينة وتلك قبورهم من عصرهم إلى اليوم سامقة المباني شاهقة القباب ، وأحمد ابن حنبل مباءة والوهابية ومرجعهم في الفروع كان له قبر مشيد في بغداد جرفه شط دجلة حتى قيل : ( أطبق البحر على البحر ) . وكل تلك القبور قد شيدت وبنيت في الأزمنة التي كانت حافلة بالعلماء وأرباب الفتوى وزعماء المذاهب ، فما أنكر منهم ناكر ، بل كل منهم محبذ وشاكر .
وليس هذا من خواص الإسلام ، بل هو من جار في جميع الملل والأديان ، من اليهود والنصاري وغيرهم ، بل هو لعمر الحق من غرائز البشر ومقتضيات الحضارة والعمران وشارات التمدن والرقي ، والدين القويم المتكفل بسعادة الدارين إذا كان لا يؤكده ويحكمه فما هو بالذي ينقضه ويهدمه ، وإذا كان كل هذا لا يكفي شاهدا قاطعا ودليلا بينا على فساد دعوى الإجماع فخير أن تكسر الأقلام ويبطل الحجاج والخصام ولا يقول علي شئ دليل ولا بينة ولا حجة ولا برهان :
وليس يصح في الأذهان شئ  **  إذا أحتاج النهار إلى دليل هذا حال الإجماع ، أما حديث مسلم : ( لا تدع تمثالا إلا طمسته ، ولا قبرا مشرفا إلا سويته ) فها هي نسخة من صحيح مسلم بين يدي ، طبع بولاق القديمة سنة 1290 ، وقد روى الحديث المزبور صفحة 256 ج 1 في باب الأمر بتسوية القبر ، ولكن بعد هذا بقليل صفحة 265 قال : ( باب ما يقال عند دخول القبور والدعاء لأهلها ) وروى فيه بسنده إلى عائشة : إن النبي كان يخرج إلى البقيع فيقول : السلام عليكم دار قوم مؤمنين ( 2 ) إلى الآخر في حديثين طويلين .
وروى بعدهما بسنده إلى سليمان بن بريدة عن أبيه ، قال : كان رسول الله - صلى الله عليه وآله - يعلمهم إذا خرجوا إلى المقابر فكان قائلهم يقول في رواية أبي بكر : السلام على أهل الديار ( 3 ) .
وفي رواية زهير : السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين والمسلمات وإنا إن شاء الله للاحقون ، أسأل الله لنا ولكم العاقبة ( 4 ) .
ثم بعد أن فرغ من هذا الباب قال تلوه : ( باب استئذان النبي - صلى الله عليه وآله - ربه عز وجل في زيارة قبر أمه ) ، وروى فيه أربعة أحاديث صريحة في الأمر بزيارة القبور :
أولها : بسنده إلى أبي هريرة ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وآله - : استأذنت ربي أن أستغفر لأمي فلم يأذن لي ، واستأذنته أن أزور قبرها فأذن لي ( 5 ) .
ثانيها : بسند آخر إلى أبي هريرة ، قال : زار النبي - صلى الله عليه وآله – قبر أمه فبكى وأبكى من حوله فقال : استأذنت ربي أن أستغفر لها فلم يأذن لي ، واستأذنته أن أزور قبرها فأذن لي ، فزوروا القبور فإنها تذكر الموت ( 6 ) .
ثالثها : بسنده عن ابن بريدة ، عن أبيه ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وآله : نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها ، ونهيتكم عن لحوم الأضاحي فوق ثلاث فأمسكوا ما بدا ( 7 ) لكم ، إلى آخر الحديث .
رابعها : بسند آخر بالمعني المتقدم أيضا ( 8 ) .
وبين يدي كذلك كتابان جليلان لعالمين جليلين من كبار مشاهير علماء السنة والجماعة : أحدهما كتاب ( شفاء السقام في زيارة خير الأنام ، للإمام الحافظ قاضي قضاة في القرن الثامن الشهير بتقي الدين أبي الحسن السبكي ، ويسمي أيضا ب‍ : ( شن الغارة على من أنكر فضل الزيارة ) وقد نشر هذا الكتاب ومثله للطبع سنة 1318 في مطبعة بولاق لعالم الفن العلامة الجليل أحد أكابر علماء مصر القاهرة الشيخ محمد بخيت المطبعي ، رئيس المحكمة الشرعية العليا بمصر ، وقد حضرنا دروسه بمصر سنة 1330 فوجدناه في أكثر العلوم بحرا مواجا ، وسراجا وهاجا ، شعلة ذكاء وفهم ، وإحاطة وحزم ، ودفع إلينا جملة من مؤلفاته منها ذلك الكتاب الذي نشر في صدره مقدمة في بعض أحوال ابن تيمية مؤسس مذاهب الوهابية وبعض بدعه في الدين وتكفيره من جمهور علماء المسلمين ، وقد أجاد في تلك المقدمة ، وأحسن النظر في الموضوع وعلله وأسبابه .
أما ذات كتاب الإمام السبكي فقد رتبه على عشرة أبواب :
الأول : في الأحاديث الواردة في الزيارة .
الثاني : في الأحاديث الدالة على ذلك وإن لم يكن فيها لفظ الزيارة .
الثالث : فيما ورد في السفر إليها .
الرابع : في نصوص العلماء على استحبابها .
الخامس : في كونها قربة .
السادس : في كون السفر لها قربة .
السابع : في دفع شبه الخصم وتتبع كلماته .
الثامن : في التوسل والاستغاثة .
التاسع : في حياة الأنبياء .
العاشر : في الشفاعة .
وذكر في الباب الأول من الأحاديث الواردة في زيارة قبر النبي - صلى الله عليه وآله - ، وفضلها ، والحث عليها خمسة عشر حديثا ، وأطنب في تصحيح سند كل واحد منها ، عن رجال السند وعلله فصحح أسانيد أكثرها ، مثل : ( من زار قبري وجبت له شفاعتي ) ( 9 ) وقد أفاض في البحث عن سند هذا الحديث في خمس أوراق وبمضمونه حديثان آخران ومثل : ( من حج فزار قبري بعد وفاتي فكأنما زارني في حياتي ( 10 )
وأفاض في النظر والبحث عن سنده في أربع أوراق ومثل : ( من حج البيت ولم يزرني فقد جفاني ) ( 11 ) إلى أمثال ذلك من الأحاديث التي آخرها في هذا الباب : ( من أتى المدينة زائرا لي وجبت له شفاعتي يوم القيامة ) و ( من مات في أحد الحرمين بعث آمنا ) ( 12 ) .
ثم استوفى القول والحديث في الباب الثاني ، ودخل بعده في الباب الثالث وذكر مفصلا زيارة بلال من الشام التي هاجر إليها بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله - وأنه رأى في المنام وهو يقول له : ( ما هذه الجفوة يا بلال ، أما آن لك أن تزورني ؟ ! ) فانتبه حزينا وجلا ، فركب راحلته وقصد المدينة فأتى قبر النبي - صلى الله عليه وآله - إلى آخر الحديث .
وكان ذلك في زمن أكابر الصحابة كالشيخين وغيرهما ، وعقبه بذكر زيارة جماعة من الصحابة والتابعين لقبره – وشد الرحال إليه .
الكتاب الثاني بين أيدينا كتاب ( الجوهر المنظم في زيارة قبر النبي المكرم ) تأليف العالم الشهير صاحب المؤلفات الطائرة الصيت ، أحمد بن حجر الشافعي ، المطبوع ذلك الكتاب بمطبعة بولاق أيضا في مصر ، القاهرة سنة 1279 ، ورتبه - كسابقه - على فصول :
الأول : في مشروعية زيارة قبر النبي - صلى الله عليه وآله - واستدل عليها من الكتاب بآيات ، ومن السنة بأحاديث كثيرة صحح أسانيدها من الطرق المتفق عليها عند جمهور المسلمين ، ثم استدل بإجماع علماء المسلمين ، وزاد على ما ذكره الحافظ السبكي لتأخر زمانه عنه .
قال ابن حجر - بعد أن استوفى الكلام في سرد الحديث والإجماع على فضل الزيارة فضلا عن مشروعيتها صفحة 13 - ما نصه :
فإن قلت : كيف تحكي الإجماع السابق على مشروعية الزيارة والسفر إليها وطلبها وابن تيمية من متأخري الحنابلة منكر لمشروعية ذلك كله كما رآه السبكي في خطه ، وقد أطال ابن تيمية في الاستدلال لذلك بما تمجه الأسماع وتنفر عنه الطباع ، بل زعم حرمة السفر لها إجماعا وأنه لا تقصر فيه الصلاة ، وأن جميع الأحاديث الواردة فيها موضوعة ، وتبعه بعض من تأخر عنه من أهل مذهبه ؟ !
قلت : من هو ابن تيمية حتى ينظر إليه أو يعول في شئ من أمور الدين عليه ؟ ! وهل هو إلا كما قال جماعة من الأئمة الذين تعقبوا كلماته الفاسدة ، وحججه الكاسدة ، حتى أظهروا عوار سقطاته ، وقبائح أوهامه وغلطاته ، كالعز بن جماعة : عبد أضله الله تعالى وأغواه ، وألبسه رداء الخزي وأرداه ، وبوأه من قوة الافتراء والكذب ما أعقبه الهوان ، وأوجب له الحرمان .
ولقد تصدى شيخ الإسلام ، وعالم الأنام ، المجمع على جلالته ، واجتهاده وصلاحه وإمامته ، التقي السبكي ، قدس الله روحه ، ونور ضريحه ، للرد عليه في تصنيف مستقل أفاد فيه ( 13 ) وأجاد وأصاب وأوضح بباهر حججه طريق الصواب ، ثم قال : هذا ما وقع من ابن تيمية مما ذكر ، وإن كان عثرة لا تقال أبدا ، ومصيبة يستمر شؤمها سرمدا ، ليس بعجيب فإنه سولت له نفسه وهواه وشيطانه أنه ضرب مع المجتهدين بسهم صائب ، وما درى المحروم أنه أتى بأقبح المعائب إذ خالف إجماعهم في مسائل كثيرة ، وتدارك على أئمتهم سيما الخلفاء الراشدين باعتراضات سخيفة شهيرة ، حتى تجاوز إلى الجناب الأقدس المنزه - سبحانه - عن كل نقص ، والمستحق لكل كمال أنفس ، فنسب إليه الكبائر والعظام ، وخرق سياج عظمته بما أظهره للعامة على المنابر من دعوى الجهة والتجسيم ، وتضليل من لم يعتقد ذلك من المتقدمين والمتأخرين ، حتى قام عليه علماء عصره ، والزموا السلطان بقتله أو حبسه وقهره ، فحبسه إلى أن مات وخمدت تلك البدع ، وزالت تلك الضلالات ، ثم انتصر له أتباع لم يرفع الله لهم رأسا ، ولم يظهر لهم جاها ولا بأسا ، بل ضربت عليهم الذلة والمسكنة باؤوا بغضب من الله ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون ، انتهى .
هذا بعض كلام ابن حجر العالم الذي ليس له في علماء السنة مدافع ، ولا ينازع في جلالة شأنه وعظيم فضله منازع ، ولسنا الآن في صدد تعداد مثالب ابن تيمية وبدعه في الدين ، وما أدخله من البلية على الإسلام والمسلمين ، فإن ذلك خارج عما نحن بشأنه من مواقف الحجة والبرهان ، والنظر في الأدلة على نهج علمي لا يخرج عن دائرة آداب المناظرة .
وأما حال ابن تيمية . . . فقد كفانا مؤونة إشاعة فضائعه ووقائعه علماء الجمهور من أهل السنة والجماعة شكرت مساعيهم الجميلة .
أما كلمتنا التي لا بد لنا من إبدائها في الجمع بين تلك الأخبار ، ونظريتنا في استجلاء الحقيقة من خلال تلك الحجب والأستار ، فسوف نبديها في تلو هذا السجل ناصعة بيضاء مستقرة ، وعليه التكلان ، وبه المستعان .
ها نحن أولاء ، وبعد أن سردنا عليك ذروا من الأحاديث ، وشذورا من الروايات ، نريد أن نأتي على الخلاصة ، ونوقفك على الفذلكة ، ونمنحك الحقيقة المكنونة ، والجوهر الثمينة فنتوصل إلى الحقيقة من أقرب طرقها ، ونتوسل إلى البغية المنشودة بأقوى أسبابها ، وأوثق عراها ، وامتن أواخيها ، فنقول :
نقدر على الفرض أن رسول الله - صلى الله عليه وآله - ها هو أمام كل مسلم من أمته يراه بعينه ويسمعه بإذنه قائلا له : ( لا تدع تمثالا إلا طمسته ، ولا قبرا مشرفا إلا سويته ) بناء على صحة كل ما ورد في الصحيحين - البخاري ومسلم - إذ هذا الفرض - وإن كنا لا نقول به - ولكن نجعله من الأصول الموضوعة بيننا – أعني به ما هو فصل النزاع وقاطع الخصومة - ومعلوم أن المتخاصمين إذا لم يكن فيما بينهما أصول موضوعة ينتهون إليها ، ويقفون عندها ، لا تكاد تنتهي سلسلة النزاع بينهما والتخاصم طول الأبد وعمر الدهر ، إذا فنحن على سبيل المجاراة والمساهمة مع الخصم نقول بصحة ذلك الحديث ، كما يلزمنا معا أن نقول بصحة غيره من أحاديث الصحيحين فها هو النبي صلى الله عليه وآله - يقول : ( لا تدع قبرا مشرفا إلا سويته ) ، كما رواه مسلم ، - ولكنه يقول حسب روايته أيضا : ( فزوروا القبور فإنها تذكر الموت . . . ) ، و ( استأذنت ربي في زيارة أمي فأذن لي ( . . . وقد زار هو قبور البقيع . . . وفي البخاري عقد بابا لزيارة القبور وحينئذ - فهل هذه الأحاديث متعارضة متناقضة ؟ ! النبي الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى يأمر بهدم القبور . . . ويأمر بزيارتها . . . يأمر بهدمها ثم هو يزورها . . .
فإن كان المقام من باب تعارض الأحاديث واختلاف الروايات وجب الجمع بينهما لا محالة ، على ما تقتضيه صناعة الاجتهاد ، وطريقة الاستنباط ، وقواعد الفن المقررة قي الأصول ، بحمل الظاهر على الأظهر ، وتأويل الضعيف من المتعارضين وصرفه إلى المعنى الموافق للقوي ، فيكون القوي قرينة على التصرف في الضعيف ، وإرادة خلاف ظاهره منه كما يعرفه أرباب هذه الصناعة ، فهل المقام من هذا القبيل ؟ !
كلا ثم كلا ، ومهلا مهلا : إن هذه الساقية ليست من ذلك النبع ، وتلك القافية ما هي من ذلك السجع ، وليس المقام من باب التعارض كي يحتاج إلي التأويل والجمع .
ما كنت أحسب أن أدنى من له حظ من فهم التراكيب العربية والتصاريف اللغوية يخفى عليه الفرق بين ( التسوية ) و ( المساواة ) .
إن الذين يصرفون قوله - عليه السلام - : ( ولا تدع قبرا مشرفا إلا سويته ) إلى معنى ساويته بالأرض أي ( هدمته ) أولئك قوم أيفت أفهامهم ، وسخفت أذهانهم ، وضلت ألبابهم ، ولم يكن من العربية لهم ولا قلامة ظفر فكيف بعلمائهم ؟ !
ولا يخفى على عوام العرب أن تسوية الشئ عبارة عن تعديل سطحه أو سطوحه ، وتسطيحه في قبال تقعيره أو تحديبه أو تسنيمه وما أشبه ذلك من المعاني المتقاربة ( 14 ) والألفاظ المترادفة ، فمعنى قوله - صلى الله عليه وآله - : ( لا تدع قبرا مشرفا - أي : مسنما - إلا سويته - أي - سطحته وعدلته - ) وليس معناه : إلا هدمته وساويته بالأرض كي يعارض ما ورد من الحث على زيارة القبور واستحباب إتيانها ، والترغيب في تشييدها ، والتنويه بها ، وذلك المعنى - أعني أن المراد من تسوية القبر تسطيحه وعدم تسنيمه - كان هو الذي فهمته من الحديث أول ما سمعته بادئ بدء وعند أول وهلة ، ثم راجعت الكتاب - أعني صحيح مسلم – ونظرت الباب فوجدت صاحب الصحيح - مسلم - قد فهم فيه ما فهمناه من الحديث حيث عنون الباب قائلا : ( باب تسوية القبور ) وأورد فيه أولا بسنده إلى تمامه قال : كنا مع فضالة بن عبيد بأرض الروم برودس فتوفي صاحب لنا فأمر فضالة بقبره فسوي ثم قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وآله - يأمر بتسويتها ( 15 ) ثم أورد بعده في نفس هذا الباب حديث أبي الهياج المتقدم : ( ولا قبرا مشرفا إلا سويته ) .
وكذلك فهم شارحوا صحيح مسلم وإمامهم النووي الشهير ، وها هو بين أيدينا يقول في شرح تلك الجملة النبوية ما نصه : فيه : أن السنة أن القبر لا يرفع عن الأرض رفعا كثيرا ولا يسنم ، بل يرفع نحو شبر ، وهذا مذهب الشافعي ومن وافقه ، ونقل القاضي عياض عن أكثر العلماء أن الأفضل عندهم تسنيمها ( 16 ) . انتهي كلام النووي .
ويشهد لأفضلية التسنيم ما رواه البخاري في صحيحه في باب صفة قبر النبي وأبي بكر وعمر بسنده إلى سفيان التمار أنه رأى قبر النبي - صلى الله عليه وآله - مسنما ( 17 ) . . . 

__________________________________
( 1 ) صحيح مسلم 2 / 666 باب 31 ح 93 ، مسند أحمد 1 / 96 و 129 ، سنن النسائي 4 / 88 وفيه : : ولا صورة في بيت إلا طمستها ، سنن أبي داود 3 / 215 ح 3218 ، الجامع الصحيح للترمذي 3 / 366 باب 56 ح 1041 .
( 2 ) صحيح مسلم 2 / 669 باب 35 ح 102 و 103 .
( 3 ) صحيح مسلم 2 / 671 باب 35 ح 104 .
( 4 ) صحيح مسلم 2 / 671 باب 35 ح 104 .
( 5 ) صحيح مسلم 2 / 671 باب 35 ح 105 .
( 6 ) صحيح مسلم 2 / 671 باب 35 ح 105 .
( 7 ) صحيح مسلم 2 / 672 باب 36 ح 106 .
( 8 ) صحيح مسلم 2 / 672 باب 36 ح 106 .
( 9 ) سنن الدارقطني 2 / 278 ح 194 ، الجامع الصغير للسيوطي - نقلا عن البيهقي - 2 / 605 ح 8715 ، كنز العمال 15 / 651 ح 42583 ، وفاء الوفاء 4 / 1336 ، الكامل لأبي أحمد بن عدي 6 / 2350 ، وأورد العلامة الأميني في الغدير 5 / 93 - 96 ( 41 ) مصدرا ، فراجع .
( 10 ) سنن الدارقطني 2 / 278 ح 192 ، سنن البيهقي 5 / 246 ، كنز العمال 5 / 135 ح 12368 و 15 / 651 ح 42582 ، وفاء الوفاء 4 / 1340 وفيه : كان كمن زارني ، الكامل لأبي أحمد بن عدي 2 / 790 ، الجامع الصغير للسيوطي - نقلا عن الطبراني - 2 / 594 ح 8628 ، وأورد العلامة الأميني في الغدير 5 / 99 - 100 ( 9 ) مصادر ، فراجع .
( 11 ) كنز العمال 5 / 135 ح 12369 ، وفاء الوفاء 4 / 1342 ، شفاء السقام : 23 ، وأورد الأميني ( 9 ) مصادر في الغدير 5 / 100 .
( 12 ) وفاء الوفاء 4 / 1348 شفاء السقاء : 34 ، وقد أورد السبكي في شفاء السقام كل الأحاديث السابقة في الفصل الأول .
( 13 ) وكذا ناقشه في شفاء السقام في باب شبهة الخصم 98 - 115 .
( 14 ) معجم مقايس اللغة 3 / 112 ( سوى ) .
( 15 ) صحيح مسلم 2 / 666 باب 31 / ح 92 .
( 16 ) إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري 4 / 301 .
( 17 ) صحيح البخاري 2 / 128 .


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
المدائح
رمضان
الأدعية
المحاضرات
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

30 رمضان

وفاة الخليفة العباسي الناصر لدين الله

المزید...

23 رمضان

نزول القرآن الكريم

المزید...

21 رمضان

1-  شهيد المحراب(عليه السلام). 2- بيعة الامام الحسن(عليه السلام). ...

المزید...

20 رمضان

فتح مكّة

المزید...

19 رمضان

جرح أميرالمؤمنين (عليه السلام)

المزید...

17 رمضان

1 -  الاسراء و المعراج . 2 - غزوة بدر الكبرى. 3 - وفاة عائشة. 4 - بناء مسجد جمكران بأمر الامام المهد...

المزید...

15 رمضان

1 - ولادة الامام الثاني الامام الحسن المجتبى (ع) 2 - بعث مسلم بن عقيل الى الكوفة . 3 - شهادة ذوالنفس الزكية ...

المزید...

14 رمضان

شهادة المختار ابن ابي عبيدة الثقفي

المزید...

13 رمضان

هلاك الحجّاج بن يوسف الثقفي

المزید...

12 رمضان

المؤاخاة بين المهاجرين و الانصار

المزید...

10 رمضان

1- وفاة السيدة خديجة الكبرى سلام الله عليها. 2- رسائل أهل الكوفة إلى الامام الحسين عليه السلام . ...

المزید...

6 رمضان

ولاية العهد للامام الرضا (ع)

المزید...

4 رمضان

موت زياد بن ابيه والي البصرة

المزید...

1 رمضان

موت مروان بن الحكم

المزید...
012345678910111213
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page