• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

رسالة نقض فتاوي الوهابية ورد كلية مذهبهم 2

رسالة نقض فتاوي الوهابية ورد كلية مذهبهم 2

 

ولكن القسطلاني أحد المشاهير من شارحي البخاري ، شرحه في عشر مجلدات طبعت في مصر القاهرة ، قال ما نصه : ( مسنما ) بضم الميم وتشديد النون المفتوحة أي : مرتفعا ، زاد أبو نعيم في مستخرجه : وقبر أبي بكر وعمر كذلك ، واستدل به على أن المستحب تسنيم القبور ، وهو قول أبي حنيفة ( 18 ) ومالك ( 19 ) وأحمد ( 20 ) والمزني وكثير من الشافعية :
وقال أكثر الشافعية ( 21 ) ونص عليه الشافعي : التسطيح أفضل من التسنيم لأنه - صلى الله عليه وآله - سطح قبر إبراهيم وفعله حجة لافعل غيره ( 22 ) ، وقول سفيان التمار لا حجة فيه - كما قال البيهقي - لاحتمال أن قبره - صلى الله عليه وآله - وقبري صاحبيه لم تكن في الأزمنة الماضية مسنمة ( 23 ) .
وقد روى أبو داود بإسناد صحيح أن القاسم بن محمد بن أبي بكر قال : دخلت على عائشة فقلت لها : اكشفي لي عن قبر النبي - صلى الله عليه وآله - وصاحبيه فكشفت عن ثلاثة قبور لا مشرفة ولا لاطئة مبطوحة ببطحاء العرصة الحمراء ، أي لا مرتفعة كثيرا ولا لاصقة بالأرض ( 24 ) ، إلى أن قال القسطلاني الشارح : ولا يؤثر في أفضلية التسطيح كونه صار شعار الروافض لأن السنة لا تترك بموافقة أهل البدع فيها ! ولا يخالف ذلك قول علي - رضي الله عنه – أمرني رسول الله - صلى الله عليه وآله - أن لا أدع قبرا مشرفا إلا سويته ، لأنه لم يرد تسويته بالأرض وإنما أراد تسطيحه جمعا بين الأخبار ، ونقله في المجموع عن الأصحاب ( 25 ) .
إنتهى ما أردنا نقله من شرح البخاري ، وأنت ترى من جميع ما أحضرناه لديك وتلوناه عليك من كلمات أعاظم المسلمين وأساطين الدين من مراجع الحديث كالبخاري ومسلم ، وأئمة المذاهب كأبي حنيفة والشافعي ومالك وأحمد ، وأعلام العلماء وأهل الاجتهاد كالنووي وأمثاله ، كلهم متفقون على مشروعية بناء القبور في زمن الوحي والرسالة ، بل النبي - صلى الله عليه وآله - بذاته بنى قبر ولده إبراهيم ، إنما الخلاف والنزاع فيما بينهم في أن الأفضل والأرجح تسطيح القبر أو تسنيمه ، فالذاهبون إلى التسنيم يحتجون بحديث البخاري عن سفيان التمار أنه رأى قبر النبي - صلى الله عليه وآله - مسنما ، والعادلون إلى التسطيح يحتجون بتسطيح النبي قبر ولده إبراهيم ، وصحيح القاسم بن محمد بن أبي بكر شاهد له ، ولعل هذا الدليل هو الأرجح في ميزان الترجيح والتعديل ، ولا يقدح فيه أنه صار من شعار الروافض وأهل البدع - كما قال شارح البخاري - فيما مر عليك نقله .
ولا يعنينا الآن الخوض في حديث الروافض وأنهم من أهل البدع أم لا ، إنما الشأن في حديث ( لا تدع قبرا مشرفا إلا سويته ) واحسب أنه قد تجلى لك بحيث يوشك أن يلمس بالأنامل ، ويرى بباصرة العين أن معنى ( سويته ) عدلته وسطحته في قبال سنمته وحدبته ويناسب هذا المعنى كل المناسبة التقييد بقوله ( مشرفا ) فإن أصل الشرف لغة هو العلو بتسنيم مأخوذ من سنام البعير ، وعليه فيحسن ذلك القيد ، بل يلزم ويكون بلسان أهل العلم ( قيدا احترازيا ) .
أما على معنى ساويته فالقيد لغو صرف ، بل مخل بالغرض المقصود .
وبعد هذا كله فهل من قائل لذلك المفتي ، مفتي علماء المدينة الذي أفتى بجواز هدم القبور أو وجوبه استنادا إلى ذلك الحديث : يا هذا ! من أين جئت بتلك النظرية الحمقاء ، والحجة العوجاء ، والبرهنة المعكوسة ، والمزعمة المقلوبة التي
ما همها وأهم ، ولا خطرت على ذهن جاهل فكيف بالعالم ؟ !
اللهم إلا أن يكون ( ابن تيمية ) أو بعض ذناباته فإن الرجل ترويجا لأباطيله ، وتمشية لأضاليله ، حيث تعوزه الحجة والسند قمين بتحوير الحقائق ، وقلب الأدلة ، والتلاعب بالحجج والبراهين تلاعبه بالدين ( كما تلاعبت الصبيان بالأكر ) .
لا يا هذا ، إن الشمس لا تستر بالأكمام ، وإن الحق لا يسحق بزخارف الكلام وسفائف الأوهام . . . إن الحديث ( لا تدع قبرا إلا سويته ) دليل عليك لا لك ، وحجة قاطعة لأضاليلك وقالعة لجذور أباطيلك ، فإن معناه الذي لا يشك فيه إنسان من أهل اللسان ( سويته أي : عدلته وسطحته ، لا ساويته وهدمته ) ، وبهذا المعنى لا يكون معارضا لشئ من الأحاديث حتى يحوج من له حظ من صناعة الاستنباط إلى الجمع والتأويل ، وهذا هو معناه بذاته وظاهر من نفس مفرداته وتركيبه ، لا الذي يحصل بعد الجمع كما يظهر من عبارة شارح البخاري المتقدمة .
نعم ، لو أبيت إلا عن حمل ( سويته ) على معنى ساويته بالأرض وجاملناك على الفرض والتقدير ، حينئذ تجئ نوبة المعارضة ويلزم الصرف والتأويل ، وحيث إن هذا الخبر بانفراده لا يكافئ الأخبار الصحيحة الصريحة الواردة في فضل زيارة القبور ومشروعية بنائها ، حتى أن النبي - صلى الله عليه وآله - سطح قبر إبراهيم ، فاللازم صرفه إلى أن المراد : لا تدع قبرا مشرفا قد اتخذوه للعبادة إلا سويته وهدمته .
ويدل على هذا المعنى الأخبار الكثيرة الواردة في الصحيحين - البخاري ( 26 ) ومسلم - من ذم اليهود والنصاري والحبشة حيث كانوا يتخذون على قبور صلحائهم تمثالا لصاحب القبر فعبدونه من دون الله ، ولعله إشارة إلى بعض طوائف اليهود والنصارى والحبشة حيث كانوا كذلك في القديم فعدلوا واعتدلوا .
أما المسلمون من عهد النبي - صلى الله عليه وآله - إلى اليوم فليس منهم من يعيد صاحب القبر ، وإنما يعبدون الله وحده لا شريك له في تلك البقاع الكريمة المتضمنة لتلك الأجساد الشريفة ، وبكل فرض وتقدير فالحديث يتملص ويتبرأ أشد البراءة من الدلالة على جواز هدم القبور فكيف بالوجوب ، والأخبار التي ما عليها غبار ومما لم نذكره ناطقة بمشروعية بنائها وإشادتها وأنها من تعظيم شعائر الله ( ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب ) ( 26 ) .
تتمة : في العام الماضي طبعت في النجف الأشرف رسالة موسومة ب‍ ( منهج الرشاد ) لأسطوانة من أساطين الدين - الشيخ الأكبر كاشف الغطاء - الذي يعرف كل عارف أنه كان فاتحة السور من فرقان العزائم ، وكوكب السحر في سماء العظائم ، هو من أفذاذ الأعاظم الذين لا تنفلق بيضة الدهر إلا عن واحد منهم ، ثم تعقم عن الإتيان بثانيه إلا بعد مخض طويل من الأحقاب ، من غر أياديه – وكم له في العلم من أياد غرر - تلك الرسالة التي رتبها على مقدمة وفصول ، عقد كل فصل منها لدفع شبهة من شبهات الوهابية ودحضها بالأدلة القطعية ، والأحاديث النبوية الثابتة من الطرق الصحيحة عند أهل السنة ، على أن المقدمة وحدها كافية في قمع شبهاتهم ، وقلع جذوم مذهبهم ، وهدم أساس طريقتهم ، وقد أبدع فيها غاية الابداع .
ومن بعض أبواب الرسالة : ( الباب الرابع : في بناء قبور الأنبياء والأولياء ) وأفاض في البيان إلى أن قال :
والأصل في بناء القباب وتعميرها ما رواه التباني واعظ أهل الحجاز عن جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن جده الحسين ، عن أبيه علي - عليه السلام – أن رسول الله صلى الله عليه وآله - قال له : ( لتقتلن في أرض العراق وتدفن بها ، فقلت : يا رسول الله ، ما لمن زار قبورنا وعمرها وتعاهدها ؟
فقال : يا أبا الحسن ، إن الله جعل قبرك وقبر ولديك بقاعا من بقاع الجنة ، وإن الله جعل قلوب نجباء من خلقه ، وصفوة من عباده تحن إليكم ، وتعمر قبوركم ، ويكثرون زيارتها تقربا إلى الله تعالى ومودة منهم لرسوله ) ( 28 ) .
ثم قال - قدس سره - بعد إيراد تمام الحديث : ونقل نحو ذلك أيضا في حديثين معتبرين نقل أحدهما الوزير السعيد بسند ، وثانيهما بسند آخر غير ذلك السند ، ورواه أيضا محمد بن علي بن الفضل ، انتهي .
والقصارى : أن النزاع بيننا معاشر المسلمين أجمع وبين سلطان نجد وأتباعه الذين يحكمون بضلالة سائر المسلمين أو بتكفيرهم ، لو كان ينحسم وينتهي بإقامة الحجج والبراهين لجئنا بالقول المقنع المفيد ! ولكان عندنا زيادة للمستزيد ، بل لو كنا نعلم أنهم يقنعون بالحجة البالغة ، ويخضعون للأدلة القاطعة ، لملأنا الطوامير من الحجج الباهرة التي تترك الحق أضحى من ذكاء ، وأجلى من صفحة السماء ، ولكن سلطان نجد له حجتان قاطعتان عليهما يعتمد ، وإليهما يستند ، ولا فائدة إلا بمقابلتهما بمثلهما أو بأقوى منها ، وهما : الحسام البتار ، والدرهم والدينار ، السيف والسنان ، والأحمر الرنان هذا لقوم وذاك لآخرين :
أحدهما لأهل الصحف والمجلات في مصر وسوريا ونحوهما ليحبذوا أعماله الوحشية ويحسنوا همجيته التي تضعضع أركان كل مدنية .
والآخر لأعراب البوادي ولشرفاء الحجاز وأمثالهم من أمراء العرب حيث تساعده الظروف لا قدر الله . إذن فأي فائدة في إطالة الكلام ، وسرد الأحاديث ونضد الأدلة . نعم ، فيها تبصرة وتبيان لطالب الحقيقة المجردة عن كل خوف ورجاء ، وتحامل وتزلف ، ولكن أين هو ذلك الرجل الطالب للحق المجرد عن كل غرض ؟ ! ولئن كان لوح الوجود غير خال منه ففيما ذكرناه غنى له وكفاية .
أما أمير نجد وأجناده وقضاته ومن لف لفهم الذين اتخذوا لتلك الدعوى والديانة وسيلة لامتداد سلطتهم ، واتساع سطوتهم ، وضخامة ملكهم ، فلسنا معهم في الخصام وإقامة الحجج إلا كإشراق الشمس على المستنقعات العميقة ، في الأودية السحيقة ، لا تزيدها تلك الأشعة إلا سخونة وعفونة وانتشار وباء في الهواء .
ليت قائلا يقول لقاضي القضاة - ابن بليهد - ولمفتي علماء المدينة : أتراكم تعتقدون وتعتمدون على كل ما في صحيح مسلم ، وتعملون بكل ما ورد من النصوص فيه ؟ فإن كنتم كذلك فقد عقد مسلم في صحيحه بابا وأورد عدة أحاديث في أن الخلافة لا تكون إلا في قريش ، وأن الأئمة من قريش ( 29 ) ،
بأساليب من البيان ، وأفانين من التعبير ، وكلها صريحة في أن الخلافة الحقة المشروعة مخصوصة بتلك القبيلة . . ومثله ، بل وأكثر منه في صحيح البخاري ، وعليه فأين تكون خلافة أميركم ابن سعود ؟ وكيف حال إمامته ؟ أهي من قوله تعالى : ( وجعلنا منهم أئمة ) ( 0 3 ) ؟ ! أم من قوله تعالى لإبراهيم : ( إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين ) ( 31 ) ؟ ! وحسبنا هذا القدر إن اللبيب من الإشارة يفهم !
وأما حديث لعن رسول الله زائرات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج ( 32 ) فهو نهي للنساء عن التبرج والخروج إلى المجتمعات وعن السجود على القبر وهو مما لا يصدر من أحد من المسلمين ، وعن إيقاد السرج عبثا وتعظيما لذات القبر ، أما الإسراج لقراءة القرآن والدعاء فلا منع ولا نهي ، بل في بعض الأحاديث جوازه ( 33 ) .
هذا كله في الجواب عن حديث مسلم في شأن هدم القبور وزيارتها والاسراج عليها ، أما فتاوي مفتي علماء المدينة الأخرى المتعلقة بشأن التبرك بالقبور ، والتمسح بها ، وزيارتها ونحو ذلك ، فقد أفتى ذلك المفتي بالمنع منها مطلقا ، ولكن أرسل أكثر الفتاوى إرسالا من غير أن يسندها إلى حجة أو يعمدها على دليل حتى نتصدى للجواب عنه .
نعم ، قال في آخرها - وما أصدق ما قال - : هذا ما أدى إليه نظري السقيم . انتهى .
والسقيم - لا محالة - إنما جاء من إحدى العلتين اللتين مر ذكرهما أو من كليهما ، نسأله تعالى العافية لنا ولجميع المسلمين .
وفي الرسالة - المنوه بذكرها من أمم - لكل واحدة من تلك المسائل فصل مستقل أثبت فيه من الطرق الصحيحة المعتبرة عند القوم مشروعيتها ورجحانها وعمل الصحابة والتابعين بها ، فمن أراد فليراجع . وعلى هذا الحد فلتقف الأقلام ، وينتهي الكلام ، فقد تجلى الصبح لذي عينين ، والسلام . تمت بحمد الله تعالى .
___________________________________
( 18 ) المبسوط للسرخسي 2 / 62 .
( 19 ) المنتقى 2 \ 22 .
( 20 ) المغني لابن قدامة 2 / 380 .
( 21 ) المجموع 5 / 295 .
( 22 ) الأم 1 / 273 .
( 23 ) سنن البيهقي 4 / 4 وفيه - بعد أن نقل حديث التمار - : وحديث القاسم أصح وأولى أن يكون محفوظا .
( 24 ) سنن أبي داود 3 / 215 ح 3220 .
( 25 ) إرشاد الساري 2 / 477 .
( 26 ) صحيح البخاري 2 / 114 .
( 27 ) الحج : 32 .
( 28 ) فرحة الغري : 77 .
( 29 ) صحيح البخاري 9 / 77 باب ( 1 ) كتاب الأحكام ، صحيح مسلم 3 / 1451 - 1454 باب ( 1 ) كتاب الإمارة .
( 30 ) السجدة : 24 .
( 31 ) البقرة : 124 .
( 32 ) سنن أبي داود 3 / 218 ح 3236 .
( 33 ) مستدرك الحاكم 1 / 374 .


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
المدائح
رمضان
الأدعية
المحاضرات
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

30 رمضان

وفاة الخليفة العباسي الناصر لدين الله

المزید...

23 رمضان

نزول القرآن الكريم

المزید...

21 رمضان

1-  شهيد المحراب(عليه السلام). 2- بيعة الامام الحسن(عليه السلام). ...

المزید...

20 رمضان

فتح مكّة

المزید...

19 رمضان

جرح أميرالمؤمنين (عليه السلام)

المزید...

17 رمضان

1 -  الاسراء و المعراج . 2 - غزوة بدر الكبرى. 3 - وفاة عائشة. 4 - بناء مسجد جمكران بأمر الامام المهد...

المزید...

15 رمضان

1 - ولادة الامام الثاني الامام الحسن المجتبى (ع) 2 - بعث مسلم بن عقيل الى الكوفة . 3 - شهادة ذوالنفس الزكية ...

المزید...

14 رمضان

شهادة المختار ابن ابي عبيدة الثقفي

المزید...

13 رمضان

هلاك الحجّاج بن يوسف الثقفي

المزید...

12 رمضان

المؤاخاة بين المهاجرين و الانصار

المزید...

10 رمضان

1- وفاة السيدة خديجة الكبرى سلام الله عليها. 2- رسائل أهل الكوفة إلى الامام الحسين عليه السلام . ...

المزید...

6 رمضان

ولاية العهد للامام الرضا (ع)

المزید...

4 رمضان

موت زياد بن ابيه والي البصرة

المزید...

1 رمضان

موت مروان بن الحكم

المزید...
012345678910111213
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page