• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

أساس القيم الاخلاقية في الاسلام

أساس القيم الاخلاقية في الاسلام

ما هو مصدر القيم الاخلاقية في المنظور الاسلامي؟
ان الاجابة عن هذا السؤال تنطوي على أهمية كبيرة، لذلك سنفصلها عبر البحوث الاتية:
دور الدافع في السلوك الاخلاقي
تعد النية الباعثة على العمل احدى موضوعات الاخلاق الاسلامية المندرجة ضمن عنوان: أساس القيم في السلوك الاخلاقي. فمن ميزات النظام الاخلاقي للاسلام اعتبار النية مصدراً للحسن والقبح، وهي ميزة تختص بها النظرية الاسلامية في الاخلاق دون غيرها من النظريات، باستثناء مدرسة «كانت».
فالاسلام يرى ان حسن الفعل لا يكفي في تحقيق القيمة الاخلاقية للفعل، بل يلزم انضمام الحسن الفاعلي اليه، وعليه فإن آثار الافعال الاخلاقية من قبيل: الكمال والسعادة تترتب على النية الصحيحة.
نقد نظرية «كانت»
ذهب «كانت» الى ان الفعل ينطبع بالقيم الاخلاقية إذا كان الدافع وراءه إطاعة العقل فحسب. فـ «كانت» يسلب كل قيمة اخلاقية عن الفعل إذا اُنجز بدوافع اُخرى، كإرضاء العاطفة، أو تحصيل الكمال والسعادة، أو نيل الثواب الدنيوي أو الاخروي. هذه خلاصة نظرية «كانت» في هذا المجال، إلاّ أنه لا يمكن أبداً العثور على إنسان يقوم بفعل ما بدافع إطاعة العقل وحسب، وإذا بَدَهَنا هكذا إنسان أول الامر، فالتدقيق في أمره يكشف عن امتلاكه لدافع أعمق وراء الدافع الذي تمظهر بتلبية حكم العقل. فلو سألناه عن السبب في إطاعته لحكم العقل، لاجاب بأن على الانسان ـ ليكون إنسانا ـ أن يطيع عقله، وهذا يعني أنه يرى كماله الانساني من خلال إطاعته لعقله، أي أن الدافع نحو الكمال استتر بإطاعة العقل.
إذن من الخطأ افتراض فعل دافعه إطاعة العقل، واذا أمكن ذلك فإنه لا يمثل ـ كما سنوضح ـ أية قيمة أخلاقية.
النية في المنظور الاسلامي
تقسم دوافع الانسان لافعاله الاختيارية الى عدة أقسام: منها الدوافع المادية التي تستحث الانسان لتأمين حاجاته المادية واشباع غرائزه الحيوانية. ومنها الدوافع الاجتماعية التي تدفع الانسان الى إرضاء عواطفه الاجتماعية. ومن هنا كان من الضروري تحديد الدافع الذي يراه الاسلام مانحاً للعمل طابعه الاخلاقي.
في المنظور الاسلامي، يستقي الفعل قيمته الاخلاقية السامية إذا كان الدافع إليه تحصيل رضا اللّه تعالى فحسب. ولرضا اللّه تعالى مراتب يسعى الناس لنيلها بصور مختلفة، فتارة يطلب باعتباره منشأً للثواب الاُخروي، أو سببا للنجاة من العقاب، وتارة يطلب لذاته، وهذه حقيقة متحققة عند أولياء اللّه تعالى.
وفي القرآن الكريم آيات كثيرة عدّت رضا اللّه تعالى المقوم للقيم الاخلاقية، خلافاً للدوافع المتعارضة مع رضاه عزوجل والتي وصفتها بأنها تسلخ عن الفعل قيمته الاخلاقية.
فقد أشار القرآن الكريم الى أهمية النية بنحو مطلق في قوله تعالى: (قد جاءكم من اللّه نور وكتاب مبين * يهدي به اللّه من اتبع رضوانه سبل السلام)[6].
فالاستهداء بالقرآن الكريم من نصيب الذين يتبعون رضا اللّه سبحانه، بينما لا يقدر المعرضون عنه تعالى على الاستهداء به.
وهناك طائفة من الايات التي دلّت بعبارات مختلفة على ان النيّة السيئة والدوافع المنقطعة عن اللّه تعالى تجر الانسان الى الحضيض، كما في قوله تعالى:
(وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به اللّه)[7].
او في قوله تعالى:
(لا يؤاخذكم اللّه باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم)[8].
ورغم أن الاية نزلت في مورد خاص، إلاّ أن مقطعها الاخير يدل على ان اللّه تعالى يؤاخذ الانسان على النية السيئة بشكل مطلق.
وثمة موارد خاصة ركّز القرآن الكريم على موضوع النية فيها، لان عوامل الانحراف والمزالق تحيط بالانسان لدى قيامه بتلك الموارد، كالهجرة التي يتخلّى فيها الانسان عن بيته وأمواله ونمط معيشته، إذ قال تعالى بشأنها:
(للفقراء المهاجرين الذين اُخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلاً من اللّه)[9].
وكالجهاد الذي ورد فيه:
(يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوّي وعدوّكم أولياء تُلقون إليهم بالمودّة وقد كفروا بما جاءكم من الحق يخرجون الرسول وإياكم أن تؤمنوا باللّه ربّكم إن كنتم خرجتم جهاداً في سبيلي وابتغاء مرضاتي تُسرّون إليهم بالمودة)[10].
وكالانفاق الذي جاء بشأنه قوله تعالى:
(يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمنّ والاذى كالذي ينفق ماله رئاء الناس ولا يؤمن باللّه واليوم الاخر)[11].
فالاية تعطي هنا درساً أخلاقياً ترفض من خلاله اقتران الصدقة بالمن والاذى، لان ذلك يسلب عنها أثرها المعنوي والاخلاقي، ثم تشبه الذي يلحق صدقته بالمنّ والاذى بمن لا يؤمن باللّه واليوم الاخر وينفق ماله رئاء الناس. ولتجسيم غياب القيمية عن هذا السلوك قال تعالى:
(فمثله كمثل صفوان عليه تراب فأصابه وابل فتركه صلداً لا يقدرون على شيء مما كسبوا)[12].
فحال المرائي في إنفاقه رئاءً كحال الحجر الصلد الذي عليه شيء من التراب، إذا نزل عليه وابل من المطر ـ والمطر وخصوصاً وابله، هو السبب الابرز لحياة الارض وتزيينها بزينة النبات ـ فلا يبقى شيء من التراب فضلاً عن البذر، ويبقى الصلد الذي لا ينشأ فيه النبات، بمعنى ان الصلد يُفقِد الوابل والتراب ـ وهما أظهر اسباب الحياة والنمو ـ مفعولهما، فالنقص ليس منهما.
والمرائي الذي لا يبتغي وجه اللّه تعالى لا يترتب الثواب على عمله، وإن كان كالانفاق الذي هو من الاسباب البارزة لترتب الثواب.
وفي قبالة النموذج السابق، ضرب اللّه تعالى للمؤمنين مثلاً آخر في قوله تعالى:
(ومثل الذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضاة اللّه وتثبيتاً من أنفسهم كمثل جنّة بربوة أصابها وابل فآتت أكلها ضعفين فإن لم يصبها وابل فطل واللّه بما تعملون بصير)[13].
فقوام القيم بالنيّة التي تحيي الفعل وتنمّيه إذا كانت إلهية، بينما تعطل الحياة والنموّ فيه إذا كانت شيطانية.
النية رابطة تكوينية
إن للنية أثراً تكوينياً وليس اعتبارياً في الفعل الصادر عنها، ومن ثم في كمال الانسان وسعادته الابدية. لذلك فإن الفعل الفاقد للنية السليمة لا يوصل صاحبه إلى الكمال، كما قال سبحانه وتعالى:
(وما تنفقوا من خير فلانفسكم وما تنفقون إلاّ ابتغاء وجه اللّه)[14].
وقال أيضاً:
(فآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل ذلك خير للذين يريدون وجه اللّه واُولئك هم المفلحون)[15].
درجات النية
ان للنية الالهية درجات مختلفة، إذ إن الانسان تارة يقوم بالعمل لوجه اللّه تعالى فقط، كما جاء في بعض الروايات قول الامام المعصوم(عليه السلام):
«إنما أعبده حبّاً له». أو «إنما أعبده شكراً له».
وتارة يستهدف الانسان من عمله نعم اللّه تعالى، وتارة ثالثة يعمل ليحصل على الثواب الاُخروي أو ليأمن العقاب الاُخروي، ولهذا العمل قيمته أيضاً، لكنه أدنى بدرجات كثيرة من ذلك العمل الخالص لوجه اللّه تعالى.
نخلص الى أن العمل يستقي قيمته الاخلاقية في المنظور الاسلامي إذا ارتبط بصورة مباشرة أو غير مباشرة باللّه تعالى، والسبب في أن النية الالهية تمنح العمل قيمته، هو أنها تحقق الارتباط باللّه تعالى.
علاقة الايمان بقيمة الاعمال
لما كان الاسلام يرى أن العمل الصالح يرتبط عبر النية باللّه تعالى، وأن هذه النية ـ التي تثمر العلاقة باللّه ـ تصح من الذين يعملون لوجه اللّه او رغبة في ثوابه أو خوفاً من عقابه، لذلك كان يفترض بالعامل الايمان باللّه وبيوم الجزاء سلفاً. فمن لا يؤمن باللّه لا يمكنه العمل من أجله، ومن لا يؤمن بيوم القيامة ـ يوم الحساب الذي يثاب فيه المحسن ويعاقب فيه المسيء ـ لا يمكنه ان يقوم بعمل أملاً في الفوز بثواب اللّه أو في النجاة من عقابه. من هنا بات للايمان دور أساس يعكس رسوخ العلاقة بين العمل والايمان بدرجة تمكّن من التأكيد بأن المرائي، في واقعه، لا يؤمن باللّه واليوم الاخر، وقد قال تعالى بهذا الخصوص:
(كالذي ينفق ماله رئاء الناس ولا يؤمن باللّه واليوم الاخر). فإن جملة (لا يؤمن باللّه واليوم الاخر) مرتبطة بجملة (ينفق ماله رئاء الناس). الامر الذي يفهم منه أن الايمان باللّه واليوم الاخر يخلّص العمل من الرياء. وما نشاهده من مراءاة عند بعض المؤمنين في بعض أعمالهم ناجم عن ضعف إيمانهم، بحيث ينسون اللّه واليوم الاخر لدى قيامهم بالعمل.
فالنية التي تمنح الفعل قيمته الاخلاقية تتحقق على أرضية الايمان. من هنا نقول: في المنظور الاسلامي يكون الايمان باللّه واليوم الاخر أساس القيم الاخلاقية، وهذا يعني ـ كما ذكرنا ـ : أن النظام الاخلاقي الاسلامي مرتبط بنظامه العقائدي، ولا يمكن أن ينفكّ عنه. إذن فالاعمال المنطلقة من الايمان باللّه واليوم الاخر هي التي تؤدّي الى السعادة.
منشأ الايمان
بعد أن تبيّن أن الايمان هو أساس كل القيم، يطرح السؤال عن منشأ الايمان. وفي الجواب عن السؤال نقول: إن الايمان أمر قلبي، وفي الوقت نفسه اختياري، وهو غير العلم، فمن الممكن أن يحصل العلم للانسان بشكل غير اختياري، بينما لا يحصل الايمان عن هذا الطريق. ومن الممكن أن يعلم الانسان شيئاً، وهو كافر به في الوقت ذاته، وقد جاء في قوله تعالى:
(وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلماً وعلوّاً)[16].
ولما كان الايمان فعلاً اختيارياً مرتبطاً بالقلب، إذن يمكن وضعه في دائرة الاخلاق، لان كل فعل اختياري ـ سواء كان خاصاً بالجوارح أو بالجوانح ـ فإنه يندرج ضمن موضوع الاخلاق، لذلك يغدو مناسباً السؤال عن الدافع وراء الايمان.
ونجيب عن السؤال بالقول: قد يكون الدافع هو العلم بأن اللّه حق، وبأن ثوابه وعقابه أبديان. وقد يتمثّل الدافع في السعي نحو الكمال، شرط معرفة مصداق الكمال، وهو الايمان باللّه تعالى.

___________________________________________
([6]) المائدة: 15 ـ 16.
([7]) البقرة: 284.
([8]) البقرة: 225.
([9]) الحشر: 8 .
([10]) الممتحنة: 1.
([11]) البقرة: 264.
([12]) البقرة: 264.
([13]) البقرة: 265.
([14]) البقرة: 272.
([15]) الروم: 38.
([16]) النمل: 14.


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
المدائح
رمضان
الأدعية
المحاضرات
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

30 رمضان

وفاة الخليفة العباسي الناصر لدين الله

المزید...

23 رمضان

نزول القرآن الكريم

المزید...

21 رمضان

1-  شهيد المحراب(عليه السلام). 2- بيعة الامام الحسن(عليه السلام). ...

المزید...

20 رمضان

فتح مكّة

المزید...

19 رمضان

جرح أميرالمؤمنين (عليه السلام)

المزید...

17 رمضان

1 -  الاسراء و المعراج . 2 - غزوة بدر الكبرى. 3 - وفاة عائشة. 4 - بناء مسجد جمكران بأمر الامام المهد...

المزید...

15 رمضان

1 - ولادة الامام الثاني الامام الحسن المجتبى (ع) 2 - بعث مسلم بن عقيل الى الكوفة . 3 - شهادة ذوالنفس الزكية ...

المزید...

14 رمضان

شهادة المختار ابن ابي عبيدة الثقفي

المزید...

13 رمضان

هلاك الحجّاج بن يوسف الثقفي

المزید...

12 رمضان

المؤاخاة بين المهاجرين و الانصار

المزید...

10 رمضان

1- وفاة السيدة خديجة الكبرى سلام الله عليها. 2- رسائل أهل الكوفة إلى الامام الحسين عليه السلام . ...

المزید...

6 رمضان

ولاية العهد للامام الرضا (ع)

المزید...

4 رمضان

موت زياد بن ابيه والي البصرة

المزید...

1 رمضان

موت مروان بن الحكم

المزید...
012345678910111213
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page