طباعة

( لقمان . السعودية . ... ) في بيعة الرضوان

السؤال : سلامي الكبير إلى من يخدم النبيّ الأكرم وأهل بيته في هذه الشبكة الكبيرة الجبّارة بمواضيعها .
أخواني لقد أرسلت لكم سؤال حول بيعة الرضوان أو آية الرضوان { لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ } وكان منهم أبو بكر وعلي وعثمان و ... ، وأنا بصراحة محتاج إلى الإجابة ، ولكم منّي ألف تحية وشكر .
الجواب : آية الرضوان أو ما يعرف ببيعة الرضوان المشار إليها في قولـه تعالى : { لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا } (1) فإنّ سبب البيعة هو وصول الخبر بمقتل عثمان بن عفّان من قبل المشركين ، بعد أن أرسله النبيّ (صلى الله عليه وآله) مبعوثاً عنه إلى قريش ، فدعا رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى البيعة على قتال المشركين ، وقد نزلت هذه الآية في عام الحديبية لحصول الحادثة في ذلك الوقت .
وفي الآية المباركة قيود ، إذ هي لم تتضمّن إطلاق الرضا عنهم ، بل تضمّنت بيان منشأ الرضا وسببه ـ وهو بيعتهم تحت الشجرة ـ والظاهر أنّ ذلك لا ينافي غضبه عليهم إذا عصوه ، فلا يمكن أن نفهم منها التأبيد في الرضا ، كما يريد البعض .
وأيضاً يوجد شرط آخر في الآية ، بأنّ البيعة لا تكفي في النجاة إلاّ مع الوفاء ، إذ قال تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ الله يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ الله فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا } (2) قال المفسّرون : إنّ رضوان الله وسكينته مشروطة بالوفاء وعدم نكث العهد (3) .
وقد ذكر أهل الحديث والمؤرّخون أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) بايعهم على أن يقاتلوا المشركين ولا يفرّوا (4) .
والظاهر أنّ المراد أن لا يفرّوا في جميع حروبهم ، لا في خصوص غزوة الحديبية ، ولذا اشترط الله تعالى عليهم الوفاء في الآية المتقدّمة ، مع أنّ غزوة الحديبية لم يقع فيها حرب ، وسورة الفتح نزلت بعد صلح الحديبية ، كما يناسبه أيضاً تذكير النبيّ (صلى الله عليه وآله) لهم بهذه البيعة في واقعة حنين ، حيث صاح النبيّ(صلى الله عليه وآله) بالناس : " يا أهل سورة البقرة ، يا أهل بيعة الشجرة ، أنا رسول الله ونبيّه ، فتولّوا مدبرين " (5) .
وعلى ذلك يكون فرار جماعة منهم في غزوة خيبر وفرار أكثرهم في غزوة حنين نكثاً لتلك البيعة ، رافعاً لرضا الله سبحانه عنهم ، بل الملاحظ أنّ الشكّ والريب دخل قلوب بعض الصحابة ، فخالفوا أوامر النبيّ (صلى الله عليه وآله) بعد معاهدة الصلح في الحديبية مباشرة ، فلم يستجيبوا للنبي (صلى الله عليه وآله) حينما أمرهم بالحلق والنحر إلاّ بعد التكرار ، وقيامه بنفسه بالحلق والنحر (6) .
ويمكنك أن تراجع جملة من المصادر التي ذكرت في هذا الجواب ، لتطلع على أسماء الفارّين والهاربين من غزوتي خيبر وحنين ، وكذلك الشاكّين في يوم الحديبية ، والله الموفّق للصواب.

____________
1- الفتح : 18 .
2- الفتح : 10 .
3- أُنظر : جامع البيان 26 / 100 ، الجامع لأحكام القرآن 16 / 268 ، تفسير القرآن العظيم 4 / 199 .
4- أُنظر : صحيح مسلم 6 / 25 ، صحيح ابن حبّان 10 / 415 ، الجامع الكبير 3 / 75 ، السنن الكبرى للبيهقي 8 / 146 ، السنن الكبرى للنسائي 4 / 423 .
5- المصنّف لابن أبي شيبة 8 / 552 .
6- تاريخ اليعقوبي 2 / 55 .