طباعة

٨ ـ حسن العشرة :


أكد الإمام الباقر عليه‌السلام في أحاديث مستفيضة على تكريس مبدأ الأخاء في اللّه طلباً لمرضاة اللّه ، وبين فضل ذلك في الدارين ، فقال عليه‌السلام : «من استفاد أخاً في اللّه على إيمان باللّه ووفاء بأخائه طلباً لمرضاة اللّه ، فقد استفاد شعاعاً من نور اللّه ، وأماناً من عذاب اللّه ، وحجة يفلج بها يوم القيامة ، وعزاً باقياً وذكراً نامياً ، لأن المؤمن من اللّه عزوجل لا موصول ولا مفصول» (1).
وأكد على تعهد الإخوان بالزيارة والتواصل والمصافحة ، وإيثارهم على النفس ، فقال عليه‌السلام : «إن للّه عزّوجلّ جنّة لا يدخلها إلاّ ثلاثة : رجل حكم على نفسه بالحق ، ورجل زار أخاه المؤمن في اللّه ، ورجل آثر أخاه المؤمن في اللّه على نفسه» (2).
وقال عليه‌السلام : «أيما مؤمن خرج إلى أخيه يزوره عارفاً بحقه ، كتب اللّه له بكل خطوة حسنة ، ومحيت عنه سيئة ، ورفعت له درجة ، وإذ طرق الباب فتحت له أبواب السماء ، فإذا التقيا وتصافحا وتعانقا أقبل اللّه عليهما بوجهه ، ثم باهى بهما الملائكة ، فيقول : انظروا إلى عبدي تزاورا وتحابا في ، حق علي ألاّ أعذّبهما بالنار بعد هذا الموقف ، فإذا انصرف شيعه الملائكة عدد نفسه وخطاه وكلامه ، يحفظونه من بلاء الدنيا وبوائق الآخرة إلى مثل تلك الليلة من قابل ، فإن مات فيما بينهما أعفي من الحساب ، وإن كان يعرف من حق الزائر ما عرفه الزائر من حق المزور كان له مثل أجره» (3).
وقال عليه‌السلام : «إن المؤمنَين إذا التقيا فتصافحا أقبل اللّه عزّوجلّ عليهما بوجهه ، وتساقطت عنهما الذنوب كما يتساقط الورق من الشجر» (4).
وجعل الصحبة الطويلة بمثابة القرابة ، فقال عليه‌السلام : «صحبة عشرين سنة قرابة» (5).
وأكد على تعهد الإخوان ومواصلتهم والإحسان إليهم والسعي في حاجاتهم ، فمن كلامه في هذا الاتجاه : «ليس في الدنيا شيء أعون من الإحسان إلى الإخوان» (6).
وقال عليه‌السلام : «ما من عبد يمتنع من معونة أخيه المسلم والسعي له في حاجته قضيت أو لم تقض ، إلاّ ابتُلي بالسعي في حاجة من يأثم عليه ولا يؤجر ، وما من عبد يبخل بنفقة ينفقها فيما يرضى اللّه ، إلاّ ابتُلى بأن ينفق أضعافها فيما أسخط اللّه» (7).
وقال عليه‌السلام : «إنّ اللّه تعالى أوحى إلى داود : يا داود ، أن العبد من عبيدي ليأتيني بالحسنة فأحكمه بها في الجنّة ، فقال داود : يا رب ، وما تلك الحسنة؟ قال : عبد مؤمن سعى في حاجة أخيه المؤمن أحب قضاءها ، قضيت له أم لم تقض» (8).
وإلى جانب ذلك أوصى عليه‌السلام بحسن السيرة والتعايش مع الآخر ولو كان منافقاً أو يهودياً ، فقال عليه‌السلام : «صانع المنافق بلسانك ، وأخلص ودك للمؤمنين ، وإن جالسك يهودي فأحسن مجالسته» (9).
وأوصى عليه‌السلام بالبشر وطلاقة الوجه ، كأحد مقومات حسن العشرة ، فقال عليه‌السلام : «البشر الحسن وطلاقة الوجه مكسبة للمحبة وقربة من اللّه ، وعبوس الوجه وسوء البشر مكسبة للمقت وبعد من اللّه» (10).
وعلى الصعيد العملي ، عرف الإمام الباقر عليه‌السلام بحسن العشرة وتعهد الإخوان والإحسان إليهم ، قال أبو عبيدة الحذاء : «كنت زميل أبي جعفر عليه‌السلام ، وكنت أبدأ بالركوب ، ثم يركب هو ، فإذا استوينا سلّم وساءل مسألة رجل لا عهد له بصاحبه وصافح ، قال : وكان إذا نزل نزل قبلي ، فإذا استويت أنا وهو على الأرض سلم وساءل مسألة من لا عهد له بصاحبه ، فقلت : يا ابن رسول اللّه ، إنك لتفعل شيئاً ما يفعله أحد من قبلنا ، وإن فعل مرة فكثير. فقال : أما علمت ما في المصافحة ، ان المؤمنين يلتقيان ، فيصافح أحدهما صاحبه ، فلا تزال الذنوب تتحات عنهما كما يتحات الورق عن الشجر ، واللّه ينظر إليهما حتى يفترقا» (11).
وعن أبي حمزة ، قال : «زاملت أبا جعفر عليه‌السلام فحططنا الرحل ثم مشى قليلاً ، ثم جاء فأخذ بيدي فغمزها غمزة شديدة فقلت : جعلت فداك ، أو ما كنت معك في المحمل؟! فقال : أما علمت أن المؤمن إذا جال جولة ثم أخذ بيد أخيه ، نظر اللّه إليهما بوجهه ، فلم يزل مقبلاً عليهما بوجهه ، ويقول للذنوب تتحات عنهما ، فتتحات ـ يا أبا حمزة ـ كما يتحات الورق عن الشجر ، فيفترقان وما عليهما من ذنب» (12).
__________________
(1) تحف العقول : ٢٩٥.
(2) أعلام الدين : ١٢٦.
(3) الكافي ٢ : ١٨٣ / ١.
(4) الكافي ٢ : ١٨٠ / ٤.
(5) تحف العقول : ٢٩٣.
(6) اسعاف الراغبين : ٢٥٣.
(7) تحف العقول : ٢٩٣.
(8) أعلام الدين : ٢٦٥.
(9) الأمالي / الشيخ المفيد ١٣ : ١٨٥ / ١٠ ، تحف العقول : ٢٩٢ ، أعلام الدين : ٣٠١.
(10) تحف العقول : ٢٩٧.
(11) الكافي ٢ : ١٧٩ / ١.
(12) الكافي ٢ : ١٨٠ / ٧.