طباعة

المقدمة

الحمد لله ربّ العالمين
وأفضل الصلاة وأتمّ التسليم على سيّد الأنبياء والمرسلين أبي القاسم محمّد’.
لقد عشت سنين من عمري في مدينتي العزيزة دير الزور على شاطئ نهر الفرات، ولمّا بلغت العشرين من العمر بدأت استنشق هواءها الروحي، وتجاوبت بكلّ مشاعري وكياني مع علمائها الأفاضل أستقي منهم السلوك الصحيح، والخلق الحسن، وبعد مرحلة طويلة من هذه الرفقة المباركة - إضافة إلى تجوالي في معظم أنحاء القطر العربي السوري طلباً للمعرفة واستزادةً منها - التقيت بعيّنات من أهل القرى والمدن ممّا جعل بيني وبينهم بعض المناقشات والمحاورات التي ولّدت عندي حافزاً جديداً لأن أعيد النظر في قراءاتي السابقة، وأن أقارن بينها وبين كتب أخرى وما تحمل في طيّاتها من قضايا التاريخ ومجرياته.
ولقد وجدت عند الكثير ممّن كنت أحاورهم وآخذ منهم تقاعساً عن اقتحام الحقيقة وصمتاً أمام الدليل الواضح متمشين في ذلك مع ما يطلب الواقع ومع ما هو موروث عن الآباء والأجداد، لكنّني عزمت على العمل الدؤوب والاستمرار في تقصّي الحقيقة ومعرفتها، تلك الحقيقة التي عتّم عليها تاريخ المثبطين الجبناء وتقاعسهم، إلّا أنّني قلت: فليكن القرآن الكريم فيصلاً بيني وبينهم.
فلنتعلّم من القرآن الكريم، ولنرشد الغافلين، وننذر المعاندين المنحرفين عن موكب النور الإلهي.
ونحن حين نستعرض الأحداث والمبرّرات والمقدّمات والنتائج التي يكشف القرآن الكريم عنها الستار، فما ذلك إلّا واجبٌ شرعي ملقى على عاتق كلّ مسلم يؤمن بالله وبرسوله وبقرآنه الكريم.
لقد أجهدنا أنفسنا لأكثر من عشرين عاماً كي نتلاحم مع أبناء بلدنا في حوار دؤوب، إلّا أنّنا وجدنا الأعذار والإجابات التي كانت بالأمس هي نفسها أعذار اليوم لا تختلف في جوهرها ولا في مضامينها الخاوية من الحقيقة، ويتعلّل ويحتجّ البعض بطول الطريق، لكنّ الله سبحانه وتعالى يقول: ﴿لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا وَسَفَرًا قَاصِدًا لاَّتَّبَعُوكَ وَلَـكِن بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللهِ لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنفُسَهُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ﴾ (1).
يا إخوتي، الحقّ والحقّ أقول: إنّ الطريق شائك وطويل واجتيازه مجهد، عبر مجتمع لم يعرف البحث عن الحقيقة، الأمر الذي لا يتيح للداعية أن يوضّح ما يريد، أو أن يمدّ بصره حتّى نهاية الطريق، ذلك لأنّ الأُمّة انحدرت وانحرفت اتّجاه مظلم خطّه لها المستعمرون والطامعون الغاشمون الذين يقفون لأُمّتنا الإسلاميّة بالمرصاد، ويضعون في سبل الداعية من الحواجز والعراقيل ما يصعب عليه تجاوزها والتغلّب عليها.
إنّ المسلّم للحق لا يستهدف من وراء دعوته مكسباً مادياً أو هدفاً دنيوياً إلّا الثواب وأداء الواجب، وإنّ الهدف من هذا العمل الشاق هو بناء الأُمّة من جديد وإعادتها إلى مركزها القرآني الذي انحرفت عنه متجاهلة طريق النجاة.
عودةٌ إلى صدر الإسلام حين اختفى الرسول الأعظم’ في غار ثور والعيون الكثيرة منتشرة في الصحراء تبحث عنه بغية القضاء عليه، ولكنّ الله سيتمّ نوره، وصدق من قال: إنّ هذا الطريد سوف يصل في طريقه إلى عواصم الأكاسرة والقياصرة، ولسوف يغزو العالم المتحضّر كلّه محدثاً أعظم انقلاب في التاريخ.
أمّا المثبطون فإنّهم يقولون: إنّ هذا المتنبئ لمجنون، ولكن ما هو بمجنون، والله، إن هو إلّا ذكر للعالمين، ولتعلمنّ نبأه بعد حين.
السيّد ياسين المعيوف البدراني

___________
1- التوبة ٩: ٤٢.