طباعة

شرعيّة الإمامة

شاءت حكمة الله سبحانه وتعالى أن ينظّم هذا الكون تنظيماً ربّانياً يسير بدقّة متناهية بلا خلل ولا نقص، ومن حكمته جلّ وعلا أن جعل البشرية تسير بنظم سماوية وتشريع ربّاني لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ثمّ جعل لهذه الأُمّة ولهذا التشريع قادةً وقيادةً من صفوة الخلق، طهرّهم الله من حبّ الدنيا وأرجاسها، ومنحهم العلم والمعرفة، فمنهم الأنبياء، ومنهم الأئمّة^، هؤلاء هم الذين يستحقّون أن يكونوا خلفاء على الخلق، وأمناء على الشرع، ومنهم نبيّ الله إبراهيم عليه السلام الذي خصّه الله بالنبوّة والإمامة يقول تعالى: ﴿إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ﴾ (1).
لقد جعل الله سبحانه وتعالى إبراهيم عليه السلام نبيّاً، ثمّ خليلاً، ثمّ أعطاه مرتبة ثالثة، تشريفاً له وهي الإمامة لتكون في ذرّيته من بعده، فكانت في الرسول الكريم محمّد’ وفي آله، بدليل قولنا: اللّهم صلّى وسلم وبارك على محمّد، وآل محمّد، كما صلّيت، وباركت على إبراهيم ، وعلى آل إبراهيم، في العالمين، إنّك حميد مجيد.
لقد ربط الله الآل بالآل، آل إبراهيم بآل محمّد، والحكم دائماً يبدأ بالأهمّ، فالخليفة أهمّ من الخليقة ؛ لأنّ كلّ مجتمع وكلّ أُمّة تحتاج إلى مرشد، فلابدّ وأن يكون ذلك المرشد أكمل وأشرف الخلائق في الطهارة والصفاء ورجحان العقل وقوّة الإيمان، ولن يتسنّى ذلك إلّا للمعصوم من عند الله، ويبطل اختيار من أدنى منه مرتبةً في الناس. قال تعالى: ﴿يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ ﴾ (2).
وهذا دليل واضح على أنّ الله سبحانه هو الذي يختار النبيّ والخليفة والإمام ؛ لأنّه أعلم بالناس من أنفسهم، ولمّا كانت الأُمّة بعد رسول الله في حاجةٍ ماسةٍ إلى إمام وقائد، فهل نضع هذه الإمامة والقيادة في غير الذين اختارهم الله ورسوله؟ هل ننتزع هذا الحقّ منهم وندع للناس اختيارهم؟
إنّ ذلك لعبثٌ وجهل، والناس لن يستطيعوا اختيار المعصوم وليس من حقّهم تبديله ؛ لأنّ الله سبحانه وتعالى هو الذي اختاره.
قال الله تعالى: ﴿وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ ﴾ (3)، ويقول تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ ﴾ (4).
ما أردت الكتابة عن حياة الإمام علي وسيرته وحقّه في الإمامة أو عن زهده وشجاعته وعلمه ؛ لأنّ مثل ذلك قد يعجز عنه الكلام، ويقصر دونه التدوين، لكنّني سألجأ إلى أسلوب علمي محاولاً الإفصاح عن معنى الإمام والخلافة.

__________
1- البقرة ٢: ١٢٤.
2- ص ٣٨: ٢٦.
3- القصص ٨: ٦٨.
4- السجدة ٣٢: ٢٤.