طباعة

أفضلیة السيدة الزّهراء (سلام الله علیها) على نساء العالمین فی احادیث أهل السنة

السؤال: ماهو موقف محدّثو اهل السّنّة فی مسألة أفضلیّة الزّهراء (سلام الله علیها) علی نساء العالمین؟
الجواب: فقد روى محدّثو اهل السّنّة فی منزلة الزهراء (سلام الله علیها) أحادیث یمکن تبویبها إلى ثلاثة أقسام:

القسم الأول:
ما یفید مشارکتها لغیرها فی الفضل. و هی الأحادیث التی تدلّ على أنّها بالإضافة إلى مریم بنت عمران وخدیجة بنت خویلد وآسیة بنت مزاحم زوجة فرعون سیدات نساء العالمین وسیدات نساء أهل الجنة.
منها: ما رواه الترمذی بإسناده إلى النبی (صلی الله علیه و آله و سلم) أنّه قال: « حسبک من نساء العالمین: مریم ابنة عمران، وخدیجة بنت خویلد، وفاطمة بنت محمد، وآسیة امرأة فرعون ».[1]
و منها: ما رواه أحمد بإسناده إلى ابن عباس قال: خط رسول الله فی الأرض أربعة خطوط، قال: أتدرون ما هذا؟ فقالوا : الله و رسوله أعلم، فقال رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) : « أفضل نساء أهل الجنة : خدیجة بنت خویلد ، وفاطمة بنت محمد ، وآسیة بنت مزاحم امرأة فرعون ، ومریم ابنة عمران ».[2]

القسم الثانی :
ما یفید تفضیل فاطمة الزهراء علیها السلام على غیرها. سواء بإفرادها فی لقب « سیدة نساء العالمین » أو « سیدة نساء الجنة » و ما شاکلهما، أو بالتنصیص على تقدمها على بقیة النساء. و هی أحادیث عدیدة، منها:
ما رواه البخاری عن النبی أنه قال: « فاطمة سیدة نساء أهل الجنة ».[3]
و منها: ما رواه الحاکم بإسناده إلى حذیفة أن رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) قال: « نزل من السماء ملک فاستأذن الله أن یسلم علی لم ینزل قبلها ، فبشرنی أن فاطمة سیدة نساء أهل الجنة ».[4]
ومنها : ما رواه الحاکم بإسناده إلى عائشة أن النبی قال وهو فی مرضه الذی توفی فیه: « یا فاطمة ألا ترضین أن تکونی سیدة نساء العالمین ، وسیدة نساء هذه الأمة ، وسیدة نساء المؤمنین ».[5]
فإنّ ظهور هذه الأحادیث یدلّ على تقدّمها على من سواها، وخصوصیة التّقدم إنّما تنبعث من إفرادها دون من سواها فی الذکر و الفضل و السیادة و خصوصا مع ملاحظة بعض القرائن الملتفة بالخبر، منها أن الآیة التی تذکر اصطفاء مریم علیها السلام على نساء العالمین وردت ضمن سورة مریم وهی مکیة بالاتفاق ، وأحادیث کون فاطمة علیها السلام سیدة نساء العالمین صدرت عن النبی فی المدینة بلا شک، و منها مجیء الملک و تبشیره النبی (صلی الله علیه و آله و سلم) بأنّ فاطمة (سلام الله علیها) هی سیّدة نساء أهل الجنة ، فإنّ السّیادة فی الجنة یتبع مقام السیادة والقرب من الله فی الدنیا، وهذا ما تقتضیه مناسبة قدوم ملک من السماء لإتحاف النبی بهذه البشارة.
روایات أهل السّنة النّاصّة على التّفضیل إلّا أنه توجد مجموعة من الأحادیث النبویة أکثر ظهورا مما سبق، حیث تقوم بالتفضیل فی مسألة السیادة بین العوالم، أی أن تفضیل الزهراء (سلام الله علیها) له شمول زمانی یعم کل الأزمنة بما فی ذلک فترة السیدة مریم (سلام الله علیها)، أما تفضیل مریم بالسیادة فهو مخصوص بنساء أهل زمانها فقط.
و ممّا یشهد بذلک ما رواه ابن شاهین البغدادی المتوفى سنة (385 ه‍) بإسناده عن عمران بن حصین قال: «خرجت یوما فإذا أنا برسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) قائم ، فقال لی: یا عمران إنّ فاطمة مریضة، فهل لک أن تعودها؟ قال: قلت فداک أبی وأمی، وأی شرف أشراف من هذا، قال: فانطلق رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) فانطلقت معه حتى أتى الباب، فقال: السلام علیک ، أدخل؟ قالت: و علیک السّلام ، ادخل، فقال رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم): أنا و من معی؟ قالت: والذی بعثک بالحق ما علی إلا هذه العباءة، و قال: و مع رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) مادة خلقة فرمى بها، فقال: شدی بها على رأسک، ففعلت، ثم قالت: ادخل، فدخل و دخلت معه، فقعد عند رأسها و قعدت قریبا منه، فقال: أی بنیة کیف تجدینک؟ قالت: والله و برسول الله إنی لوجعة، و إنه لیزیدنی وجعا إلى وجعی أن لیس عندی ما آکله، قال: فبکى رسول الله و بکت و بکیت معهما، فقال لها: یا بنیة اصبری مرتین أو ثلاثا، ثم قال لها: یا بنیة، أما ترضین أن تکونی سیدة نساء العالمین، قالت: یا لیتها یا أبت، فأین مریم بنت عمران؟ قال لها: أی بنیة تلک سیدة نساء عالمها، و أنت سیدة نساء عالمک، والذی بعثنی بالحق لقد زوجتک سیدا فی الدنیا و سیدا فی الآخرة، لا یبغضه إلا کل منافق ».[6]
وروى أحمد بن میمون فی فضائل علی و کذلک الرافعی أن النبی (صلی الله علیه و آله و سلم) قال: « أول شخص یدخل الجنة فاطمة بنت محمد، ومثلها فی هذه الأمة مثل مریم فی بنی إسرائیل ».[7]
و هذا الحدیث فیه إشارة إلى اختصاص کل واحدة منهما بعالمها الخاص.
و روى محب الدین الطبری و السیوطی عن ابن عساکر بإسناده إلى النبی (صلی الله علیه و آله و سلم) أنّه قال: « أربع نسوة سیدات سادات عالمهن: مریم بنت عمران، و آسیة بنت مزاحم، و خدیجة بنت خویلد، و فاطمة بنت محمد، و أفضلهن عالما فاطمة ».[8]
و هذا الحدیث فی عین ذکر التفصیل فی السیادة بین العوالم نص على أفضلیة فاطمة على غیرها من النساء من حیث العالم ، وهذا کاف فی الدلالة على المطلوب .
و نقل ابن شهر آشوب عن عائشة و غیرها عن النبی (صلی الله علیه و آله و سلم) أنّه قال: « یا فاطمة أبشری فإن الله اصطفاک على نساء العالمین و على نساء الاسلام و هو خیر دین ».[9]

القسم الثالث:
الأحادیث التی تدّل على أفضلیّة مریم (سلام الله علیها) على الزّهراء (سلام الله علیها) و تجعل فاطمة فی الرّتبة الثانیة من حیث المقام و المنزلة، بل إنّ فی بعضها تقدیم غیر مریم علیها. ومن تلک الأحادیث :
1 - ما رواه الترمذی بإسناده إلى أم سلمة عن فاطمة (سلام الله علیها) أنّ النبی (صلی الله علیه و آله و سلم) فی مرض وفاته أخبرها بأنها « سیدة نساء أهل الجنة إلا مریم بنت عمران ».[10]
2 - ما رواه ابن عبد البر عن أبی سعید الخدری أن النبی (صلی الله علیه و آله و سلم) قال: « فاطمة سیدة نساء أهل الجنة إلا ما کان من مریم بنت عمران ».[11]
و کذلک ما رواه عن ابن عباس عن النبی (سلام الله علیها) أنّه قال: « سیّدة نساء أهل الجنة مریم، ثم فاطمة بنت محمد، ثم آسیة امرأة فرعون ».[12]
3 - روى ابن أبی شیبة عن النبی (صلی الله علیه و آله و سلم) أنّه قال: « فاطمة سیدة نساء العالمین بعد مریم ابنة عمران و آسیة امرأة فرعون و خدیجة بنت خویلد ».[13]
4 - وأخرج ابن جریر عن عمار بن سعد قال: قال رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم): « فضلت خدیجة على نساء أمتی کما فضلت مریم على نساء العالمین ».[14]
5 - أخرج البخاری فی صحیحه عن النبی (صلی الله علیه و آله و سلم) أنّه قال: « کمل من الرجال کثیر، و لم یکمل من النساء إلا مریم بنت عمران، و آسیة امرأة فرعون، و فضل عائشة على النساء کفضل الثرید على الطعام».[15]

تعلیق على الرّوایات المفضلة لغیر الزهراء سلام الله علیها :
و الملاحظ فی مجموع هذه النصوص مع قلة عددها الاضطراب فی ترتیب طبقة النساء من حیث الفضل، فالحدیثان الأول و الثانی یجعلان الزهراء (سلام الله علیها) بعد مریم (سلام الله علیها) فی الفضل، و من دون ذکر لرتبة بقیة النساء، مع أنّ ابن کثیر احتمل فی الحدیث الثانی عدم دلالته على تفضیل مریم علیها السلام على الزهراء (سلام الله علیها)[16]، ولکن الحدیث الثالث یجعل فاطمة علیها السلام فی الرتبة الأخیرة من بین النساء الأربع، و الحدیث الرابع یقدم خدیجة (سلام الله علیها) فی أمة النبی على فاطمة (سلام الله علیها)، و الحدیث الخامس یفید تقدم عائشة على جمیع النساء الأربع. و سیزداد حجم الاضطراب و التناقض إذا ضممنا إلیها الأحادیث الأخرى الواردة فی المقام و قد أعرضنا عنها روما للاختصار. و من مظاهر الاضطراب فی الأحادیث أیضا الاختلاف الحاصل فی الترتیب فی الفضل بحسب اختلاف استخدام أدوات العطف و الاستثناء.
أما بخصوص الأحادیث الأول و الثانی و الثالث و الخامس، فمن المؤکّد أنّها من وضع الأمویین و أتباعهم، فإنّهم عمدوا إلى سلب أی فضیلة ذکرت لأهل البیت علیهم السلام بمنع نشرها أو وضع حدیث آخر یقابلها لمن یحبونه من الصحابة حتى یتردد السامع الجاهل بالحقیقة فیمن کانت تلک الفضیلة، فوضعوا حدیث «خوخة أبی بکر» مقابل حدیث «سد الأبواب إلا باب علی علیه السلام»، و وضعوا حدیث «لو کنت متخذا خلیلا» مقابل حدیث «المؤاخاة»، و أضافوا استثناء «ابنی الخالة یحیى وعیسى» إلى حدیث «الحسن والحسین سیدا شباب أهل الجنة»، کل ذلک إطفاء لنور الله الذی یأبى إلا أن یتمه و لو کره الکافرون.
أما الحدیث الرابع فإن علامة الکذب و الوضع بادیة علیه، لأنّه على طرف نقیض مما رواه الهیثمی عن أبی هریرة أن النبی (صلی الله علیه و آله و سلم) قال: « إن ملکا من السماء لم یکن زائری فاستأذن الله فی زیارتی، فبشرنی أو أخبرنی أن فاطمة سیّدة نساء أمتی». قال الهیثمی: (رواه الطبرانی، و رجاله رجال الصحیح غیر محمد بن مروان الذهلی، و وثقه ابن حبان).[17] .[18]

المصادر:
---------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
[1] - الجامع الصحیح : ج 5 ، ص 703 ، ح 3878 ، ورواه بهذا المضمون أیضا أحمد فی مسنده : ج 3 ، ص 135 ، والحاکم فی مستدرکه : ج 3 ، ص 157 ، والهیثمی فی موارد الظمآن : ج 7 ، ص 168 ، ح 2222 ، وللمزید راجع عوالم النساء : ص 108 ، الهامش 2 .
[2] - مسند احمد بن حنبل، (تحقیق:ابو المعاطی النوری، الطبعة الاولی،1419ه =1998م)، ج 1، ص: 293 و316 و322.
[3] - صحیح البخاری : ج 5 ، ص 25 .
[4] - المستدرک : ج 3 ، ص 151 ، وقد أقر الذهبی بصحته ، ورواه المتقی الهندی فی کنز العمال : ج 12 ، ص 113 ، ح 34249 عن أحمد والترمذی والنسائی وابن حبان بأسانیدهم إلى حذیفة .
[5] - المستدرک : ج 3 ، ص 156 ، واعترف الذهبی بصحته ، وروى شبهه أحمد فی مسنده : ج 6 ، ص 282 ، والبخاری فی صحیحه : ج 4 ، ص 248 ، وابن سعد فی الطبقات الکبرى : ج 2 ، ص 2 373 ط دار إحیاء التراث العربی . وللمزید راجع عوالم سیدة النساء : ص 92 ، ح 1 و 2 ، ص 93 ، ح 3 ، ص 95 ، ح 1 ، ص 96 ، ح 1 ، ص 100 ، ح 1 .
[6] - فضائل فاطمة الزهراء : ص 63 ، ح 12 ، ورواه الذهبی فی تاریخ الاسلام : ج 3 ، القسم الخامس بالخلفاء الراشدین ، ص 45 . ورواه أیضا ابن عبد البر عن عمران بن حصین أیضا بنص مقارب فی الاستیعاب : ج 4 ، ص 1895 ، وکذلک رواه أبو نعیم الاصفهانی فی حلیة الأولیاء : ج 2 ، ص 42 .
[7] - کنز العمال : ج 12 ، ص 110 ، ح 34334 .
[8] - ذخائر العقبى : ص 44 ، والدر المنثور : ج 2 ، ص 23 .
[9] - مناقب آل أبی طالب : ج 3 ، ص 104 ، عنه البحار : ج 43 ، ص 36 .
[10] - الجامع الصحیح : ج 5 ، ص 701 ، ح 3873 ، وراجع أیضا الطبقات الکبرى : ج 2 ، ص 373 ط دار إحیاء التراث العربی . وکنز العمال : ج 13 ص 675 ، ح 37730 ، وفی الصفحة 677 ح 37734 من الکنز کان تعبیر الحدیث : ( سیدة نساء أهل الجنة بعد مریم ابنة عمران ) ، وفی الاستیعاب : ج 4 ، ص 1894 : ( إلا ما کان من مریم بنت عمران ) .
[11] - الاستیعاب : ج 4 ، ص 1894 .
[12] - الاستیعاب : ج 4 ، ص 1895.
[13] - کنز العمال : ج 12 ، ص 110 ، ح 34233 ، والدر المنثور : ج 2 ، ص 23 .
[14] - الدر المنثور ، ج 2 ، ص 23 .
[15] - صحیح البخاری : ج 5 ، ص 36 .
[16] - قصص الأنبیاء : ص 362 .
[17] - مجمع الزوائد : ج 9 ، ص 201 .
[18] - حوار مع فضل الله حول الزّهراء (سلام الله علیها) - السّید هاشم الهاشمی – (ط: الثانیة، 1422 ه‍ ، قم، دار الهدى) - ص: 67 – 73.

المصدر : makarem.ir