طباعة

عيد الغدير الأغر عيد الولاية والخلافة الربانية

يوافق الـ 18 من شهر ذي الحجة يوم تتويج الإمام علي (ع) بإمرة المؤمنين بعد ما جاء الوحي من رب العالمين على رسوله الأمين (ص)، فبهذه المناسبة العطرة نقف على معلومات حول هذا الحدث العظيم:
قال الله الحكيم في كتابه الكريم: «يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وان لم تفعل فما بلغت رسالته، والله يعصمك من الناس، إن الله لا يهدي القوم الكافرين»[المائدة: 67].
وقال تعالى: «اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا» [المائدة: 3].
وقال عز وجل: «ومن يتولى الله ورسوله والذين آمنوا فان حزب الله هم الغالبون» [المائدة: 56].

الكتابة عن الأئمة المعصومين تجلب الرزق وتبيض الوجه وتنير القلب وتحبب الانسان للناس، لأن الناس بفطرتها تحب الأئمة وأهل بيت الرسالة لقربهم من النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، ولأن الله سبحانه وتعالى قال في كتابه الكريم على لسان نبيه المصطفى صلى الله عليه وآله : «قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى».

ونحن لا نمتلك شيئا نقدمه غير ذكر محاسن أهل البيت وكلامهم الذي هو نور وأمرهم رشد . والإمام الصادق عليه السلام يقول: "لو عرف الناس محاسن كلامنا لأتبعونا".

والكتابة في موضوع الإمامة والخلافة الربانية لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب ضرورية لتعريف الناس بما أمر الله به رسوله الكريم في يوم غدير خم الذي أصبح أفضل أعياد المسلمين والشيعة على وجه الخصوص، لأنه عيد الولاية والإمامة، عيد إكمال الدين وإتمام النعمة كما جاء في الآية القرآنية الكريمة والشريفة: «اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا».

ولو تدبرنا في هذه الآية الشريفة لاستوحيا بأن الله سبحانه وتعالى في يوم الغدير قد أكمل دينه وأتم نعمته بإعلان الولاية والخلافة والوصاية للإمام علي بن أبي طالب عليه السلام الذي سوف يأتي تفصيل الحديث عنه، ورضي للمسلمين الإسلام دينا في ذلك، لذلك فصراط علي بن أبي طالب هو الصراط المستقيم، ومن أراد الإسلام فليقصد علي ويتبع علي ويسير على خط علي، وهذا ما أمر به الله رسوله في ذلك اليوم الأغر الذي هو يوم غدير خم، والذي نحن في انتظار حلوله بعد فصل الحج الأكبر هذه الأيام وبالتحديد في 18ذي الحجة.

وقد قال الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: «قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون».
وفي تفسير هذه الآية قال الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله فضل الله هو أنا ورحمته هو علي بن أبي طالب.

فلماذا لا نفرح ما دام عندنا الفضل وهو النبي والرحمة الإلهية وهو الإمام علي بن أبي طالب ويجب أن نفرح وتستبشر قلوبنا وهو خير مما يجمع الآخرون.. فنحن لدينا النبوة والإمامة وهو فضل كبير ونعمة ورحمة لا تحصى، نشكر الله على ما أنعم وأجاد علينا.

فما معنى الإكمال والإتمام والرضا؟
ولكي نعرف ما هو الدين، وما هو الإسلام، الذي رضيه الله لنا دينا في هذا اليوم، ينبغي أن ننظر في الآيات التي تحدثت عن الدين والإسلام، من أول آية إلى آخر آية. ينبغي أن نعرف أن الإسلام الذي قال الله تعالى عنه: «إن الدين عند الله الإسلام... ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين»[آل عمران: 85].

هو الإسلام الذي صار الجانب التنفيذي منه ركنا في بنائه، من يوم جدد إبراهيم عليه السلام بناء البيت ودعا ربه كما أمره، أن يكون نبي الأمة المسلمة خاتم الأمم، وأئمتها، من ذريته: «وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربنا تقبل منا انك أنت السميع العليم»[البقرة: 127].. فبعد أن أتم إبراهيم بناء قبلة الحق للعالم، طلب من ربه ما وعده به، فقال الهي أنا معمار بيتك وهذا ابني العامل معي في بناء بيتك .. فاجعل أجر بنائنا ما وعدتنا «ربنا واجعلنا مسلمين ومن ذريتنا أمة مسلمة لك وأرنا مناسكنا وتب علينا انك أنت التواب الرحيم»[البقرة: 128].

هذا الإسلام الذي أسس قبلته وأساسه إبراهيم عليه السلام، ثم بعث الله به سيد المرسلين من ولد إبراهيم عليه السلام فأشاد صرحه، وبنى أمته، بجهاد وجهود مباركة مقدسة طيلة ثلاث وعشرين سنة، وكان عامل البناء معه بدل إسماعيل: علي بن أبي طالب عليه السلام.

هذا الإسلام الذي أنزله الله تعالى، بقي إلى أواخر عمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم ناقصا، وبالذات في اليوم الثامن عشر من ذي الحجة، فأعلن الله إكماله.
يا لله، ما هو قدر ذلك اليوم، الذي ظل الإسلام يفتقد كماله حتى وجده؟.. فأي قضية قيلت للبشر في هذا اليوم فلم يفهموها، والى يومك هذا؟

أي يوم كنت يا يوم الغدير الأغر، حتى جاء الخطاب الرباني فيك لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بهذا الحسم غير المعهود في خطابه له: «يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وان لم تفعل فما بلغت رسالته، والله يعصمك من الناس، إن الله لا يهدي القوم الكافرين»[المائدة: 67]. فنحن نعرف أن خطاب الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وآله أرق خطاب وأحناه: «طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى»[طه: 2].. «وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين»[الأنبياء: 107 ].. بل نراه أقسم بعمر نبيه الحبيب: «لعمرك انهم لفي سكرتهم يعمهون»[الحجر:72]. لكنه في هذا اليوم خاطب بحسم خاص فقال: «بلغ ما أنزل إليك من ربك وان لم تفعل فما بلغت رسالته».

يقول له بذلك إن هذا اليوم هو يوم مركزي ورئيسي وتاريخي في تبليغ الرسالة، والعمل الذي ستقوم به، يكمل الدين، وبدونه يبقى ناقصا وتضيع فائدة جهودك في تبليغه.

نعم إن الرحمة التي تنزلت يوم الغدير أكبر من أن يعقلها بشرا والسبب أن الله تعالى إنما خلق هذا العالم، لأنه أراد أن يوجد موجودا ويودع فيه جوهرين نادرين، هما العقل والنفس، ولابد لهذين الجوهرين أن يصلا إلى مرحلة الإثمار.

إن مشروع بعثة الأنبياء عليهم السلام إنما كان من أجل إيصال جوهر العقل إلى درجة الكمال النظري، وجوهر الإرادة إلى درجة الكمال العملي.. وكانت بعثتهم مقدمات لكي تبلغ هدفها وأوجها ببعثة نبينا المصطفى محمد صلى الله عليه وآله وسلم: «لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وان كانوا من قبل لفي ضلال مبين»[آل عمران: 164].

قوله تعالى: «لقد من الله» رمز لقوله: «وأتممت عليكم نعمتي». فبعثة خاتم الأنبياء والرسل صلى الله عليه وآله وسلم لا تتم بتعليم الكتاب والحكمة فقط، بل لابد من الغدير! ذلك أن تعليم الكتاب هو الجانب العملي وبناء الوعي البشري، وتعليم الحكمة هو الجانب العملي وبناء الإرادة البشرية، وتكميل هذين الجانبين يحتاج إلى مفسر رباني وحكيم رباني، يواصل المهمة بعد النبي محمد صلى الله عليه وآله فجاء الإمام علي ليكون بأمر الله الإمامة والخلافة الربانية بعد الرسول.. مفسر رباني، يستطيع تفسير الكتاب الإلهي الذي قال عنه منزله عز وجل: «ألر. كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور بأذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد»[إبراهيم: 1]، وقال فيه: «ويوم نبعث في كل أمة شهيدا عليهم من أنفسهم وجئنا بك شهيدا على هؤلاء ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين»[النحل: 89].

إن هذا الكتاب العظيم، كان ولا يزال بحاجة إلى معلم رباني يعلمه للأمة وللبشرية، ومعلم هذا الكتاب العظيم بعد النبي صلي الله عليه و آله هو فقط من يقول: سلوني قبل أن تفقدوني، سلوني عما دون العرش. إن البشرية لم ترَ بعد النبي صلي الله عليه و آله من قال: سلوني، ولم يعين حدا لما يسأل عنه في الأرض ولا في السماء! فهذا الشخص فقط يستطيع أن يفسر كتاب الله الذي فيه تبيان كل شيء!

اليوم أكملت لكم دينكم .. لأنا إن اكتفينا بتنزيل الكتاب عليكم، ولم نجعل له مفسرا له بعد رسولنا، فقد جعلنا الكتاب خزائن قفلة! لا يوجد أحد يستخرج منها ما تحتاجه عقول البشر في كل جيل، فالنعمة العملية على البشر لا تتم إلا بمفسر للكتاب الإلهي.

وكذلك النعمة العملية في بناء الإرادة البشرية وتحقيق عدالة الكتاب الإلهي لا تتم إلا بمن يجسدها ويعلمها للناس.

قد نجد من يدعي أنه يستطيع تحقيق العدالة الإلهية التي نزل بها القرآن! لكن الواقع أن تحقيق العدالة القرآنية النظرية والعملية، الفردية والاجتماعية .. إنما يستطيع تطبيقها من وصل في تحقيق العدالة مع نفسه إلى أن يقول: والله لو أعطيت الأقاليم السبعة بما تحت أفلاكها على أن أعصي الله في نملة أسلبها جلب شعير ما فعلت! فمثل هذه الإرادة، هي التي تستطيع أن تحقق الحكمة العملية للقرآن، وتعلمها للبشرية!

اليوم أكملت لكم دينكم.. أكمله بهذا العالم الرباني الذي يستطيع أن يتناول خزائن القرآن! وبهذا الإنسان الكامل الذي يستطيع أن يطبق عدالة القرآن! أما الآخرون، فهم مساكين، من أين لهم هذا العلم، وهذه الإرادة؟!

المصدر: ابنا