• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

الشعر الحسيني في الدراسات الأدبية الحديثة قراءة في كتاب (كربلاء بين شعراء الشعوب الإسلاميّة)

مقدمة
مثَّلتْ كربلاء ـ المدينة والواقعة ـ مادّةَ بحثٍ جاذبة للكُتّاب والدارسين من مختلف الأمكنة والأزمنة، وهي قبل ذلك كانت وما تزال موضوعاً إبداعيّاً متجدّداً قابلاً للتوظيف الإبداعي والاستنطاق الفني، لِسِعَة معطيات المكان وما دارت عليه من أحداث تاريخيّة مهمّة، تعددتْ دلالاتُها وامتدّتْ، لتتجاوز زمنها وحدودها الجغرافيّة باتجاه وأُفق إنساني مفتوح.
ونتيجةً لذلك أُضيفت للمكتبة العربيّة عناوين مهمّة اختصّت بدراسة الأدب المكتوب في كربلاء، أو بنوع من أنواعه وأجناسه، وقد حظي الشّعر بعناية وافرة واهتمامٍ كبيرٍ فاق الأجناس الأدبية الأُخرى، لاعتبارات ومزايا فنيّة اختصّ بها الشّعر، وأُخرى متعلقة بسياقاته الثقافيّة، جعلته قريباً من الواقع والقارئ على حد سواء، فكُتبت بحوثٌ ورسائلُ علميةٌ وأطاريحُ جامعيّة تناولت الإمام الحسين عليه السلام في الشّعر العربي قديمه وحديثه[1]، بالإضافة إلى دراسات ومقالات نقديّة كثيرة تناولت وجهاً من وجوه الطفّ أو حدثاً من أحداثه، أو أثراً من آثاره الكبيرة والكثيرة.

غير أنَّ ما افتقرت إليه المكتبة العربيّة هو الدراسات التي تُعنى بالكشف عن توظيف كربلاء في شعر اللغات والآداب الأُخرى؛ وذلك لما يتطلّبه هذا الأمر من متابعة دقيقة وعدّة بحثيّة فائقة، أهمها إجادة عدد من اللغات الأجنبيّة والاطلاع على ثقافاتها وآدابها. وليس بخافٍ أنّ الحقل البحثي المختص بدراسة ذلك هو الأدب المقارن فهو يسعى إلى الكشف عن العلاقات التي بين الأحداث والوقائع المنتمية إلى جماعات مختلفة ومتباعدة غالباً، من أجل استخلاص القواعد والقوانين التي توجِّه هذه الوقائع، وتحقيق معرفةٍ أوسعَ وأدق بطبيعة تشكُّلِها.
ومن هنا؛ نال كتاب د. حسين مجيب المصري الموسوم: كربلاء بين شعراء الشعوب الإسلاميّة، دراسة في الأدب الإسلامي المقارن، الصادر عن الدار الثقافية للنشر عام 2000م أهمّيّةً كبيرةً في مكتبة الدراسات الأدبيّة المقارنة عامّة، وفي الدراسات المتعلقة بكربلاء خاصّة. فكان الكتاب فريداً في بابه؛ إذ لم يسبقه أحدٌ من الدارسين إلى الكتابة في هذا الموضوع.

وفيما يلي نحاول تسليط الضوء على هذا الكاتب والكتاب، وسنقف ـ إن شاء الله ـ عند الكتاب في بعض فصوله ضمن ثلاثة محاور رئيسيّة:
المحور الأول: مؤلف الكتاب
وُلِد عميد الأدب الإسلامي المقارن د. حسين مجيب المصري في مدينة القاهرة عام 1916م، اتَّسمت مسيرته مع اللغات الأجنبيّة المختلفة بالنشاط الكبير والمتابعة الدؤوبة، فقد أجاد ثماني لغات إجادة تامّة، من خلال انتسابه إلى معهد اللغات الشرقيّة الذي درس فيه اللغات: الأُرديّة، والإيطاليّة، والألمانيّة، والروسيّة، وكان يترجم منها إلى اللغة العربية ما يعجبه من شعر ونثر. ويُعدّ الباحث الإسلامي الأوّل الذي اشتغل في حقل الأدب الإسلامي المقارن، ودعا الباحثين والكتّاب إلى العناية به والتأليف في موضوعاته.

قدّم د. المصري للمكتبة العربيّة عشرات المؤلفات والدراسات، مستفيداً في ذلك من ذخيرته المعرفيّة واللغات التي كان يُجيدها ويترجم عنها ويكتب بها أحياناً، فمن مؤلفاته البارزة:
1ـ كتاب فارسيات وتركيّات ومن أدب الفرس والترك: يُعدّان باكورة مقارناته ما بين الأدبيَن الفارسي والتركي.
2ـ كتاب رمضان في الشّعر العربي والفارسي والتركي.
3ـ كتاب سلمان الفارسي بين العرب والفرس والترك، وأبو أيُّوب الأنصاري عند العرب والترك.
4ـ كتاب المسجد بين شعراء العربيّة والفارسيّة والتركيّة: ودرس فيه أهمّ مظاهر الفنّ الإسلامي والعمارة الإسلاميّة.
5ـ كتاب غزوات الرسول بين شعراء الشعوب الإسلاميّة وأثر الفرس في حضارة الإسلام، وكتاب في الأدب الشعبي الإسلامي المقارن وغيرها من الكتب.

وقد نظم الدكتور المصري الشّعر بالعربيّة والتركيّة والفارسيّة والفرنسيّة؛ ومن دواوينه: شمعة وفراشة، وردة وبلبل، همسة ونسمة وغيرها.
انطلق د. حسين في عنايته بمقارنة الأدب العربي بالآداب الإسلاميّة الأُخرى من اعتقاده بأنّ الأدب العربي يمثّل رصيداً إبداعيّاً ضخماً يستمدّ منه شعراء الشعوب الإسلاميّة وأُدباؤها كثيراً من المعاني والقيم، ولاحظ من خلال متابعته لهذه الآداب أن هناك تشابهاً واضحاً بين الأدب العربيّ وآداب هذه الشعوب نتيجة التأثر بالإسلام وقِيمه وحضارته وتاريخه.
وظلّ د. حسين مجيب المصري معطاءً، لم يتوقف قلمه عن الكتابة حتى وفاته رحمه الله في يوم السَّبت الثامن والعشرين من شوال 1425ﻫ، الموافق الحادي عشر من شهر كانون الأول 2004م.

المحور الثاني: جولة تأمّلية في كتابه
وقفة عامة مع الكتاب
ينبئ عنوان الكتاب بجهدٍ علميّ كبيرٍ بذله المؤلف في التَّحريّ عن النّصوص الشّعريّة المكتوبة حول كربلاء في الآداب الإسلاميّة المختلفة، واختيار المناسب منها وترجمتها إلى اللغة العربية، ومن ثمّ التَّعريف بكتّابها، وتحليل الجوانب الفنيّة الخاصّة بها، وعقد المقارنة الأدبيّة فيما بينها كلّما اقتضت الدراسة ذلك.
وحريّ بعمل كهذا أن تقف خلفه دوافع علميّة كبيرة تؤمّن استمراره واكتماله، فالمساحتان الزمانيّة والمكانيّة للموضوع لهما من السعة ما يفرض على الباحث المتابعة الدقيقة والدؤوبة، وهو ما توفّر فعلاً في عملد. حسين المصري، فكانت الانطلاقة من رؤية منهجيّة علميّة، ترى أنّ من شأن الدِّراسة المقارنة للظواهر والموضوعات المشتركة بين آداب الأُمم الإسلاميّة أن توسّع آفاق المعرفة بالتراث الإسلامي، وتكمّلها لدى القارئ العربي.
وأنّ اختيار كربلاء موضوعاً للدراسة له ما لا يخفى من الأهمّيّة، فهي ظاهرة تاريخيّة مهمّة في التاريخ الإسلامي، تتجه إلى قلوب المسلمين أجمعين وإلى الإنسانيّة جمعاء في قاصية الشرق والغرب.
ويرى في مصرع الإمام الحسين عليه السلام أنّه يمثّل المواجهة الأزليّة الأبديّة بين الخير والشرّ، والحقّ والباطل، والإيثار والأَثرة، والتَّضحية والانتهازية، وأن ما وقع في كربلاء إنّما يعرض لنا تاريخاً لخلفاء بني أُميّة، وهو تاريخ أصحّ وأدقّ مما قال المؤرخون عنهم. ويُثير هذا الرأي الأخير عدّة أُمور تتعلق بطبيعة علاقة الشّعر بالتاريخ، وحدود التسجيل الشّعري للتاريخ، من غير أن يطغى التاريخي/الواقعي على الأدبي/ المُتخيل، غير أنّ الكتاب لا يقف عند مناقشة ذلك، ويستمرّ في بيان أهمّيّة كربلاء موضوعاً ورمزاً شعرياً، فهي مدينة طَبَّقت شهرتها الآفاق على مرّ العصور والدهور، فالمسلم يزورها للعبرة والذكرى، وغير المسلم للنّظر والمشاهدة، وهي اليوم مزار للزوّار من جميع الأجناس، وسوف يدوم ذلك لها ما دام دين الحقّ على وجه الأرض، وما دام في الدنيا عبّاد المبدأ وأنصار الحقّ والعدل، إنّ لها في التاريخ الإسلامي منزلة لا تُسامى؛ لأنّها مدينة إسلامية خالصة، فقد امتزج ترابها بدم الحسين الشّهيد، وهو من دم رسول الله صلى الله عليه وآله.
قام الكتاب[2] على مقدّمة، وفصلين تمهيديين؛ حمل الفصل الأوّل عنوان: التّشيّع والشّيعة، اختصّ بتعريف التّشيّع وعرض أُصوله تاريخيّاً، وقد اعتمد المؤلف في ذلك على مصادر هي في حقيقتها غير كافية! ولا يمكن الاكتفاء بها علمياً، فلا بدّ ـ كما هو معروف في مناهج البحث العلمي ـ من الرجوع إلى المصادر الرئيسة للتّعريف بالطوائف والمذاهب، واعتماد مصنفات المذهب المراد تعريفه وبيان عقائده، وهو ما لم يفعله المؤلف؛ مما جعل الحقائق ملتبسة عليه! ومن ثمّ جاء التَّعريف بالتّشيّع مشوّهاً وناقصاً، وكان يريد من هذا الفصل التمهيدي أن يصل إلى ما له صلة بموضوع الكتاب الرئيس، وهو كربلاء في الشّعر! فذكر أنّ الشّيعة قاطبة يتفقون في غايتهم، إلّا أنهم يختلفون في وسيلتهم عند إعلانهم عن فرط حزنهم. وربما أرشد ذلك من صنيعهم إلى تخالفهم في التعبير عن شعورهم على وفق سليقتهم وتفاوتهم في اختيار الرمز والمجاز الذي ينطق عن الحقيقة، وهذا يُعتبر خللاً منهجياً منه!
ويتكرّر الخلل المنهجيّ نفسه في الفصل الثاني الذي حمل عنوان: كربلاء[3]، وعرض فيه أحداث واقعة الطفّ، فنجد الباحث يعتمد من بين المصادر كتاب الإمامة والسّياسة لابن قتيبة، من غير التثبّت من صحّة بعض الروايات التاريخيّة، لدرجة تناقض معطياتها في أكثر من موضع في الفصل، ولا أرغب في مناقشة المؤلف في تفاصيل ذلك، فغاية المقال هو تسليط الضوء على الجديد من النّصوص الشّعرية الإسلاميّة التي تناولت كربلاء موضوعاً ورمزاً. وهو ما يتناوله المؤلف في أربعة أبواب رئيسة.

أبواب وفصول الكتاب
الباب الأوّل: كربلاء في الشّعر العربي[4]
ضمّ هذا الباب فصلين: استهلّ المؤلف في الفصل الأول ـ كربلاء في الشّعر العربي القديم ـ بعبارة لأبي فرج الأصفهاني من كتابه مقاتل الطالبيّين يقول فيها: ((وقد رثى الحسين بن علي جماعة من متأخري الشّعراء، أستغني عن ذكرهم في هذا الموضع كراهية الإطالة، أمّا مَن تقدّم فما وقع إلينا شيء رُثي به، وكانت الشُّعراء لا تُقدم على ذلك مخافةً من بني أُميّة، وخشيةً منهم))[5] والذي يُلاحَظ أنّ الكاتب وهو في الافتتاحية يُشير إلى ضياع كثير من هذه النّصوص بفعل القمع السّياسي الأُموي، ثم يختار بعد ذلك البدء بأبيات سليمان بن قتة التيّمي ـ من شعراء القرن الأوّل الهجري ـ في رثاء الحسين عليه السلام والتي يقول فيها:

مررت على أبيات آل محـمد                فلم أرها أمثالها يوم حلّت
ألم تر أنّ الشمس أضحت مريضة         لفقد حسين والبلاد اقشعرّت
وكانوا رجاءً ثم أضحوا رزيّة             لقد عظمت تلك الرزايا وجلّت

ويذكر المؤلف أنّ شعر الرثاء الحسيني تضمّن بُعداً سياسياً يتعلّق بالثَّورة على فساد الدّولة الأُمويّة، إلى جانب البُعد الديني الذي تجلّى في الصّلة الوثيقة ما بين المؤمن وآل النبي الأكرم صلى الله عليه وآله، ويُضاف إلى هذين البُعدين ملمحٌ فنيّ من خصائص فنّ الملحمة أو شعر الحرب، يرجئ المؤلف الحديث عنه إلى الفصول الخاصّة بشعر الشعوب الإسلاميّة، متوقّفاً عند شعر السيّد الحِمْيَري الذي كان يُعدّ من أكثر الشّعراء شعراً في الجاهليّة والإسلام، ويستشهد بأبياته:

اُمرر على جدث الحسين        وقل لأعظُمه الزكيّة
يا أعظُماً لا زلت من            وطفاء ساكبة رويّـة
فإذا مررت بقبــــره             فأطل به وقف المطيّة
وابكِ المطهّر للمطهـر          والمـطـهّرة النـقيّـة
كبكاء مـعـولة أتـت              يوماً لواحدها المنيّة

غير أنَّ ما يُؤاخذ عليه عدم اختياره من القصيدة الأبيات التي هي أقرب لما يتحدّث عنه من أبعاد في شعر الرثاء، واكتفى بذكر الأبيات الدالّة على الحزن والألم، وكان الأجدر اختيار قول الشاعر:

قبرٌ تضمّن طيّباً               آباؤه خير البريّــة
آباؤه أهل الرياسة             والخلافة والوصيّــة
والـخـيــر والشـيـم             المهذبة المطيّبة الرضيّـة
والعن صدى عمر بن         سعد والملمّع بالنقيّة
شمر بن جوشن الذي         طاحت به نفس شقيّة
جعلوا ابن بنت نبيهم          غرضاً كما تُرمى الدريّة

ومن ثمّ يتحدّث عن مذهب السيّد الحميري، ويذكر بعض الآراء في تحديد معتقد الكيّسانية في الإمامة، وانقسامهم بعد وفاة محمد بن الحنفيّة، ثم ينتقل إلى تفسير مفهوم البداء، فيعرض له بشكل مضطرب، يستطرد فيه من غير ضرورة علميّة لذلك، وكان من الممكن أن يكتفي بتعريف بسيط لبعض المفاهيم والإحالة إلى مصادر متخصِّصة في معالجة هذه الموضوعات ومناقشتها.
وينتقل المؤلف بشكل مفاجئ إلى شاعر من التوّابين هو ابن الأحمر، ويذكر أبياتٍ له في التألّم والحسرة على عدم نصرة الإمام الحسين عليه السلام.
ثم يُورد أبياتاً للشاعر منصور النمري، متوقّفاً عند ردود فعل هارون الرشيد، منتقلاً إلى قصيدة لأبي دهبل وبعدها قصيدة للشّريف الرضي التي منها:

يا قتيلاً قـوّض الـدهر به         عــمد الديـن وأعـلام الهـدى
قتـلوه بـعد علـم مـنهم              أنّـه خامـس أصحـاب الـعبـا
كيف لم يستعـجل الله لهم          بانقلاب الأرض أو رجم السما
حملوا رأساً يصلّـون على        جـده الأكـرم طـوعــاً وأبـا

ويتناول بشكل سريع بعض المزايا الفنيّة لهذا النّصّ، مؤشراً خروج الشّريف الرضي فيه عن ما هو متعارف من شروط القافية في كتابة الشّعر، ويرى أنَّ مرثية الرضي هذه جاءت دون مستوى مراثيه الجياد في الإمام الحسين عليه السلام، التي شغلت اثنتي عشرة صفحة من ديوانه، لعدم مراعاته أُصول القافية المتعارف عليها. وهو أمر لا يُقلّل في رأي المؤلف من شاعريّة الرضي، ولا من المضمون الجيّد في هذا النّصّ.
والفصل الثّاني حمل عنوان كربلاء في الشّعر العربي الحديث افتتحه بأبيات من قصيدة له تحت عنوان ذكرى الإمام الحسين ـ فهو شاعر كما مرَّ بنا، وله عدّة مجاميع شعريّة مطبوعة ـ يقول في قصيدته:

شفق الغروب رأيت فيه دماكا             يا مَن مقامك جاوز الأفلاكا
لو أنّ قلبي كان ترساً حامياً                من طعنة بالسيف كان حماكا
لو أنّ صدري كان يصلح واقياً            من وطئة لحوافر أنجاكــا
وبمدمع أجريته في حسرتي                غسَّلتُ جرحك باسماً ضحّاكاً

ويُورد بعد ذلك للشيخ الصاوي شعلان، ومحمد زكي الحلواني، نصيّن يغلب عليهما توثيق أحداث الطفّ ومصرع الإمام، بطريقة تسجيلية، ثم ينتقل إلى المسرح الشّعري، ويذكر مسرحيتي عبد الرحمن الشرقاوي الحسين ثائراً والحسين شهيداً ويرى أنّ الكاتب صوّر فيهما الواقعة بالتفصيل الذي ورد في التاريخ، ومنح القارئ فرصة الغوص في أعماق الشخوص بطريقة فنيّة رائعة.
ثمّ ينتقل إلى شعراء العراق، ويذكر في هامش الموضوع أنّه اعتمد في ذلك على ما أرسله له الأُستاذ سليمان هادي آل طعمه من قصائد لشعراء عراقيّين، فيبدأ بقصيدة السيد مرتضى الوهاب، ومحسن أبو الحب، والشيخ محمد علي كمونه، والسيد حسين المرعشي، ومحمد مهدي الجواهري قصيدته: آمنت بالحسين، وقصيدة للشاعر محمد علي الخفاجي. وكان من الممكن الرجوع إلى دواوين هؤلاء الشّعراء، واختيار النّصوص بشكل تتضح فيه ذائقة المؤلف بشكل أفضل، مضافاً إلى ذلك أنّ هذه المراجعة للدواوين ضرورة منهجية كان يجب على الباحث اعتمادها هنا.
من النّصوص الأُخرى التي اختارها في هذا الفصل قصيدة لمحمد حسن أبو المحاسن، وأُخرى لصدر الدين الحكيم الشهرستاني، وحسين الكربلائي، وسلمان آل طعمه، وقصيدة السيّد رضا الهندي، التي يقول فيها:

صلَّت على جسم الحسين سيوفهم        فغدا لساجدة الظبى محرابا
ومضى لهيفاً لم يجد غير القنا            ظِلّا ولا غير النجيع شرابا
ظمآن ذاب فؤاده من غِلّة                  لو مسّت الصخر الأصم لذابا
لهفي لجسمك في الصَّعيد مجرّداً         عريان تكسوه الدماء ثيابا

وأمّا الفصل الثّالث فاختصّ بـكربلاء في الشّعر العربي الشعبي، وهو أمر آخر ينفرد به كتاب د. حسين المصري، فهو يتجاهل الإشكاليّات المثارة حول الشّعر الشعبي، ومدى صلاح مادّته للدراسة والبحث، متجاوزاً محدودية مساحة تلقّي هذا الشّعر التي تنحصر عادة في بيئته المحليّة؛ لاعتماده اللهجة الدَّارجة في الكتابة، فيورد نماذج من هذا الشّعر، ويحاول التعليق على بعضها، معتمداً مصدره نفسه، وأعني به ما أرسله له الأُستاذ آل طعمه من نصوص، فيورد نصوصاً لعبد الأمير الشروفي آل طعمه، والحاج عبد الأمير البناء، والسيّد عبد الحميد آل طعمه، وعبد الكريم الكربلائي، وعزيز الجلجاوي، والشيخ كاظم المنظور الكربلائي.

الباب الثّاني: كربلاء في الشِّعر الأُردي
اعتنى الباب الثّاني من الكتاب بـدراسة كربلاء في الشِّعر الأُردي[6]، وحمل الفصل الأول منه عنوان: كربلاء في الشِّعر الأُردي القديم، ويؤشّر المؤلف على هذا الشعِّر تقيَّده بأغراض خاصّة، وابتكار الشُّعراء فيه جديداً في العَروض والمجاز والصِّناعة، غير أنّه يفتقر إلى رصانة الأُسلوب ومتانة السبك وهو أمر يُفسّره الاهتمام بدِقّة اللفظ وكيفية استخدامه؛ إذ كان يُنظر إلى هذا الأمر على أنّه الغاية في البلاغة.

ومن أبرز الشّعراء الأُرديين: أنيس، الذي يختار له نصّاً يقول فيه:

جنود الحسين قضوا نحبهم      ومن كوثر يسَّروا شربهم
وآل النبيّ كابدوا كربهم          وفي الجو قد آنسوا تربهم

وهو مقطع من قصيدة طويلة يختارها المؤلف من شعر أنيس في رثاء الإمام الحسين عليه السلام وقد ترجمه شعراً على بحر المتقارب، والشاعر الآخر الذي يختاره هو دبير، وهو مشهور بكتابة الرثاء في آل البيت عليهم السلام، وكان يفوق أنيس في خياله الخصب الواسع، وميله إلى إيراد الألفاظ ذات الجرس العالي، مكرّساً معظم شعره الذي يبلغ المجلدين في نظم المراثي، ويذهب أحد النقّاد إلى أن دبير يورد القصة ليحقق تأثيراً في نفس المتلقي عبر حشد التشبيهات والاستعارات والبراعة في استعمال اللغة والخيال، ومن قصائده:

سماء وفيها اختلاج شديد              وأرض بمَن كان فيها تميد
شجاع لهم في القتال ظهر              كنورٍ وبين الغمام بهر
على نحره يده قد وضع                لأهل الضلالة صوتاً رفع
وقال اُنظروا واعلموا ما صنع        فما مثل هذا إلهي بدع

يرى د. حسين في هذين الشاعرين أنّهما متكاملان متشابهان، يصوّران الواقع بحياديّة، ويحرصان على عرض ملامح الصورة من غير أن يذكرا انطباعهما، وهو أمر غير متوقَّع من شاعرين جعلا الكتابة في كربلاء مركز اهتمامهما.
أمّا الفصل الثّاني من هذا الباب، فحمل عنوان كربلاء في الشّعر الأُردي الحديث، وعرض فيه المؤلف نصوصاً لعدة شعراء منهم؛ شمس العلماء مولانا محمد حسين آزاد الدهلوي، الذي يقول:

ومن جنة قدم الأنبياء               لفرط أساهم أطالوا البكاء
فدوى نواح ودمع جرى            وروح النبي أتت كي ترى
وزهراء كانت إلى جنبه           وتبكي وتبكي على ما به
وظـل علـيّ عـلـيـه ورف          ونور النبي كبرق خطف

ومن نصّ للشاعر محمد باقر يترجم قوله:

ألا حبّذا دوحة قد روت        دموع الحسين وقد أثمرت
وتمَّ التلازم بين النبي          وبين علي فسرٌّ خفـــــي

ثمّ يعرض نصوصاً أُخرى للشاعرين مولانا حسن رضا خان وفيضي أحمد فيضي، معلّقاً عليها وشارحاً لبعض مضامينها.

الباب الثالث: كربلاء في الشّعر الفارسي
ويتناول الباحث في الباب الثّالث موضوعة كربلاء في الشّعر الفارسي[7] عبر فصلين؛ اعتنى الفصل الأوّل بتوظيف كربلاء في الشّعر الفارسي القديم، ويُمهّد للعرض ببيان دور ملوك الدولة الصفويّة في تشجيع الشّعراء الفرس على رثاء أهل البيت ومدحهم، فقد ذكر عن الشاه طهماسب أنّه كان يعدّ الشّعر في غير مراثي أهل البيت تدنيساً للسان.
ومن أعظم الشّعراء الذين كتبوا في رثاء الحسين عليه السلام الشاعر محتشم كاشاني وكان يُعدّ شاعر بلاط الشاه طهماسب، كتب منظومة من النمط الفارسي المعروف بترجيع بند؛ وهو عبارة عن منظومة تتألّف من عدّة أقسام تُسمى خانات، وكُلّ قسم أو خانة تضمُّ أبياتاً متّفقة في الروي، يتلوها بيت مستقل يتكرر بعد كل قسم منها.

مأتم فيه بكاء للورى               أنبياء شاهدوا ما قد جرى
ثم جاء الأولياء يهرعون          لشجيج الرأس كانوا يعولون
يا لجمر من قلوب جمعوه         لأخيه المجتبى قد رفعوه

يرى المؤلف في شعر كاشاني أنّه يميل إلى تسجيل الواقع التاريخي، عبر سرد قصصي يصوّر المأساة والفجيعة، ويحرص على إشراك القارئ في هذا الجو المفعم بالأسى، وهو لا يتوقف عند هذا، وإنّما يتجاوزه إلى طلب الثأر والإقدام على القصاص من قتلة الإمام عليه السلام، وهو رأي لا يخفى وضوح البُعد السياسي فيه.
ومن الشّعر الفارسي كتاب روضة الشهداء لحسين واعظ الكاشفي الذي يُعدّ أقدم كتاب ضمّ قصائد رثاء في الإمام الحسين عليه السلام، منها:

آدم محزون في هذا البلا            فلك نوح غرقت في ابتلا
نار نمرود شهدتَ يا خليل         شعلة فاشهد بنار للغليل
كان هذا للحسين في عزاء         ثم عمَّ الغمُّ كُلَّ الأنبياء

ويُنبّه المؤلف القارئ إلى أن الشّعر المجموع في كتاب روضة الشهداء ليس من نظم حسين واعظ، فهو مما جمعه وأنشده في مجالس الوعظ والعزاء التي كان يُقيمها أواخر العصر التيّموري في مدينة هراة، ويرى بعض الباحثين والنقّاد أنّ القيمة الفنيّة العالية لهذا الكتاب دفعت الشاعر التركي فضولي البغدادي إلى ترجمته إلى اللغة التركية، مضيفاً إليه بعض النّصوص، ومعدّلاً بعض ما ورد فيها، وقد نقله بعنوان جديد هو حديقة السعداء.
ويستطرد المؤلف في التَّعريف بالشاعر التركي فضولي البغدادي، في الفصل المخصّص عن الشّعر الفارسي القديم، وكان بإمكانه إرجاء هذا التفصيل إلى الفصل الخاص بالشّعر التركي القديم، وهو خلل منهجي واضح.
 وينتقل بعد ذلك إلى الشاعر الفارسي سنائي صاحب المنظومة الشهيرة حديقة الحقيقة، التي تُعدُّ أطول منظومة فارسية، وأوّل ملحمة صوفية في الأدب الفارسي، ولسنائي شُهرة واسعة في الشّعر الصوفي، ويقال عنه: إنه مهّد بغزلياته لأشهر شعراء الفارسيّة بعده كـحافظ الشيرازي.
ومما قاله عن كربلاء في حديقة الحقيقة:

إنّه في كربلا لما نزل         كان جيش لزياد قد وصل
عنه ماء للفرات قد منع        قلبه من حسرات قد مزع

وحمل الفصل الثّاني عنوان: كربلاء في الشّعر الفارسي الحديث، وذكر المؤلف في بدايته انطلاقة الشّعراء المحدثين نحو التغيير والتطوير في أساليبهم الشّعرية من حيث المبنى والمعنى، رغبةً منهم في التجديد ومواكبة الحياة في تطوّرها، وقد شاركهم في ذلك الشّعراء التقليديون أيضاً؛ إذ حاولوا بعث روح التجديد في القوالب الشّعرية القديمة، في الكتابة عن كربلاء وشهدائها. ومن الشّعراء المحدثين الشاعر صفي على شاه، الذي كان من شعراء الصوفيّة المشهورين، ومن شعره في كربلاء:

ومن الخيمة عادت زينب         مَلِكَ الساحة كانت تطلب
يا لعطر فاح من شعراته         مثل عيسى كان في حيواته

من الشّعراء الآخرين يغمائي الذي يتميّز شعره بمتانة السبك، وابتكار الأغراض الجديدة، يقول في قصيدة له على لسان زينب عليها السلام:

ظامئ الحلق أتاني أكبري         أمطري يا عين دمعاً أمطري
ليت أُمي لم تلدْ منذ الأزل         وأراك اليوم من تحت الأسل

ويرى حسين مجيب أنّ الشاعر لم يخرج عن التشبيهات التي درج الشّعراء الأقدمون على إيرادها في أشعارهم، على الرغم من أنّ تزاحم الصور البيانية في مخيلة الشاعر جعلت أبياته متوالية من الصور الفنيّة، حيث تُولَد في كُلّ بيت صورة من صورة سابقة، والشاعر مجدّد مبتكر في ذلك على وفق آراء النقّاد، ثم ينتقل إلى الشاعر محمود خان ملك الشّعراء، والشاعر أديب الممالك والشاعر قاآني والشاعر شهريار الذي له منظومة طويلة أفردها لذكر ما جرى في كربلاء، تألّفت من ثلاثة وخمسين بيتاً منها:

يا لشهر إنه شهر الغموم               الهموم حلَّقت فوق الهموم
قف تأمّل جور ذياك الفلك             زينب ستراً لها ما قد هتك
أضرموا النيران ظلماً في الخباء      فنفرن منه هاتيك الظباء

الباب الرابع: كربلاء في الشّعر التركي
ويخصّص د. المصري الباب الرابع والأخير من الكتاب لـكربلاء في الشّعر التركي[8]، من خلال فصلين، يتناول في الفصل الأوّل: كربلاء في الشّعر التركي القديم، ويبدأ المؤلف فيه بمَن يراه أكثر الشّعراء الأتراك شُهرة، وأوفرهم نصيباً في نظم الرثاء الخاص بالحسين عليه السلام وأهل بيته، وهو الشاعر فضولي البغدادي، إلّا أنّه يعود من جديد إلى ذكر الجدال الدائر ما بين النقّاد حول نسبة الشّعر في كتاب روضة السعداء إلى فضولي، أو أنّه مجرد نقل وترجمة لما ورد من قصائد في كتاب حسين واعظ روضة الشهداء، وأنّ الشاعر تصرّف فيه ونقله بأُسلوبه وطريقته. ثم يُورِد أمثلة من هذا الشّعر:

كُلّ ما في الكون ما الله خلق      ناطقاً كان كذا من ما نطق
كُلّ عقل كُل ّنفس وفلك           من طريق أينما كان سلك
واجب حتم عليهم في دوام        في الحسين مأتم في كُلّ عام

وينتقل المؤلف بعد ذلك إلى ذكر بعض الشّعراء الذين كتبوا في كربلاء، معتمداً في ذلك على كتاب مراثي كربلاء، معتذراً عن تقديم تعريفٍ بهؤلاء الشّعراء، لعدم وجوده في الكتاب المذكور، فمؤلف هذا الكتاب لم يذكر للشاعر منهم سوى بيتين أو أربعة أبيات من الشّعر، ومنهم الشاعر التركي صافي، وفريدون، والشاعر لامعي، وللأخير شُهرة كبيرة في الشّعر التركي، تُماثل شُهرة الشاعر جامي في الأدب الفارسي القديم، وله منظومة من النمط المعروف بالتركية بالمثنوي، أي: ما يُسمّى في العربية بالمزدوج، تحمل عنوان مقتل الحسين، ويذكر د. حسين مجيب المصري أنّ لهذه المنظومة ثلاث مخطوطات بمكتبة جامعة القاهرة، لم يتسنَّ له الاطلاع عليها، فاعتمد في ترجمة بعض أبياتها على رسالة ماجستير حول الشاعر حملت عنوان لامعي شاعراً وناثراً كتبها الباحث سمير عباس وقدمها لكلية الآداب جامعة عين شمس عام 1987، وتُعدّ منظومة لامعي وثيقة تاريخيّة؛ حيث يسرد الشاعر فيها تفصيلات ما وقع على أرض كربلاء، بشكل حرص فيه على مطابقة ما ورد من روايات تاريخية في هذا الشأن، وهو يفتتح منظومته قائلاً:

هذه الأفلاك ناري تحرق            ولــــها لون الحداد الأزرق
إن للإنس وللجن بكاء                مَن بدا منهم ومَن هُمْ في خفاء
ما عسى يصنع ليث وحده           ألف خنزير أرادت صـــدّه

وجاء الفصل الثاني من الباب الرابع بعنوان: كربلاء في الشّعر التركي الحديث، عرض المؤلف فيه نموذجين من الشّعر التركي الحديث:
الأول: للشاعرة التركية عادلة سلطانة: وهي من أميرات القصر السلطاني، وبنت السلطان محمود الثاني، كتبت شعراً دينياً صوفياً، وكان ذلك انعكاساً لحياتها التي عاشتها بتوجه كبير نحو الله سبحانه وتعالى، ويستنتج المؤلف من ملامح حياتها، ومن خبر نظمها لمراثي في آل البيت عليهم السلام أنها قد كتبت شعراً في كربلاء، وفي رثاء الإمام الحسين عليه السلام، غير أنّه لا يوقفنا على هذا الشّعر؛ لعدم اطلاعه عليه. وهذا مما يُعدّ نقصاً كبيراً في التَّعريف بالشاعرة، ويجعل من ذكرها من دون شعرها في الكتاب أمراً غير ذي جدوى كبيرة للقارئ.
الثاني: هو الشاعر التركي المعاصر جاهد صدقي طارانجن: الذي له منظومة بعنوان اتجاه إلى الله منها:

كُلّ بحر ليس فيه غير ماء         في يديّ الآن مثقوب الإناء
لا يمر اليوم مراً كالنسيم           كربلاء إن ذكرنا في القديم
بدواء لست أشفى من جراح       إنّني والله مكسور الجناح

المحور الثالث: وقفة مع الكتاب
إنحاز الباحث د. حسين مجيب المصري إلى منهجه في التأليف ودراسة التراث الإسلامي، القائم على استقراء النّصوص الشّعرية، وتعريف القارئ بشعرائها، مبيناً المرجعيات التاريخية لهذه النّصوص بالتفصيل كلما اقتضت الدراسة ذلك، مؤشراً ما يعدّه كشفاً عن تيّارات روحيّة في العالم الإسلامي لم يعرفها القارئ العربي سابقاً. وهو أمر حقّقه الباحث، وكان في غاية الأهمّيّة والفائدة.
لعلّ المسألة الأكثر بروزاً التي يُثيرها منهج الكتاب هي مسألة ترجمة الشّعر ونقله من لغته الأصليّة إلى اللغة الهدف، وما يثار عادة حول هذا الأمر لا يتجاوز ذكر إشكاليات قديمة، ناقشتْها دراسات عديدة سابقة، غير أنّ ما سعت دراسات الترجمة الحديثة إلى مناقشته بشكل علمي دقيق هو دور المترجم وحدود صلاحيته في النقل، ولا شك في أن دخول الذات المترجمة للنّص يُعين المترجم على إجادة عمله، وعلى الاقتراب بشكل كبير من تجربة النّصّ وروحه، غير أنّ هذه العملية لا تسلم من خطورة التماهي الكلي مع النّصّ بشكل تنمحي المسافة فيه بين المترجم والنّصّ.
ومن هنا؛ كان دور الدراسة الترجمية هو قياس مدى حضور أنا المترجم في النّصّ وأشكال هذا الحضور وطبيعته[9].
قام د. حسين المصري بترجمة النّصوص الشّعرية إلى اللغة العربيّة وبصورة شعرية، موضحاً أنّ الشّعر يفقد روعته ورواءه إن تُرجِم نثراً، ومنح نفسه مساحة للتحرُّك والتصرّف في النّصّ المنقول، إيماناً منه بأنّ المترجِم هو مَن يقتدر على مراعاة الذوق في النّصّ الذي ينقل عنه، ولا ضير في أن يغيّر الاستعارة أو الكناية أو التشبيه في الأحاسيس وهو يترجم، وأن المترجم الحاذق هو مَن يقتدر على جعل النّقل أروع من الأصل، وأنّ يتصرّف في الترجمة تصرّفاً ضروريّاً، وإلّا لم يحقق من الترجمة ما ينبغي أن يحقق.
في ضوء ذلك قدّم د. المصري نماذج شعرية من الشّعر الأُردي والفارسي والتركي بقالب العروض العربيّة، لاجئاً إلى بحر الرَّمل حيناً وإلى المتقارب حيناً آخر.
لقد مارس المترجمون العرب الترجمة، متوسلين بالترجمة المنظومة أو الموزونة، فسعياً إلى الاستجابة إلى قالب عروضي جامد ومحدد سلفاً، نجد الترجمة المنظومة مجبرة على محاكاة القالب والخضوع لسطوته، فتعمل على إطالة القول الشّعري أو إيجازه، على حساب بُنيته الأصلية، وبما أنّ النُّظُم العروضية لمختلف اللغات هي بالأصل متمايزة، فإنّ الانتقال من أحدها إلى الآخر لا يمكن أن يتمّ دون أن يؤثر تأثيراً مباشراً في طبيعة الانفعال الشّعري وجودة المعنى اللذين تُنتجهما الترجمة[10].
وإذا ما أعدنا قراءة الترجمات التي قدمها د. حسين المصري هنا فإنّنا سنلاحظ بشكل جلي هذه الإعاقات التي ألحقتها الترجمة المنظومة بالشّعر المترجم.
ولا يُقلّل ما نقوله هنا من الجهد الكبير والجديد الذي بذله د. المصري في تأليف هذا الكتاب، ويكفيه فرادة أنّه الكتاب الأوّل في مجاله، وأنّ مؤلفه رحمه الله قد أتاح لقراء العربيّة فرصة الاطّلاع على آداب أهملتْها الدراساتُ العربية، وشحّتْ مصادرُها في مكتبتها التخصصية.
ومن جانب آخر؛ كان لهذا الكتاب رأيُه في نقل النّصوص الشّعرية من لغاتها الأصلية، وهو رأي موضع احترام وتقدير، يوافقه فيه كثير من المترجمين العرب، ولا تخلو النتيجة أيّاً كانت من جديد يجوس أرضاً جديدة.
-----------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
[1] من أمثلة هذه الدراسات الأكاديمية، على سبيل المثال لا الحصر: الإمام الحسين في الشّعر العراقي المعاصر: حاتم عبد حبوب الساعدي، أُطروحة دكتوراه، جامعة القاهرة / كلية دار العلوم، 1984.  استدعاء شخصية الحسين بن علي في الشّعر العربي الحديث: إبراهيم محمد عبد الرحمن، أُطروحة دكتوراه، جامعة القاهرة/ كلية دار العلوم، 2004م. مراثي الإمام الحسين عليه السلام في العصر الأُموي، دراسة فنية: مجبل عزيز جاسم، رسالة ماجستير، كلية الآداب ـ جامعة الكوفة، 1426ﻫ 2005 م. شعر رثاء الإمام الحسين عليه السلام في العراق ابتداءً من سنة 1100 ﻫ حتى 1350 ﻫ، دراسة فنية: خالد كاظم حميدي الحميداوي، رسالة ماجستير، كلية الآداب/ جامعة الكوفة نيسان ـ 2007م.
[2] اُنظر: المصري، د. حسين مجيب، كربلاء بين شعراء الشعوب الإسلاميّة: ص7 وما بعدها.
[3] اُنظر: المصدر السابق: ص62 وما بعدها.
[4] اُنظر: المصدر السابق: ص129 وما بعدها.
[5] الأصفهاني، أبو الفرج علي بن الحسين، مقاتل الطالبيين: ص81.
[6] اُنظر: المصدر السابق: ص284 وما بعدها.
[7] اُنظر: المصدر السابق: ص313 وما بعدها.
[8] اُنظر: المصدر السابق: ص380 وما بعدها.
[9] اُنظر: كاظم جهاد، حصة الغريب، شعرية الترجمة وترجمة الشعر عند العرب: ص100ـ 104.
[10] المصدر السابق. واُنظر كذلك: إشكالية الترجمة في الأدب المقارن: د. ياسمين فيدوح، دار صفحات للدراسات والنشر: ص45.

{د. علي مجيد البديري}
المصدر : مؤسسة وارث الأنبياء


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
اللطميات
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page