• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

مقتل الحسين (عليه السلام) برواية الفضيل بن الزبير الأسدي الكوفي (ت بين 122ـ 148هـ)

تقديم
كان الفضيل بن الزبير على صلة وثيقة بزيد الشهيد رحمه الله ، وقد حاول أن يتعرّف من خلاله على (تسمية مَن قُتل مع الحسين بن عليّ عليهما السلام  من وُلْده وإخوته وأهله وشيعته)، ثمَّ أضاف إلى ذلك ما توصّل إليه من مصادر أُخرى أهمّها:
1ـ يحيى بن أُمّ طويل، أخو الإمام زين العابدين عليه السلام  من الرضاعة.
2ـ عبد الله بن شريك العامري، من حواريي الإمامين السجاد والباقر عليهما السلام .
ثمَّ ألّف من كلّ ذلك نصّاً يُعدّ من أهمّ النصوص التاريخيّة وأقدمها التي ذكرت أسماء مَن قُتل مع الحسين عليه السلام  من الهاشميين وغيرهم.
وقد كان هذا النصّ ولقرون متطاولة غائباً عن أوساطنا العلميّة، إلى أن وفّق الله سبحانه وتعالى العلّامة والمحقق الكبير السيد محمد رضا الحسيني الجلالي لاستخراج هذا النصّ من بعض مصادر التراث الزيديّ، وتحقيقه ونشره ووضعه بين يدي الباحثين والمؤرِّخين.
وقد وضعتُ في هذه السطور غاية ما توصّلت إليه من بحث وتنقيب وتحقيق حول شخصية الفضيل وكتابه في المقتل، وما توفيقي إلّا باللّه عليه توكلتُ وإليه أُنيب.
المبحث الأوّل: ترجمة الفضيل بن الزبير
1ـ اسمه ونسبه وأُسرته
هو الفضيل[1] ـ بالألف واللام. أو فضيل[2]، بدونهما ـ بن الزبير، بضمّ الزاي وفتح الباء على زنة (رُجَيل) مصغراً على ما هو المألوف والظاهر من علماء الأنساب[3]، بن عمر بن درهم[4] الأسدي الرسّان.
والأَسَدي ـ بفتح الألف والسين ـ نسبة إلى أسد، وهو اسم عدّة من القبائل العربيّة، منهم:
1ـ أسد بن عبد العزّى من قبائل قريش.
2ـ أسد بن خزيمة.
3ـ أسد بن ربيعة بن نزار.
4ـ أسد بن دودان.
5ـ أسد بن شريك، بطن من الأزد[5].

ويظهر من بعض النسّابين أنّ الفضيل بن الزبير ينتسب إلى أسد بن خزيمة[6]، وهي قبيلة عظيمة من العدنانيّة، تنتسب إلى أسد بن خزيمة بن مدركة بن الياس بن مضر بن نزار. وهي ذات بطون كثيرة يطول ذكرها.
كانت بلادهم فيما يلي الكرخ من أرض نجد، وفي مجاورة طيء، ويُقال: إنّ بلاد طيء كانت لبني أسد، فلمّا خرجوا من اليمن غلبوهم على أجأ وسلمى، وجاءوا واصطلحوا، وتجاوروا لبني أسد، ثمّ تفرّقوا من بلاد الحجاز على الأقطار وذلك بعد الإسلام، فنزلوا العراق، وسكنوا الكوفة منذ سنة 19هـ وملكوا الحلّة وجهاتها حتى سنة 588هـ[7].
وعلى أيّة حال، فإنّ الفضيل بن الزبيرـ على ما يبدوـ لم يكن من صميم بني أسد، بل كان ينتسب إليهم بالولاء، كما صرّح بذلك الشيخ الطوسي، قائلاً: «الفضيل بن الزبير الأسدي مولاهم»[8].
والرَّسّان: بفتح الراء وتشديد السين هو صانع الرسن أو بائعه، والرسن: هو زمام البعير ونحوه[9].
ويبدو لي أنّ هذا الوصف كان في الأصل للزبير، والد الفضيل، فهو صاحب هذه المهنة على ما يبدو، ثمّ عُمِّم الوصف على أفراد أُسرته، والدليل على ذلك: أنّ هذا الوصف لم يكن خاصّاً بالفضيل، بل يُطلق على أخيه عبد الله أيضاً[10].
من أعلام أُسرة آل الزبير
تعدّ أُسرة آل الزبير من الأُسَر الشيعيّة الكوفيّة التي أنجبت عدّة من الأعلام، منهم الفضيل بن الزبير صاحب الترجمة، ومنهم:
أ ـ عبد الله بن الزبير الأسدي الرَّسّان
ذكره الشيخ الطوسي في أصحاب الإمام الصادق عليه السلام ، قائلاً: «عبد الله بن الزبير والد أبي أحمد الزبيري»[11].
أقول: أبو أحمد الزبيري هو محمّد بن عبد الله بن الزبير الآتي، وكلام الشيخ يدلّ بظاهره على كونه أشهر من والده.
روى الكشي ـ كما مرّ ـ عن عبد الرحمن بن سيابة، قال: «دفع إليّ أبو عبد الله عليه السلام  دنانير، وأمرني أن أُقسمها في عيالات مَن أُصيب مع عمّه زيد، فقسمتها، قال: فأصاب عيال عبد الله بن الزبير الرسّان أربعة دنانير»[12]. وقد علّق العلّامة الحلّي على هذه الرواية بقوله: «وهذه الرواية تُعطي أنّه كان زيديّاً»[13].
أقول: الدليل أعمّ من المدّعى، فليس كلّ مَن خرج مع زيد رحمه الله  كان ـ بالضرورة ـ زيديّاً، نعم، لا شكّ في أنّ الخروج يعدّ قرينة مهمّة على ذلك، وعلينا أن نبحث عن قرائن أُخرى نضمّها إليها.
وعلى أيّة حال، فظاهر رواية الكشي أنّ عبد الله من المُستَشهدِين مع زيد عليه السلام  سنة 122هـ، ولكن بعض النقولات قد دلّت على بقائه حيّاً إلى أيام محمّد بن عبد الله ذي النفس الزكيّة المُستشهَد سنة 145هـ، فقد قال أبو الفرج الأصفهاني: حدَّثنا عليّ بن العباس، قال: حدَّثنا بكار بن أحمد، قال: حدَّثنا الحسن بن الحسين، قال: حدَّثنا عبد الله بن الزبير الأسدي، وكان في صحابة محمّد بن عبد الله، قال: «رأيت محمّد بن عبد الله عليه سيف محلّى يوم خرج، فقلت له: أتلبس سيفاً محلّى؟! فقال: أيّ بأس بذلك؟! قد كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله  يلبسون السيوف المحلّاة»[14].
ورواية المقاتل صريحة الدلالة على بقائه حيّاً إلى أيام محمّد بن عبد الله، فلابدّ من حَمْل رواية الكشي على الجرح دون القتل، وهذا ما تحتمله رواية الكشي من غير تكلّف، حيث قالت: «من أُصيب مع عمّه زيد». ومن المعلوم أنّ الإصابة أعمّ مفهوماً من القتل.
هذا من جهة، ومن جهة أُخرى ربما تصلح هذه الرواية قرينة أُخرى على زيديّة عبد الله بن الزبير، أو على ابتعاده عن خطِّ الاثني عشريّة على الأقل.
وقد كان عبد الله بن الزبير شاعراً، وله في رثاء مسلم وهانئ قصيدة مشهورة بين خطباء المنبر الحسينيّ، يقول في مطلعها[15]:

إلى هانئ في السوق وابن عقيل         إذا كنتِ لا تدرين ما الموت فاُنظري

ب ـ محمد بن عبد الله بن الزبير (أبو أحمد الزبيري)
وهو أبو أحمد، محمّد بن عبد الله بن الزبير بن عمر بن درهم الأسدي الزبيري، من أهل الكوفة، محدِّث كبير مكثر، كان يبيع القت بزبالة[16].
قال عنه الذهبي: «الحافظ الكبير، المجود، أبو أحمد الزبيري، الكوفي، مولى بني أسد، حدَّث عن مالك بن مغول، وفطر بن خليفة، وعيسى بن طهمان ـ صاحب أنس ـ وعمر بن سعيد بن أبي حسين، ومسعر، وسعد بن أوس العبسي، وأيمن بن نابل، ورباح بن أبي معروف، وحمزة بن حبيب، والوليد بن عبد الله بن جميع، وسفيان، وشيبان النحوي، وسعيد بن حسان المخزومي، ويونس بن أبي إسحاق، وخلق كثير. حدّث عنه ابنه طاهر، وأحمد، والقواريري، وأبو بكر بن أبي شيبة، وعمرو الناقد، وابن نمير، وابن مثنى، ومحمود بن غيلان، ونصر بن عليّ، وأحمد بن سنان القطان، وبندار، ومحمّد بن رافع، ويحيى بن أبي طالب، والكديمي، وخلق سواهم»[17].
وذكره العجلي في تاريخ الثقات بقوله: «محمّد بن عبد الله بن الزبير الأسدي، يكنّى أبا أحمد، كوفي، ثقة، يتشيَّع»[18].
وعدّه ابن حبّان في كتاب الثقات قائلاً: «أبو أحمد الزبيري اسمه محمّد بن عبد الله بن الزبير الأسدي، من أهل الكوفة، يروى عن الثوري وإسرائيل، روى عنه أحمد بن حنبل وأهل العراق، مات سنة ثلاث ومائتين بالأهواز»[19].

2ـ ولادته ونشأته
لم نقف على ما يحدِّد لنا مولد الفضيل تحديداً دقيقاً، إلّا كونه من دعاة زيد (ت سنة 122هـ) كما سنشير، وكونه ـ كما سيأتي أيضاً ـ ممَّن روى عن الإمام الباقر (عليه السلام)
 (ت سنة 114هـ)، وعدم روايته عن الإمام السجاد عليه السلام  (ت سنة 95هـ)، كلّها مؤشرات على ولادته قبل مطلع القرن الثاني الهجري.
ونحن لا نمتلك ما يساعدنا على معرفة نشأة الفضيل ومسيرة حياته بشكل دقيق ومفصّل؛ فالنصوص في هذا المجال شحيحة، بل تكاد أن تكون منعدمة.
وغاية ما نستطيع استشفافه من النصوص، هو أنّه قد نشأ وترعرع في الكوفة، وقد نُسب إليها في بعض المصادر[20]، وأخذ العلم عن أهلها، وأخذه عنه أهلها، كما يستفاد هذا الأمر من خلال النظر في تراجم شيوخه وتلامذته والراوين عنه.
وحينما نزل زيد رحمه الله  في الكوفة سنة 121هـ، وقام بنشر دعوته بين أهلها، كان الفضيل بن الزبير من أوائل المبادرين إلى نصرته، بل كان من قياديي هذه الدعوة، كما يستفاد من بعض الروايات التي سنشير إليها لاحقاً.
كما يُستشفّ من خلال مرويات الفضيل أنّه قد سافر إلى المدينة المنوّرة، في حياة الإمام الباقر عليه السلام ، فكان يلتقي به، وقد روى عنه معجزة لأمير المؤمنين عليه السلام [21]، وروى عنه حديث: «يا فضيل، أما علمت أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله  قال: إنّا أهل بيت...»[22]، وسيأتي ما يشير إلى سفره بعد مقتل زيد رحمه الله  إلى المدينة للقاء الإمام الصادق عليه السلام .

3ـ مكانته العلمية وطبقته¡ من مصنفاته
قال ابن النديم: «ومَن متكلميّ الزيديّة: فضيل الرساف، وهو ابن الزبير»[23].
أقول: (الرساف) تصحيف (الرسّان)، كما هو واضح.
وقد اعتبره سعد بن عبد الله الأشعري أحد رؤساء فرق الزيديّة القويّة، إذ قال: «وأمّا الأقوياء منهم، فهم: أصحاب أبي الجارود، وأصحاب أبي خالد الواسطي، وأصحاب فضيل الرسان»[24].
ويمكن أن نتلمّس المكانة العلميّة التي كان يتمتّع بها الفضيل بن الزبير، من خلال التأمّل برواياته المنقولة في أبواب: التفسير والعقيدة والأخلاق والعرفان والتاريخ، وغيرها.
وقد لاحظنا: أنّ أكثر رواياته ترتبط بأحقيّة أهل البيت عليهم السلام  في الخلافة، وتفضيلهم على غيرهم، وهو ما يؤكِّد كون الرجل من المهتمّين بالجانب الكلامي والعقائدي، كما دلّ على ذلك كلام ابن النديم والأشعري، ولم أجده يتعرّض إلى نقل الروايات الفقهيّة إلّا نادراً.
أمّا طبقته: فقد عدّه الشيخ الطوسي من أصحاب الإمام الباقر عليه السلام ، قائلاً: «فضيل بن الزبير الرسّان»[25]، ثمَّ عدّه في أصحاب الإمام الصادق عليه السلام ، قائلاً: «الفضيل بن الزبير الأسدي، مولاهم، كوفي، الرسّان»[26].
وقد روى أيضاً ـ كما يأتي في سند مقتله ـ عن زيد الشهيد رحمه الله ، ويحيى بن أُمّ طويل، وعبد الله بن شريك العامري، وروى أيضاً عن أبي سعيد عقيصا[27]، وأبي عبد الله مولى بني هاشم[28]، وأبي داود السبيعي[29]، وأبي عمر مولى ابن الحنفية[30]، وفروة بن مجاشع[31]، ويحيى بن عقيل[32]، وغيرهم.
وروى عنه أبو حفص الأعشى الكاهلي[33]، وإسماعيل بن أبان[34]، ومخول بن إبراهيم[35]، وعاصم بن حميد الحناط[36]، وغيرهم.
وهو عادة ما يقع في نصوص كتب الحديث والتاريخ بعنوان: (الفضيل بن الزبير) أو (فضيل بن الزبير) أو (فضيل الرسّان)، وقد يقع في بعض النصوص بعنوان: (الفضل بن الزبير) وهو تصحيف.
ولم أجد من ذكر الفضيل بن الزبير في عداد المصنِّفين، ولم يُنسب إليه أيُّ كتاب في أيِّ علم من العلوم أو فنٍّ من الفنون، وأمّا كتابه في المقتل فهو في ظاهره ليس كتاباً مدوّناً في قرطاس، ولم تذكره كتب الفهارس، وإن كنت أرى أنّ عمله في هذا المقتل ـ في واقعه ـ لا يختلف عن عمل المؤلّفين، بل إنّ انطباق مفهوم التأليف عليه أشدّ بكثير من انطباقه على العديد من الآثار المنقولة عن تلك الفترة الزمنيّة، فمن سمات التأليف فيه:
1ـ ذكره في البدء لمصادره ومنابعه الأساسية التي استقى منها مادّة هذا المقتل.
2ـ تبوبيه للمادّة، حيث قسّم الشهداء على قسمين: شهداء أهل البيت عليهم السلام ، وشهداء الأصحاب، وقدّم شهداء أهل البيت عليهم السلام  على غيرهم، وقسّم شهداء الأصحاب بحسب القبائل التي ينتمون إليها، وهو المنهج الذي سار عليه جلُّ مَن كتب في هذا الموضوع، كعبد المجيد الحسيني الحائري في ذخيرة الدارين، والسماوي في إبصار العين، وشمس الدين في أنصار الحسين عليه السلام ، وغيرهم.
والخلاصة: إنّني أظنّ: أنّ هذا العمل كان في واقعه كتاباً من حيث المحتوى والمضمون، وإن لم ينتشر بين الناس بهذه الصفة إلّا في وقتنا الحاضر على يد السيِّد الجلالي.

4ـ مذهبه ومعتقده
نقلنا ـ فيما مرّ ـ أنّ ابن النديم عدّ الفضيل بن الزبير من متكلمي الزيديّة، بل عدّه عبد الله بن سعد الأشعري ـ كما مرّ أيضاً ـ من رؤساء الفرق القويّة المنبثقة عن المذهب الزيديّ، ويمكن أن نضيف إلى ذلك قرينتين تؤكِّدان هذا المعنى:
1ـ كونه من دعاة زيد وكبار مساعديه في ثورته، كما يدلّ على ذلك ما رواه أبو الفرج الأصفهاني، عن الفضيل بن الزبير، قال: قال أبو حنيفة: «مَن يأتي زيداً في هذا الشأن من فقهاء الناس؟ قال: قلت سليمة بن كهيل، ويزيد بن أبي زياد، وهارون بن سعد، وهاشم بن البريد، وأبو هاشم الرماني، والحجاج بن دينار، وغيرهم. فقال لي: قل لزيدٍ: لك عندي معونة وقوّة على جهاد عدوك، فاستعن بها أنت وأصحابك في الكراع والسلاح. ثمَّ بعث ذلك معي إلى زيد، فأخذه زيد»[37].
ويمكن أن يستدلّ على ارتباطه بزيد عليه السلام  وثورته أيضاً ما رواه الكشي عن فضيل الرسّان، قال: «دخلت على أبي عبد الله عليه السلام  بعد ما قُتل زيد بن عليّ رحمه الله ، فأُدخلت بيتاً جوف بيت، فقال لي: يا فضيل، قُتل عمّي زيد؟ قلت: نعم جُعلت فداك. قال: رحمه الله إنّه كان مؤمناً وكان عارفاً وكان عالماً وكان صادقاً، أما إنّه لو ظفر لوفى، أما إنّه لو ملك لعرف كيف يضعها...»[38].
2ـ اختصاصه بزيد رحمه الله  وأخذه عنه، وهذا ما يمكن الاستدلال عليه بعدّة أُمور:
منها: كونه أحد المصادر الأساسية التي اغترف منها الفضيل في هذا المقتل، كما سيأتي.
ومنها: ما روي عن الفضيل بن الزبير، قال: قلت لزيد بن علي رحمه الله : «ما تقول في أبي بكر وعمر؟ قال: قل فيهما ما قال عليّ: كفّ كما كفّ لا تجاوز قوله. قلت: أخبرني عن قلبي أنا خلقته؟ قال: لا. قلت: فإنّي أشهد على الذي خلقه أنّه وضع في قلبي بغضهما، فكيف لي بإخراج ذلك من قلبي؟ فجلس جالساً، وقال: أنا والله الذي لا إله إلّا هو، إنّي لأبغض بنيهما من بغضهما؛ وذلك لأنهم إذا سمعوا سبَّ عليٍّ عليه السلام  فرحوا»[39]، وما روي عنه أيضاً أنّه قال: «سمعت زيد بن عليّ رحمه الله  يقول: المنتظَر من وُلد الحسين بن عليّ، في ذرّية الحسين وفي عقب الحسين عليه السلام ...»[40]، فإنّ هاتين الروايتين تكشفان عن مدى اختصاصه بزيد رحمه الله ، وكونه المرجعيّة التي كان يرجع إليها في مسائله الفكريّة والعقديّة.

5ـ وثاقته وعدالته
يمكننا أن نحاول إثبات اعتبار الفضيل بن الزبير بأكثر من أُسلوب:
الأُسلوب الأوّل: أن نستدلّ على وثاقته أو مدحه على أقل تقدير من خلال نصِّ المعصوم عليه السلام ، كالرواية التي نقلناها سابقاً عن الكشي، عن الفضيل بن الزبير، قال: «دخلتُ على أبي عبد الله عليه السلام  بعد ما قُتل زيد بن عليّ رحمه الله ، فأُدخلت بيتاً جوف بيت...»، فإنّ هذه الرواية تكشف عن وجود نوع من أنواع العلاقة الخاصّة بين الإمام عليه السلام  والفضيل، وأقلّ ما يستفاد من جوّ هذه الرواية: هو أنّ الرجل من الممدوحين، ولعلّ هذه الرواية هي التي دعت ابن داود إلى ذكره في القسم المخصص للرواة الممدوحين، وهي التي دعته إلى نسبة مدحه إلى الكشي[41].
ولكن أقلّ ما يُعترض به على هذه الرواية: هو أنّ الراوي لهذه الرواية هو الفضيل نفسه، فيكون الاستدلال بها ـ حينئذٍ ـ على مدح الفضيل أشبه بالدور.

الأُسلوب الثاني: أن نستدلّ على وثاقته من خلال التوثيقات العامّة، فقد وقع اسمه في بعض أسانيد كتاب كامل الزيارات[42]، وكتاب تفسير القمّي[43]، فيكون بذلك موثقاً على المبنى القائل بوثاقة جميع مَن ورد اسمه في أسانيد هذين الكتابين.
نعم، بناءً على القول بانحصار التوثيق بشيوخ ابن قولويه والقمّي المباشرين، لا يكون الفضيل مشمولاً بهذين التوثيقين.

الأُسلوب الثالث: أن نستدلّ على وثاقته بعدم ورود ما يقدح به.
وتوضيح ذلك: أنّ الفضيل قد عنونه الرجاليون ولم يضعفوه، وهذا ما يجعله في عداد المهملين، والمهمل ـ عند القدماء ـ يختلف عن المجهول الذي صرَّح علماء الرجال بضعفه، فالأخير تُردّ روايته دون الأوّل، وقد كان ابن داود يعمل بخبر المهمل كما يعمل بخبر الممدوح؛ ولذا خصّص الجزء الأوّل من كتابه للممدوحين ومَن لم يضعفهم الأصحاب، وبهذا يكون الفضيل معتبر الرواية عند أصحاب هذا المبنى.

الأُسلوب الرابع: أُسلوب جمع القرائن والشواهد المفيدة للاطمئنان، وهو ما سلكه السيِّد محمّد رضا الجلالي لتوثيق الفضيل، قال: «والذي أراه أنّ الرجل معتبر الحديث، لما يبدو من مجموع أخباره وأحواله من انقطاعه إلى أهل البيت عليهم السلام ، واختصاصه بهم ونصرته لهم وتعاطفه معهم، وكونه مأموناً على أسرارهم، وكذلك وقوعه في طريق كثير من الروايات ـ وكلّها خالية ممّا يوجب القدح فيه ـ فهذا كلّه مدعاة إلى الاطمئنان به...»[44].

6ـ وفاته
من المؤكَّد أنّ الفضيل قد كان حيّاً بعد عام 122هـ، وهو العام الذي استُشهد فيه زيد عليه السلام ، حيث أشرنا إلى لقائه بالإمام الصادق عليه السلام  بعد هذا التاريخ، كما أنّ عدم روايته عن الإمام الكاظم عليه السلام  قد تدلّ على وفاته في أيام الإمام الصادق عليه السلام  المتوفّى عام 148هـ، وبالتالي نستطيع أن نحصر وفاته بين عامي (122ـ 148هـ).

المبحث الثاني: مقتل الحسين عليه السلام  لفضيل بن الزبير الأسدي
قبل أن نقوم بنقل النصّ الكامل لهذا المقتل من كتاب الأمالي الخميسيّة، توجد عدّة نقاط ينبغي الوقوف عندها:
1ـ أقدم نصّ مكتوب من هذا المقتل
إنّ أقدم نصّ احتوى على هذا المقتل هو كتاب الأمالي الخميسيّة ليحيى بن الحسين الشجري (ت479هـ) المشهور بـ (المرشد بالله) أحد أئمّة الزيديّة؛ من هنا كان لا  بدّ لنا من وقفة قصيرة للتعريف بالكاتب والكتاب.
أمّا الكاتب، فهو أبو الحسين يحيى بن الحسين (الموفق بالله) صاحب كتاب (الاعتبار وسلوة العارفين) ـ بن إسماعيل بن زيد الحسني الرازي، عرف يحيى بـ (المرشد بالله) و(الشجري) و(إِلْكيَا)[45]، وكان مفتي الزيديّة ومرجعهم، وكانت دعوته في بلاد الجبل والديلم والرّي وجرجان في القرن الخامس الهجري.
قال ابن الجوزي: «يحيى بن الحسين بن إسماعيل بن زيد، أبو الحسين الحسني وكان مفتي طائفته على مذهب زيد بن عليّ رحمه الله ، وكان له معرفة بالأُصول والحديث»[46].
وقال ابن حجر ـ بعد ما أشار إلى نسبه ومذهبه وسكناه ـ: «سمع الصوري والعتيقي وابن غيلان وابن زيده بأصبهان وغيرهم، روى عنه محمّد بن عبد الواحد الدقاق ونصر بن مهدي وأبو سعد يحيى بن طاهر السمان، وكان ممّن عُني بالحديث، إلّا أنّه مبتدع، كان مفتي الزيديّة ومقدّمهم وعالمهم، توفِّي بالرّي سنة تسع وسبعين وأربع مائة»[47].
أمّا الكتاب، فيعرف بـ(الأمالي الخميسيّة)، والأمالي: هو «عنوان لبعض كتب الحديث غالباً، وهو الكتاب الذي أُدرج فيه الأحاديث المسموعة من إملاء الشيخ عن ظهر قلبه وعن كتابه، والغالب عليها ترتيبه على مجالس السماع، ولذا يطلق عليه المجالس أو عرض المجالس أيضاً، وهو نظير الأصل في قوّة الاعتبار وقلّة تطرّق احتمال السهو والغلط والنسيان، ولا سيما إذا كان إملاء الشيخ عن كتابه المصحّح، أو عن ظهر القلب مع الوثوق والاطمئنان بكونه حافظاً ضابطاً متقناً»[48].
وسُميت (الأمالي الخميسيّة) بهذا الاسم، لأنّ الشجري كان يمليها على طلابه كلّ يوم خميس، وللمصنِّف كتاب آخر اسمه كتاب (الأنوار) يعرف بـ(الأمالي الإثنينيّة) أملاه يوم الإثنين.
ويُعرف هذا الكتاب أيضاً باسم (ترتيب الأمالي الخميسيّة)، بعدما رتّبه العلّامة محيي الدين محمّد بن أحمد بن عليّ بن الوليد القرشي العبشمي، وهو الآن على ترتيبه، وكان قبل ذلك رتّبه القاضي العلّامة شمس الدين جعفر بن أحمد بن أبي يحيى في سبعة وعشرين باباً.

2ـ سند الكتاب واسمه
قال الشجري: «أخبرنا الشريف أبو عبد الله محمّد بن عليّ[49] بن الحسن البطحاني، بقراءتي عليه بالكوفة، قال: أخبرنا محمّد بن جعفر التميمي ـ قراءةً ـ قال: أخبرنا أحمد بن محمّد بن سعيد، قال: أخبرني الحسن بن جعفر التميمي ـ قراءةً ـ قال: حدّثني عمّي طاهر بن مدرار، قال: حدَّثني فضيل بن الزبير، قال: سمعت الإمام أبا الحسين زيد بن عليّ رحمه الله ، ويحيى بن أُمّ طويل، وعبد الله بن شريك العامري يذكرون تسمية مَن قُتل مع الحسين بن عليّ عليه السلام من وُلْده وإخوته وأهله وشيعته، وسمعته أيضاً من آخرين سواهم»[50].

وقد اشتمل هذا النصّ على أمرين أساسيين:
أولاً: طريق صاحب الأمالي إلى الفضيل بن الزبير.
ثانياً: مصادر الفضيل بن الزبير في هذا الكتاب.

وهذا ما سنبحثه فيما يلي:
أولاً: طريق صاحب الأمالي إلى الفضيل بن الزبير
روى صاحب الأمالي هذا الكتاب عن الفضيل بن الزبير بوسائط خمس:
1 ـ الشريف أبو عبد الله محمّد بن عليّ بن الحسن البطحاني (ت445هـ): قال عنه الذهبي: «الإمام، المحدِّث، الثقة، العالم، الفقيه، مسند الكوفة، أبو عبد الله محمّد بن عليّ بن الحسن بن عبد الرحمن العلوي الكوفي. انتقى عليه الحافظ أبو عبد الله الصوري، وغيره»[51].
وذكره ابن الجوزي في ترجمة (أبو الغنائم النرسي)، حيث قال: «ولقي [يعني النرسي] أبا عبد الله العلوي العلّامة، وهو محمّد بن عليّ بن الحسن بن عبد الرحمن العلوي، وكان هذا العلوي يعرف الحديث...»[52].
2ـ محمّد بن جعفر التميمي: وهو أبو الحسن محمّد بن جعفر بن محمّد بن هارون بن فروة التميمي، النحوي، الكوفي، المعروف بـ (ابن النجار)، كان مولده عام 303هـ، ووفاته عام 402هـ[53].
قال الزركلي: «محمّد بن جعفر بن محمّد بن هارون التميمي، أبو الحسن، المعروف بابن النجّار: عالم بالعربية، له اشتغال بالتأريخ، معمِّر، من أهل الكوفة، مولده ووفاته فيها، من كتبه (تاريخ الكوفة) رآه ياقوت، و(التحف والطرف) و(روضة الأخبار) و(القراءات)»[54].
3ـ أحمد بن محمّد بن سعيد: وهو الحافظ المعروف بـ (ابن عقدة)
(249هـ  ـ 333هـ) والموثّق عند الإماميّة والزيديّة والعامّة.
4ـ الحسن بن جعفر التميمي: من شيوخ ابن عقدة، ومن تلامذة عمّه طاهر بن مدرار الآتي، وأكثر رواياته عنه، ولم ترد له ترجمة خاصّة في رجالنا، ذكره الخطيب البغدادي في كتاب غنية الملتمس إيضاح الملتبس، قائلاً: «الحسن بن جعفر بن مدرار الكوفي، حدَّث عن عمّه طاهر بن مدرار، روى عنه أبو العباس بن عقدة الحافظ»[55].
5ـ طاهر بن مدرار: وهو طاهر بن مدرار التميمي الطنافسي الكوفي، عمّ الحسن بن جعفر وشيخه، ومن تلامذة الفضيل بن الزبير، وراوي كتابه في المقتل.
قال الجلالي فيه وفي ابن أخيه: «...ويظهر حُسْن حالهما عند الدارقطني؛ حيث لم يتعرّض لهما بشيء في الروايات التي وقعا في طُرُقِها مع أنّه تعرّض للحسن بن عمارة مكرراً، وقال: إنّه متروك. أو إذا لاحظنا ما ذكره الذهبي في حقّ الدارقطني من أنّه: حافظ العصر الذي لم يأتِ بعد النسائي مثله، ولاحظنا أنّ كتابه (السنن) من مظانّ الحديث الحسن، كما قال السيوطي، بل من مظانّ الحديث الصحيح، كما قال ابن حجر، اتّضح عدم مجهوليّة الرجلين، بل حُسْن حالهما والاعتماد عليهما»[56].

ثانياً: مصادر الفضيل بن الزبير في هذا الكتاب
لقد اعتمد الفضيل بن الزبير في هذا الكتاب ـ كما صرّح في النصِّ أعلاه ـ على ثلاثة مصادر أساسية: (أبو الحسين زيد بن عليّ رحمه الله ، ويحيى بن أُمّ طويل، وعبد الله بن شريك العامري)، فهؤلاء يمثّلون المآخذ الأساسية والمنابع الرئيسيّة التي استقى منها الفضيل مادّة كتابه، وفيما يلي تعريف مقتضب لكلّ واحد منهم:
1ـ أبو الحسين زيد بن عليّ رحمه الله : هذا هو زيد الشهيد، الذي يُنسب إليه المذهب الزيديّ، وهو أشهر من نار على علم.
قال الشيخ المفيد: «كان زيد بن عليّ بن الحسين رحمه الله  عين إخوته بعد أبي جعفر عليه السلام  وأفضلهم، وكان عابداً ورعاً فقيهاً سخيّاً شجاعاً، وظهر بالسيف يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ويطلب بثارات الحسين عليه السلام .
أخبرني الشريف أبو محمّد الحسن بن محمّد، عن جدِّه عن الحسن بن يحيى، قال: حدَّثنا الحسن بن الحسين، عن يحيى بن مساور عن أبى الجارود زياد بن المنذر، قال: قدمت المدينة فجعلت كلّما سألت عن زيد بن عليّ رحمه الله ، قيل لي: ذاك حليف القرآن! وروى هشام بن هشام، قال: سألت خالد بن صفوان، عن زيد بن عليّ رحمه الله ، وكان يحدِّثنا عنه، فقلت: أين لقيته؟ قال: بالرصافة. فقلت: أيّ رجل كان؟ فقال: كان كما علمت يبكى من خشية الله حتى يختلط دموعه بمخاطه. واعتقد كثير من الشيعة فيه الإمامة، وكان سبب اعتقادهم ذلك فيه خروجه بالسيف، يدعو إلى الرضا من آل محمد صلى الله عليه وآله ، فظنّوه يريد بذلك نفسه، ولم يكن يريدها به لمعرفته باستحقاق أخيه عليه السلام  للإمامة من قبله، ووصيته عند وفاته إلى أبي عبد الله عليه السلام »[57].
وعدّه الشيخ الطوسي في أصحاب الإمام زين العابدين عليه السلام ، قائلاً: «زيد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبى طالب عليهم السلام »[58]، ثمّ عدّه في أصحاب الإمام الباقر عليه السلام  قائلاً بعد أن عنونه: «أبو الحسين أخوه عليه السلام »[59]، ثمّ عنونه في أصحاب الإمام الصادق عليه السلام ، وقال: «أبو الحسين مدني تابعي، قُتل سنة إحدى وعشرين ومائة وله اثنتان وأربعون سنة»[60].
2ـ يحيى بن أُمّ طويل: هذا هو يحيى بن أُمّ الطويل أخو الإمام زين العابدين عليه السلام  من الرضاعة وبابه وخاصّته وبطانته، عدّه الشيخ الطوسي في أصحاب الإمام زين العابدين عليه السلام  مع توصيفه بـ (المطعمي)[61].
وروى الكشي بسنده عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال: «ارتدّ الناس بعد قتل الحسين عليه السلام  إلّا ثلاثة أبو خالد الكابلي، ويحيى بن أُمّ الطويل، وجبير بن مطعم، ثمّ إنّ الناس لحقوا وكثروا»[62].
3ـ عبد الله بن شريك العامري: هذا هو أبو المحجل عبد الله بن شريك بن عدي العامري الكلابي الوحيدي، الكوفي، من وجوه الشيعة، ومن حواريي الإمامين السجّاد والباقر عليهما السلام . ذكره النجاشي في ترجمة حفيد حفيده: (عبيد بن كثير بن محمد)، فقال: «روى عن عليّ بن الحسين وأبي جعفر عليه السلام، وكان يُكنّى أبا المحجل، وكان عندهما وجيهاً مقدّماً»[63].

3- الجلالي أوّل مَن أحيى هذا المقتل
ممّا ينبغي أن يُشار إليه هو أنّ أوّل مَن أحيى هذا الأثر، ونشره في حواضرنا العلميّة، هو العلّامة والمحقق الكبير المعاصر السيّد محمّد رضا الحسيني الجلالي، حيث قام باستخراج متنه من كتاب الأمالي الخميسيّة، وقام بتحقيق النصّ وتقويمه، وقدّم له بمقدّمة إضافية اشتملت على: (التعريف بالكتاب، ترجمة الفضيل بن الزبير، سند الكتاب) وقد نُشر ـ لأوّل مرّة ـ بعنوان (تسمية مَن قُتل مع الحسين عليه السلام  من وُلْده وإخوته وأهل بيته وشيعته) في العدد الثاني من فصليّة تراثنا (1406هـ) التي تصدر في قم عن مؤسسة آل البيت عليهم السلام  لأحياء التراث.
وقد تعرّض السيِّد الجلالي ـ في مستهلّ مقدّمة التحقيق ـ إلى نقاط القوّة التي اشتمل عليها هذا النصّ، والتي حفّزته على تحقيقه ونشره، وهي كما يلي:
1ـ إنّ روايته مسندة عن رجال معروفين، يتمتّعون بمكانة عند المحدّثين والعلماء، وهذا ما لم تحضَ به أكثر الروايات التي يتداولها المؤرِّخون وأرباب المقاتل وغيرهم من المؤلّفين بهذا الصدد.
2 ـ إن جامعه (فضيل بن الزبير) قصد إلى استيعاب ما توفّر له من النقول في هذا المجال، فلقي أكثر من شخص، وجمع ما ذكروه في هذه الرواية؛ ممّا يدلّ على عنايته الفائقة بما جمعه فيه.
3 ـ احتواؤه على أسماء لشهداء لم يُذكروا في موضع آخر.
4 ـ احتواؤه على آثار وروايات وتفصيلات، ممّا يرفع من قيمته العلميّة والتاريخيّة.
5 ـ إنّي لم أجد (والكلام للجلالي) فيما قرأت من الكتب المعنيّة بهذا الموضوع ذكراً لهذا الأثر، ولا نقلاً عنه[64].
أقول: وبعد هذا أخذ هذا الأثر بالانتشار في حواضرنا العلميّة، وأخذت الكتب المعنية بواقعة كربلاء تعتمد عليه، فممَّن اعتمد عليه ـ بحسب تتبّعي لما صدر في هذا الشأن في السنوات الماضية ـ: الطبسي في كتابه الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة، وفوزي آل سيف في كتابه من قضايا النهضة الحسينيّة، وجواد محدّثي في كتابه موسوعة عاشوراء، وحسين الشاكري في كتابه سيرة الإمام الحسين عليه السلام ، وفارس تبريزيان الحسون في تحقيقه لكتاب الملهوف على قتلى الطفوف لابن طاووس.

متن المقتل براوية صاحب الأمالي
أشرنا فيما سبق إلى أنّ أقدم نصٍّ مكتوب من هذا المقتل هو ما نقله الشجري في الأمالي الخميسيّة، وسننقل فيما يأتي النصّ الكامل لهذا المقتل برواية صاحب الأمالي، مع الأخذ بعين الاعتبار التصحيحات التي أجراها السيِّد الجلالي بعد تحقيقه للنصّ، فهذه هي النسخة المحققة من هذا المقتل بتحقيق السيِّد الجلالي، والمنشورة في العدد الثاني من فصليّة تراثنا بعنوان: (تسمية مَن قُتل مع الحسين بن عليّ عليهما السلام  من وُلْده وإخوته وأهله وشيعته)، الصفحات: (149ـ 157)، ولم نغيِّر من هذه النسخة سوى حذف التعليقات التي يضعها المحقّق أحياناً للتنبيه على المواضع المصحّحة.

بسم الله الرحمن الرحيم
تسمية مَن قُتل مع الحسين بن عليّ عليهما السلام  من وُلده وإخوته وأهله وشيعته
شهداء أهل البيت عليهم السلام
(1) الحسين بن عليّ، ابن رسول الله (صلوات الله عليهم)، قتله سنان بن أنس النخعي، وحمل رأسه، فجاء به خولي بن يزيد الأصبحي.
(2) والعباس بن عليّ بن أبي طالب عليهما السلام ، وأُمّه أُمّ البنين بنت حزام بن خالد بن ربيعة بن الوحيد العامري، قتله زيد بن رقاد الجنبي، وحكيم بن الطفيل الطائف السنبسي، وكلاهما ابتُلي في بدنه.
(3) وجعفر بن عليّ بن أبي طالب عليهما السلام ، وأُمّه ـ أيضاً ـ أُمّ البنين بنت حزام، قتله هانئ بن ثبيت الحضرمي.
(4) وعبد الله بن عليّ عليه السلام ، وأُمّه ـ أيضاً ـ أُمّ البنين، رماه خولي بن يزيد الأصبحي بسهم، وأجهز عليه رجل من بني تميم بن أبان بن دارم.
(5) ومحمّد بن عليّ بن أبي طالب عليهما السلام  الأصغر، قتله رجل من أبان بن دارم، وليس بقاتل عبد الله بن عليّ، وأُمّه أُمّ وَلَد.
(6) وأبو بكر بن عليّ بن أبي طالب عليهما السلام ، وأُمّه ليلى بنت مسعود بن خالد بن مالك بن ربعي بن سلم بن جندل بن نهشل بن دارم التميمي.
(7) وعثمان بن عليّ عليهما السلام ، وأُمّه أُمّ البنين بنت حزام، أخو العباس وجعفر وعبد الله أبناء عليّ لأُمّ.
(8) وعليّ بن الحسين، الأكبر، وأُمّه ليلى بنت (أبي) مرّة بن عروة بن مسعود بن مغيث الثقفي، وأُمّها ميمونة بنت أبي سفيان بن حرب، قتله مرّة بن منقذ بن النعمان الكندي، وكان يحمل عليهم، ويقول:

نحن وبيت الله أوْلى بالنبي         أنا علي بن الحسين بن علي

حتى قُتل عليه السلام .
(9) وعبد الله بن الحسين عليهما السلام ، وأُمّه الرباب بنت امرئ القيس بن عدي بن أوس بن جابر بن كعب بن حكيم الكلبي، قتله حرملة بن الكاهل الأسدي الوالبي، وكان وُلِدَ للحسين بن عليّ عليه السلام  في الحرب، فأُتي به وهو قاعد، وأخذه في حجره ولبأه بريقه، وسمّاه عبد الله، فبينما هو كذلك إذ رماه حرملة بن الكاهل بسهم فنحره، فأخذ الحسين عليه السلام  دمه، فجمعه ورمى به نحو السماء، فما وقعت منه قطرة إلى الأرض. قال فضيل: وحدَّثني أبو الورد: أنّه سمع أبا جعفر يقول: لو وقعت منه إلى الأرض قطرة لنزل العذاب. وهو الذي يقول الشاعر فيه:

وفي أسد أُخرى تُعدُّ وتُذكر       وعند غني قطرة من دمائنا

وكان عليّ بن الحسين عليه السلام  عليلاً، وارتثّ[65] يومئذٍ، وقد حضر بعض القتال فدفع الله عنه، وأُخِذ مع النساء هو، ومحمّد بن عمرو بن الحسن، والحسن بن الحسن بن عليّ بن أبي طالب عليهم السلام .
(10) وقُتل أبو بكر بن الحسن بن عليّ، وأُمّه أُمّ ولد، قتله عبد الله بن عقبة الغنوي.
(11) وعبد الله بن الحسن بن عليّ عليهم السلام ، وأُمّه أُمّ ولد، رماه حرملة بن الكاهل الأسدي بسهم فقتله.
(12) والقاسم بن الحسن بن عليّ، وأُمّه أُمّ ولد، قتله عمرو بن سعيد بن نفيل الأزدي.
(13) وعون بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، وأُمّه جمانة بنت المسيب بن نجية بن ربيعة بن رباح الفزاري، قتله عبد الله بن قطنة الطائي النبهاني.
(14) ومحمّد بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، وأُمّه الخوصاء بنت حفصة بنت ثقيف بن ربيعة بن عائذ بن الحارث بن تيم الله بن ثعلبة بن بكر بن وائل، قتله عامر بن نهشل التيمي. قال: ولمّا أتى أهل المدينة مصابهم، دخل الناس على عبد الله بن جعفر يعزونه، فدخل عليه بعض مواليه، فقال: هذا ما لقينا ودخل علينا من الحسين! قال: فحذفه عبد الله بن جعفر بنعله، وقال: «يا بن اللخناء! أ للحسين تقول هذا؟! والله، لو شهدته ما فارقته حتى أُقتل معه. والله، ما تسخى نفسي عنهما وعن أبي عبد الله عليه السلام  إلّا أنّهما أُصيبا مع أخي وكبيري وابن عمّي مواسين، مضاربين معه»، ثمّ أقبل على جلسائه، فقال: «الحمد لله على كلّ محبوب ومكروه، أعزز عليّ بمصرع أبي عبد الله عليه السلام ، ثمّ أعزز عليّ ألّا أكون آسيته بنفسي، الحمد لله على كلّ حال، قد آساه وَلداي».
(15) جعفر بن عقيل بن أبي طالب، أُمّه أُمّ البنين بنت الشقر بن الهضاب الكلابي، قتله عبد الله بن عمرو الخثعمي.
(16) وعبد الرحمن بن عقيل، أُمّه أُمّ ولد، قتله عثمان بن خالد بن أسير الجهني، وبشر بن حرب الهمداني القانصي، اشتركا في قتله.
(17) وعبد الله بن عقيل بن أبي طالب، وأُمّه أُمّ ولد رماه عمرو بن صبيح الصيداوي، فقتله.
(18) ومسلم بن عقيل بن أبي طالب، قُتل بالكوفة، وأُمّه حبلة أُمّ ولد.
(19) وعبد الله بن مسلم بن عقيل، وأُمّه رقية بنت عليّ بن أبي طالب، وأُمّها أُمّ ولد، قتله عمرو بن صبيح الصيداوي، ويُقال: قتله أسد بن مالك الحضرمي.
(20) ومحمّد بن أبي سعيد بن عقيل بن أبي طالب، وأُمّه أُمّ ولد، قتله ابن زهير الأزدي، ولقيط بن ياسر الجهني، اشتركا في قتله.
ولمّا أتى الناس بالمدينة مقتل الحسين بن عليّ عليهما السلام ، خرجت زينب بنت عقيل بن أبي طالب، وهي تقول:

ماذا صنعتم وأنتم آخر الأُمم                 ماذا تقولون إن قال النبيُّ لكم
منهم أُسارى ومنهم ضُرِّجوا بدم           بعترتي أهل بيتي بعد مفتقدي
أن تخلفوني بسوء في ذوي رَحمي      ما كان هذا جزائي إذ نصحت لكم  

شهداء الأصحاب رضوان الله عليهم
(21) وقُتل سليمان، مولى الحسين بن عليّ عليهما السلام ، قتله سليمان بن عوف الحضرمي.
(22) وقُتل منجح، مولى الحسين بن عليّ عليهما السلام ، قتله حسّان بن بكر الحنظلي.
(23) وقُتل قارب الديلمي، مولى الحسين بن عليّ عليهما السلام .
(24) وقُتل الحارث بن نبهان، مولى حمزة بن عبد المطلب، أسد الله وأسد رسوله.
(25) وقُتل عبد الله بن يقطر، رضيع الحسين بن عليّ عليهما السلام  بالكوفة، رُمي به من فوق القصر فتكسّر، فقام إليه عبد الملك بن عمير اللخمي فقتله واحتزّ رأسه.
وقُتل من بني أسد بن خزيمة:
(26) حبيب بن مظاهر، قتله بديل بن صريم الغفقاني، وكان يأخذ البيعة للحسين بن عليّ عليهما السلام .
(27) وأنس بن الحارث، وكانت له صحبة من رسول الله صلى الله عليه وآله .
(28) وقيس بن مسهَّر الصيداوي.
(29) وسليمان بن ربيعة.
(30) ومسلم بن عوسجة السعدي، من بني سعد بن ثعلبة، قتله مسلم بن عبد الله، وعبيد الله بن أبي خشكاره.
وقُتل من بني غفار بن مليل بن ضمرة:
(31) و(32) عبد الله، وعبيد الله، ابنا قيس بن أبي عروة.
(33) و(جون بن) حوي، مولى لأبي ذرّ الغفاري.
وقُتل من بني تميم:
(34) الحرّ بن يزيد، وكان لَحِق بالحسين بن عليّ عليهما السلام  بعدُ.
(35) وشبيب بن عبد الله، من بني نفيل بن دارم.
وقُتل من بني سعد بن بكر:
(36) الحجّاج بن بدر.
 وقُتل من بني تغلب:
(37) و(38) قاسط، وكردوس، ابنا زهير بن الحارث.
(39) وكنانة بن عتيق.
(40) والضرغامة بن مالك.
وقُتل من قيس بن ثعلبة:
(41) (جوين) بن مالك.
(42) وعمرو بن ضبيعة.
وقُتل من عبد القيس، من أهل البصرة:
(43) و(44) و(45) يزيد بن ثبيط، وابناه: عبد الله، وعبيد الله، ابنا يزيد.
(46)و(47) وعامر بن مسلم وسالم مولاه.
(48) وسيف بن مالك.
(49) والأدهم بن أُميّة.
وقُتل من الأنصار:
(50) عمرو بن قرظة.
(51) وعبد الرحمن بن عبد ربّ، من بني سالم بن الخزرج، وكان أمير المؤمنين عليه السلام  ربّاه وعلّمه القرآن.
(52) ونعيم بن العجلان الأنصاري.
(53) وعمران بن كعب الأنصاري.
(54) و(55) وسعد بن الحارث، وأخوه: (أبو) الحتوف بن الحارث، وكانا من المحكمة، فلمّا سمعا أصوات النساء والصبيان من آل رسول الله صلى الله عليه وآله ، حكما، ثمّ حملا بأسيافهما، فقاتلا مع الحسين عليه السلام  حتى قُتلا، وقد أصابا في أصحاب عمر بن سعد ثلاثة نفر.
وقُتل من بني الحارث بن كعب:
(56) الضباب بن عامر.
وقُتل من بني خثعم:
(57) عبد الله بن بشر الأكلة.
(58) وسويد بن عمرو بن المطاع، قتله هانئ بن ثبيت الحضرمي.
وقُتل:
(59) بكر بن حيّ التيملي، من بني تيم الله بن ثعلبة.
(60) وجابر بن الحجاج، مولى عامر بن نهشل من بني تيم الله.
(61) ومسعود بن الحجاج.
(62) وابنه: عبد الرحمن بن مسعود.
وقُتل من عبد الله:
(63) مجمع بن عبد الله.
(64) وعائذ بن مجمع.
وقُتل من طي:
(65) عامر بن حسان بن شريح بن سعد بن حارثة بن لام.
(66) وأُميّة بن سعد.
وقُتل من مراد:
(67) نافع بن هلال الجملي، وكان من أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام .
(68) و(69) وجنادة بن الحارث السلماني، وغلامه: واضح الرومي.
وقُتل من بني شيبان بن ثعلبة:
(70) جبلة بن عليّ.
وقُتل من بني حنيفة:
(71) سعيد بن عبد الله.
وقُتل من جواب:
(72) و(73) جندب بن حجير، وابنه: حجير بن جندب.
وقُتل من صيدا:
(74) و(75) عمرو بن خالد الصيداوي، وسعد، مولاه.
وقُتل من كلب:
(76) و(77) عبد الله بن عمرو بن عياش بن عبد قيس، وألم مولى لهم.
وقُتل من كندة:
(78) الحارث بن امرئ القيس.
(79) ويزيد بن زيد بن المهاصر.
(80) وزاهر، صاحب عمرو بن الحمق، وكان صاحبه حين طلبه معاوية.
وقُتل من بجيلة:
(81) كثير بن عبد الله الشعبي.
(82) و(83)ومهاجر بن أوس، وابن عمّه: سلمان بن مضارب.
وقُتل:
(84) و(85) النعمان بن عمرو، والحلاس بن عمرو الراسبيّان.
وقُتل من خرقة جهينة:
(86) مجمع بن زياد.
(87) وعباد بن أبي المهاجر الجهني.
(88) وعقبة بن الصلت.
وقُتل من الأزد:
(89) مسلم بن كثير.
(90) والقاسم بن بشر.
(91) وزهير بن سليم.
(92) ومولى لأهل شندة يُدعى رافعاً.
وقُتل من همدان:
(93) أبو ثمامة، عمرو بن عبد الله الصائدي، وكان من أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام ، قتله قيس بن عبد الله.
(94) ويزيد بن عبد الله المشرقي.
(95) وحنظلة بن أسعد الشبامي.
(96) وعبد الرحمن بن عبد الله الأرحبي.
(97) وعمار بن سلامة الدالاني.
(98) وعابس بن أبي شبيب الشاكري.
(99) وشوذب، مولى شاكر، وكان متقدّماً في الشيعة.
(100) وسيف بن الحارث بن سريع.
(101) ومالك بن عبد الله بن سريع.
(102) وهمام بن سلمة القانصي.
وارتثّ من همدان:
(103) سوار بن حمير الجابري فمات لستّة أشهُر من جراحته.
(104) وعمرو بن عبد الله الجندعي، مات من جراحة كانت به، على رأس سنة.
وقُتل:
(105) هانئ بن عروة المرادي، بالكوفة، قتله عبيد الله بن زياد.
وقُتل من حضرموت:
(106) بشير بن عمر.
(107) وخرج الهفهاف بن المهنّد الراسبي، من البصرة، حين سمع بخروج الحسين عليه السلام ، فسار حتى انتهى إلى العسكر بعد قتله، فدخل عسكر عمر بن سعد، ثمَّ انتضى سيفه، وقال: «يا أُيها الجند المجنّد، أنا الهفهاف بن المهنّد، أبغس عيال محمّد». ثمّ شدّ فيهم.
قال عليّ بن الحسين عليهما السلام : فما رأى الناس منذ بعث الله محمّداً صلى الله عليه وآله ، فارساً ـ بعد عليّ بن أبي طالب عليهما السلام  ـ قتل بيده ما قتل، فتداعوا عليه خمسة نفر، فاحتوشوه، حتى قتلوه، رحمه الله تعالى. ولمّا وصلوا إلى سرادقات الحسين بن عليّ عليهما السلام  أصابوا عليّ بن الحسين عليلاً مدنفاً، ووجدوا الحسن جريحاً، وأُمّه خولة بنت منظور الفزاري، ووجدوا محمّد بن عمرو بن الحسن بن عليّ غلاماً مراهقاً، فضموهم مع العيال، وعافاهم الله تعالى فأنقذهم من القتل.
فلمّا أُتي بهم عبيد الله بن زياد همَّ بعليّ بن الحسين، فقال له: إنّ لك بهؤلاء حرمة، فأرسل معهن مَن يكفلهن ويحوطهن. فقال: لا يكون أحد غيرك، فحملهم جميعاً.
واجتمع أهل الكوفة ونساء همدان حين خرج بهم، فجعلوا يبكون، فقال عليّ بن الحسين عليهما السلام : هذا أنتم تبكون! فأخبروني مَن قتلنا؟! فلمّا أُتي بهم مسجد دمشق، أتاهم مروان، فقال للوفد: كيف صنعتم بهم؟! قالوا: ورد علينا منهم ثمانية عشر رجلاً، فأتينا على آخرهم! فقال أخوه عبد الرحمن بن الحكم: حُجبتم عن محمّد صلى الله عليه وآله  يوم القيامة، والله، لا أجامعكم أبداً. ثمّ قام وانصرف، فلمّا أن دخلوا على يزيد، فقال: إيه يا عليّ! أجزرتم أنفسكم عبيد أهل العراق؟! فقال عليّ بن الحسين: {مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا  إِنَّ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّـهِ يَسِيرٌ}. فقال يزيد: {وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ}. ثمَّ أمر بهم فأُدخلوا داراً، فهيّأهم وجهّزهم وأمر بتسريحهم إلى المدينة. وكان أهل المدينة يسمعون نوح الجنّ على الحسين بن عليّ عليهما السلام  حين أُصيب، وجنّية تقول:

ومَن يبكي على الشهداء بعدي         ألا يا عين فاحتفلي بجهد
إلى متجبِّر في مُلك عبد               على رهط تقودهم المنايا

تكملة مقتل الفضيل بن الزبير
يبدو أنّ الفضيل بن الزبير كان من المهتمين بحفظ وتسجيل النصّ الكربلائي، وقد عثرت على عدّة روايات مسندة إلى الفضيل ترتبط بكربلاء غير رواية الأمالي الخميسيّة، نقدمها هنا لتكون بمثابة التكملة لرواية الأمالي.
1ـ في تاريخ دمشق لابن عساكر (ت571هـ) بسنده إلى الفضيل[66] بن الزبير، قال: «كنت جالساً عند شخص[67]، فأقبل رجل فجلس إليه رائحته رائحة القطران، فقال له: يا هذا، أتبيع القطران؟ قال: ما بعته قط. قال: فما هذه الرائحة؟ قال: كنت ممَّن شهد عسكر عمر بن سعد، وكنت أبيعهم أوتاد الحديد، فلمّا جنَّ عليّ الليل رقدت فرأيت في نومي رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ومعه عليّ، وعليٌّ يسقي القتلى من أصحاب الحسين، فقلت له: اسقني. فأبى، فقلت: يا رسول الله، مُره يسقيني. فقال: ألست ممَّن عاون علينا؟! فقلت: يا رسول الله، والله، ما ضربت بسيف ولا طعنت برمح ولا رميت بسهم، ولكنّي كنت أبيعهم أوتاد الحديد، فقال: يا عليّ، اسقه فناولني قعباً مملوءاً قطراناً فشربت منه قطران، ولم أزل أبول القطران أياماً، ثمّ انقطع ذلك البول عنّي وبقيت الرائحة في جسمي. فقال له السدي: يا عبد الله، كُل من برِّ العراق واشرب من ماء الفرات فما أراك تعاين محمّداً أبداً»[68].
2ـ وفيه أيضاً: بسنده عن فضيل بن الزبير، عن عبد الرحيم بن ميمون، عن محمّد بن عمرو بن حسن، قال: «كنّا مع الحسين رضي الله عنه بنهري كربلاء، فنظر إلى شمر بن ذي الجوشن، فقال: صدق الله ورسوله، قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): كأنّي أنظر إلى كلب أبقع يلغ في دماء أهل بيتي»[69].
وقد رواه بطريق آخر ينتهي للفضيل أيضاً، وبلفظ متقارب[70].
3ـ وفي كامل الزيارات: بسنده عن فضيل الرسّان، عن أبي سعيد عقيصا، قال: «سمعت الحسين بن عليّ عليه السلام ، وخلا به عبد الله بن الزبير وناجاه طويلاً، قال: ثمَّ أقبل الحسين عليه السلام  بوجهه إليهم، وقال: إنّ هذا يقول لي: كن حماماً من حمام الحرم. ولأن أُقتل وبيني وبين الحرم باعٌ أحبُّ إليّ من أن أُقتل وبيني وبينه شبر، ولأن أُقتل بالطفّ أحبّ إليّ من أن أُقتل بالحرم»[71].
4ـ وفي علل الشرائع: بسنده عن فضيل الرسّان عن جبلة المكيّة، قالت: «سمعت ميثم التمّار (قدّس الله روحه) يقول: والله، لتَقتُل هذه الأُمّة ابن نبيِّها في المحرّم لعشر يمضين منه، وليتّخذن أعداء الله ذلك اليوم يوم بركة، وإن ذلك لكائن قد سبق في علم الله تعالى ذكره، أعلم ذلك بعهدٍ عهده إليَّ مولاي أمير المؤمنين عليه السلام ، ولقد أخبرني أنّه يبكي عليه كلّ شيء حتى الوحوش في الفلوات والحيتان في البحر والطير في السماء، ويبكى عليه الشمس والقمر والنجوم، والسماء والأرض، ومؤمنو الإنس والجنّ، وجميع ملائكة السماوات والأرضين، ورضوان ومالك وحملة العرش، وتمطر السماء دماً ورماداً.
ثمّ قال: وجبت لعنة الله على قتلة الحسين عليه السلام ، كما وجبت على المشركين الذين يجعلون مع الله إلها آخر، وكما وجبت على اليهود والنصارى والمجوس.
قالت جبلة: فقلت له: يا ميثم، فكيف يتّخذ الناس ذلك اليوم الذي قُتل فيه الحسين عليه السلام  يوم بركة؟ فبكى ميثم (رضى الله عنه) ثمّ قال: يزعمون لحديث يضعونه أنّه اليوم الذي تاب الله فيه على آدم عليه السلام ! وإنّما تاب الله على آدم عليه السلام  في ذي الحجّة، ويزعمون أنّه اليوم الذي قَبِل الله فيه توبة داود عليه السلام ! وإنّما قَبِل الله (عزّ وجلّ) توبته في ذيّ الحجّة، ويزعمون أنّه اليوم الذي أخرج الله فيه يونس عليه السلام  من بطن الحوت! وإنّما أخرج الله (عزّ وجلّ) يونس عليه السلام  من بطن الحوت في ذي الحجّة، ويزعمون أنّه اليوم الذي استوت فيه سفينة نوح عليه السلام  على الجودي! وإنّما استوت على الجودي يوم الثامن عشر من ذي الحجّة، ويزعمون أنّه اليوم الذي فلق الله تعالى فيه البحر لبنى إسرائيل! وإنّما كان ذلك في ربيع الأوّل. ثمَّ قال ميثم: يا جبلة، اعلمي أنّ الحسين بن عليّ عليه السلام  سيِّد الشهداء يوم القيامة، ولأصحابه على سائر الشهداء درجة، يا جبلة إذا نظرتِ السماء حمراء كأنّها دم عبيط فاعلمي أنّ سيِّد الشهداء الحسين عليه السلام  قد قُتل.
قالت جبلة: فخرجت ذات يوم فرأيت الشمس على الحيطان كأنّها الملاحف المصفرّة؛ فصحت حينئذٍ وبكيت وقلت: قد ـ والله ـ قُتل سيِّدنا الحسين عليه السلام »[72].

خاتمة بأهمّ النتائج
1ـ يُعتبر الفضيل بن الزبير من الشخصيات الكوفيّة التي برزت في بدايات القرن الهجري الثاني، ولم نستطع تحديد تاريخ دقيق لولادته أو وفاته، إلّا أنّ المعطيات المتوفرة تشير إلى ولادته قبل مطلع القرن الهجري الثاني، ووفاته بين عامي (122ـ 148هـ).
2ـ انحدر الفضيل من أُسرة من الأُسّر التي تنتمي إلى بني أسد بالولاء، وهي أُسرة الزبير بن عمر بن درهم التي أنجبت عدّة من الأعلام، كالفضيل بن الزبير، وأخيه عبد الله بن الزبير، وولده محمّد بن عبد الله بن الزبير المعروف بـ (أبي أحمد الزبيري).
3ـ كان الفضيل من الشخصيات العلميّة التي ركّزت على الجانب الكلامي والعقائدي، كما كان له اهتمام حديثيّ وتاريخيّ، والتأمّل في أُسلوبه وصياغته لكتابه في المقتل، والمصادر التي اعتمد عليها في ذلك يدلّ على حسٍّ علمي، وبراعة في التأليف يجعلانه في مصاف الأخباريين من الطراز الأوّل.
4ـ كان الفضيل على مذهب الزيديّة، بل هو من متكلِّميهم وكبرائهم، وكان من أبرز مساعدي زيد الشهيد رحمه الله  في دعوته وثورته.
5ـ كان الفضيل على صلة طيبة بالإمامين الباقر والصادق عليهما السلام ، وكان يفد عليهما، ويروي عنهما.
6ـ والفضيل معتبر الحديث بحسب المبنى القائل بوثاقة جميع رواة كامل الزيارات، والمبنى القائل بوثاقة جميع رواة تفسير القمّي، والمبنى القائل بكفاية عنونة الراوي في الأُصول الرجاليّة وعدم القدح فيه، وأيضاً يمكن اعتبار حديثه عن طريق التأمّل في القرائن والشواهد الدالّة بمجموعها على وثاقته كما صنع السيّد الجلالي.
7ـ وكتابه في المقتل موجود في كتاب الأمالي الخميسيّة للشجري، ويعود فضل انتشاره في أوساطنا العلميّة إلى العلّامة والمحقق الكبير السيّد محمّد رضا الجلالي كما نبَّهنا.
 8ـ كان الفضيل من المهتمّين بحفظ وتدوين النصّ الكربلائي، وهو ما لمسناه في مقتله، وفي نصوص أُخرى مرويّة عنه في هذا الشأن، جمعناها تحت عنوان (تكملة مقتل الفضيل بن الزبير).
--------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
[1] اُنظر ـ مثلاً ـ: الطوسي، محمّد بن الحسن، اختيار معرفة الرجال (رجال الكشي): ج2، ص628. الطوسي، محمّد بن الحسن، رجال الطوسي: ص269.
[2] اُنظر ـ مثلاً ـ: الطوسي، محمّد بن الحسن، رجال الطوسي: ص143، البرقي، أحمد بن محمد،الرجال: ص35.
[3] اُنظر: الجلالي، محمد رضا الحسيني، تسمية مَن قُتل مع الحسين عليه السلام ، مجلة تراثنا، العدد الثاني: ص129.
[4] اُنظر: السمعاني، عبد الكريم بن محمّد، الأنساب: ص268 ـ 269، عند ترجمة: (أبو أحمد محمد بن عبد الله الزبيري) .
[5] اُنظر: المصدر السابق: ص214.
[6] اُنظر: البري، محمد بن أبي بكر، الجوهرة في نسب النبي وأصحابه العشرة: ج1، ص180. قال هناك: «ففي ذلك يقول عبد الله بن الزبير الأسدي؛ أسد خزيمة...»، وعبد الله هذا هو أخو الفضيل، كما سيأتي.
[7] اُنظر: عمر كحالة، معجم قبائل العرب القديمة والحديثة: ج1، ص24.
[8] الطوسي، محمد بن الحسن، رجال الطوسي: ص269.
[9] اُنظر: المامقاني، عبد الله، تنقيح المقال: ج2، ص182. البروجردي، علي، طرائف المقال: ج2، ص211.
[10] اُنظر: الطوسي، محمد بن الحسن، اختيار معرفة الرجال (رجال الكشي): ج2، ص629.
[11] الطوسي، محمد بن الحسن، رجال الطوسي: ص234.
[12] الطوسي، محمد بن الحسن، اختيار معرفة الرجال (رجال الكشي): ج2، ص629.
[13] العلّامة الحلّي، الحسن بن يوسف، خلاصة الأقوال في معرفة الرجال: ص372.
[14] الأصفهاني، أبو الفرج، مقاتل الطالبيين: ص255.
[15] المصدر السابق: ص109.
[16] اُنظر: السمعاني، عبد الكريم بن محمّد، الأنساب: ص269.
[17] الذهبي، محمد بن أحمد، سير أعلام النبلاء: ج18، ص63.
[18] العجلي، أحمد بن عبد الله، تاريخ الثقات: ص406.
[19] ابن حبان، محمّد بن حبّان، الثقات: ج9، ص58.
[20] اُنظر: الطوسي، محمّد بن الحسن، رجال الطوسي: ص269.
[21] الراوندي، قطب الدين، الخرائج والجرائح: ج2، ص377.
[22] المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار: ج5، ص249.
[23] الطوسي، محمّد بن الحسن، الفهرست: ص221.
[24] القمي، سعد بن عبد الله، المقالات والفرق: ص74.
[25] الطوسي، محمّد بن الحسن، رجال الطوسي: ص132.
[26] المصدر السابق: ص269.
[27] اُنظر: ابن قولويه، جعفر بن محمّد، كامل الزيارات: ص151.
[28] اُنظر: الطوسي، محمّد بن الحسن، الأمالي: ص148.
[29] اُنظر: المصدر السابق: ص289.
[30] اُنظر: المصدر السابق: ص459.
[31] اُنظر: المفيد، محمد بن محمد، الأمالي: ص125.
[32] اُنظر: المصدر السابق: ص207.
[33] اُنظر: الطوسي، محمد بن الحسن، الأمالي: ص32.
[34] اُنظر: المصدر السابق: ص148.
[35] اُنظر: المصدر السابق: ص289.
[36] اُنظر: المصدر السابق: ص493.
[37] الأصفهاني، أبو الفرج، مقاتل الطالبيين: ص141.
[38] الطوسي، محمد بن الحسن، اختيار معرفة الرجال (رجال الكشي): ج3، ص570.
[39] المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار: ج30، ص385.
[40] المصدر السابق: ج51، ص35.
[41] اُنظر: الحلّي، ابن داود، رجال ابن داود: ص151.
[42] اُنظر: ابن قولويه، جعفر بن محمّد، كامل الزيارات: ص151، الباب(23) قول أمير المؤمنين عليه السلام  في قتل الحسين عليه السلام  وقول الحسين عليه السلام  له في ذلك، الحديث رقم(7).
[43] اُنظر: القمي، علي بن إبراهم، تفسير القمي: ج2، ص388، سورة نوح، في تفسير قوله تعالى: {إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا}، وفيه (فضيل الرسام)، والتصحيف فيه واضح.
[44] الجلالي، محمّد رضا، تسمية مَن قُتل مع الحسين عليه السلام ، مجلة تراثنا، العدد الثاني: ص145.
[45] (إِلْكيَا): هذه المفردة تعني (الحبر) .اُنظر: السفر الخامس من كتاب الذيل والتكملة لكتابي الموصول والصلة: ج2، ص584.
[46] ابن الجوزي، عبد الرحمن بن علي، المنتظم في تاريخ الملوك والأُمم: ج16، ص266.
[47] ابن حجر، أحمد بن علي، لسان الميزان: ج8، ص427.
[48] الطهراني، آغا بزرك، الذريعة إلى تصانيف الشيعة: ج2، ص305 ـ 306.
[49] في الأصل: (عبد الله) بدل (علي)، وهو غلط، كما نبّه عليه الجلالي. اُنظر: الجلالي، محمّد رضا، تسمية مَن قُتل مع الحسين عليه السلام ، مجلة تراثنا، العدد الثاني: هامش ص46.
[50] الشجري، يحيى بن الحسين، ترتيب الأمالي الخميسيّة: ج1، ص224.
[51] الذهبي، محمّد بن أحمد، سير أعلام النبلاء: ج34، ص146.
[52] ابن الجوزي، عبد الرحمن بن علي، المنتظم في تاريخ الملوك والأُمم: ج17، ص151.
[53] اُنظر: الذهبي، محمّد بن أحمد، سير أعلام النبلاء: ج33، ص91.
[54] الزركلي، خيرالدين، الأعلام: ج6، ص71.
[55] الخطيب البغدادي، أحمد بن علي، غنية الملتمس إيضاح الملتبس: ص156.
[56] الجلالي، محمّد رضا، تسمية مَن قُتل مع الحسين عليه السلام ، مجلة تراثنا، العدد الثاني: ص146.
[57] المفيد، محمد بن محمد، الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد: ج2، ص171.
[58] الطوسي، محمّد بن الحسن، رجال الطوسي: ص113.
[59] المصدر السابق: ص135.
[60] المصدر السابق: ص206.
[61] اُنظر: المصدر السابق: ص122.
[62] الطوسي، محمّد بن الحسن، اختيار معرفة الرجال (رجال الكشي): ج1، ص338.
[63] النجاشي، أحمد بن علي، رجال النجاشي: ص234.
[64] الجلالي، محمّد رضا، تسمية مَن قُتل مع الحسين عليه السلام ، مجلة تراثنا، العدد الثاني: ص28.
[65] الارتثاث: أن يحمل الجريح من المعركة وهو ضعيف قد أثخنته الجراح. ابن الأثير، النهاية في غريب الحديث: ج2، ص195.
[66] في المطبوعة (الفضل) وهو تصحيف، وما أثبتناه هو الصحيح. اُنظر: ابن منظور، محمد بن مكرم، مختصر تاريخ دمشق: ج7، ص157.
[67] اُنظر: ابن منظور، محمّد بن مكرم، مختصر تاريخ دمشق: ج7، ص157. (السدي) بدل كلمة (شخص) .
[68] ابن عساكر، علي بن الحسن، تاريخ مدينة دمشق: ج14، ص258 ـ 259.
[69] المصدر السابق: ج23، ص190.
[70] المصدر السابق: ج55، ص16.
[71] ابن قولويه، جعفر بن محمّد، كامل الزيارات: ص151.
[72] الصدوق، محمّد بن علي، علل الشرائع: ص229.

{الشيخ عامر الجابري}
المصدر : مؤسسة وارث الأنبياء


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
اللطميات
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page