طباعة

في قول ولدني أبوبكر مرتين

السؤال:
ذكر بعضهم في خطبة له في يوم الجمعة مؤخراً: أن الإمام الصادق قال: «ولدني أبو بكر مرتين..».
وهذا الشخص يدعونا دائماً إلى الفكر والعقل والدراسة، وهذا يدل على أنه هو قد حقق هذا الحديث عن الإمام الصادق ، ورأى أن من واجبه أن يعلمه للناس.. فهل هذا صحيح؟!

الجواب:
إن هذا الحديث الذي تتحدث عنه هو مما يستدل به أهل السنة على الشيعة لتصويب خلافة أبي بكر، فراجع ما ذكره ابن حجر الهيثمي، وفضل بن روزبهان ( الصواعق المحرقة ص84 ط دار الكتب العلمية سنة 1408هـ وكلام ابن روزبهان في دلائل الصدق ج1 ص76 ).
وقد رد عليهم علماؤنا الأبرار رحمهم الله تعالى استدلالاتهم تلك.
ولا حاجة إلى ذكر ما استدل به اولئك، وما أجاب به هؤلاء.. ( راجع على سبيل المثال: إحقاق الحق للتستري ص64 ـ 67 ودلائل الصدق ج1 ص82 و83 والصوارم المهرقة ص253 والبحار ج29 ص651)
فإن هذا ليس هو محط نظرنا هنا..
إن كان هذا الشخص قد أورد هذا الحديث ليرد عليه. فهو شيعي يسعى إلى تثبيت عقائد الناس، ونحن ندعو له بالتوفيق والتسديد..
وإن كان قد أورده ليثقف ب. جماعة أهل السنة، فهو سني بلا ريب.
وإن كان قد ذكره ليثقف به الشيعة أتباع مدرسة أهل البيت ، دون أن يعلق عليه، ويبين لهم وجه الصواب والخطأ فيه؛ فهو إنسان ليس بشيعي، جزماً، بل هو ـ كما يظهر ـ يسعى لإلقاء هذا النوع من الأحاديث لتصبح جزء من ثقافة الناس بصورة عفوية، ثم يأتي اليوم الذي يقول فيه للناس: إنه لا مشكلة بين الأئمة وبين أبي بكر، وإنما المشكلة هي بين من ينسبون أنفسهم إلى الأئمة  وبين أبي بكر..
وهذا أسلوب غير سليم، يهدف إلى استغلال غفلة الناس، وبراءتهم، وطيب نواياهم.
وعلى كل حال، فإن هذه الكلمة: «ولدني أبو بكر مرتين» قد نسبت إلى الإمام الصادق  في بعض كتب أهل السنة وهي في الأكثر كتب التراجم، ووردت أيضاً في بعض آخر من غيرها. على طريقة إلقاء الكلام على عواهنه، من دون نظر ومناقشة إسناده، صحة وضعفاً ( راجع: تهذيب التهذيب ج2 ص103 وتذكرة الحفاظ ج1 ص166 وعمدة الطالب ص176 مطبعة الصدر سنة 1417هـ قم وغاية الاختصار ص100 وكشف الغمة ج2 ص161 ط سنة 1381 هـ. المطبعة العلمية قم المقدسة عن الجنابذي وعن جواهر الكلام لابن وهيب ص13 وسير أعلام النبلاء ج6 ص255 والصواعق المحرقة ص84 وأورده السيد الخوئي في مستند العروة كتاب الخمس ج1 ص317 وتنقيح المقال ج3 ص73 وعن الدر المنثور ج1 ص240 ولم أجده. ).
فالرواية إذن سنية، وليست شيعية، وهي كما ذكرها الدارقطني التالية:
الدارقطني: عن أحمد بن محمد بن إسماعيل الآدمي، عن محمد بن الحسين الحنيني، عن عبد العزيز بن محمد الأزدي، عن حفص بن غياث قال: سمعت جعفر بن محمد يقول: «ما أرجو من شفاعة علي شيئاً إلا وأنا أرجو من شفاعة أبي بكر مثله. لقد ولدني مرتين..»( تهذيب الكمال ج5 ص81 و82 وراجع: سير أعلام النبلاء ج2 ص259 وطبقات الحفاظ ج1 ص167 ونقل  عن تاريخ دمشق ج44 ص455 ).
ونقول: إننا نسجل هنا على هذا الحديث النقاط التالية:
أولاً: قد ذكر القرماني: أن أم الإمام الصادق  هي «أم فروة بنت القاسم بن محمد بن أبي سمرة» ( أخبار الدول وآثار الأول [مطبوع بهامش الكامل في التاريخ سنة 1302 هـ] ج1 ص234 ).
وعدم ورود القاسم بن محمد بن أبي سمرة في كتب الرجال لا يعني أنه شخصية موهومة، إذ ما أكثر الشخصيات الحقيقية التي أهمل التاريخ ذكرها لأكثر من سبب..
ولعل هذا هو السبب في أن الشهيد قد اكتفى بالقول: «أم فروة بنت القاسم بن محمد» ( راجع: البحار ج47 ص1 ).
ثانياً: هناك جماعة ـ ومنهم الجنابذي ـ تقول: إن أم فروة هي جدة الإمام الباقر  لأمه، وليست زوجته، ولا هي أم الإمام الصادق  ( كشف الغمة ج2 ص120 ط سنة 1381 هـ المطبعة العلمية ـ قم وناسخ التواريخ، حياة الإمام الصادق ج1 ص11 والبحار ج46 ص218 ).
ولعل شهرة القاسم بن محمد بن أبي بكر تجعل اسمه دون سواه يسبق إلى ذهن الرواة، فإذا كتبوا القاسم بن محمد، فإنهم يضيفون كلمة «ابن أبي بكر»، جرياً على الإلف والعادة.
أضف إلى ذلك: أن القاسم بن محمد أكثر من رجل، كما يعلم من مراجعة كتب التاريخ والتراجم..
ثالثاً: إن الرواية ضعيفة السند، فإنها ـ كما قلنا ـ لم ترو من طرق شيعة أهل البيت ، فكيف صح لهذا البعض أن ينسب هذا القول إلى الإمام  من دون أن يَتثبَّت من صحة الرواية؟!
رابعاً: إن الإمام الصادق  ليس بحاجة إلى الشفاعة ليرجوها من أبي بكر..
خامساً: إن شفاعة رسول الله محمد ، هي التي ترتجى وتطلب، فكيف يطلب حفيد الرسول الأعظم الشفاعة من أبي بكر، ويترك جدّه الرسول ؟!
وأبو بكر ومن هم على شاكلته بحاجة إلى شفاعته ..
فهو الذي يشفع لمن يستحق الشفاعة، ويساق من لا يستحقها إلى الجحيم، وإلى العذاب الأليم..
ولماذا رجا شفاعة أبي بكر، ولم يرج شفاعة سلمان مثلاً.
فإن كان قد تعلق أمله بشفاعة أبي بكر، وعلي، لأجل القرابة، فهو
أمر يستحيل أن يمر في ذهن الإمام [عليه السلام] خصوصاً وأن القرآن الكريم قد صرح برفض هذا المنطق وأدانه، فقد قال تعالى: (يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ) ( سورة عبس 34 ـ 36 ).
وقال تعالى: (لاَ يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلاَ مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْداً) ( سورة عبس 34 ـ 36 ).
فالقرابات النسبية مجردةً إذن ليست هي المعيار.
كما أن الشفاعة إنما هي مقام ومنصب يعطيه الله لأشخاص معينين، هم صفوة الخلق، قد عهد الله إليهم بالشفاعة بالمذنبين من أمته.. والإمام الصادق  هو أحد هؤلاء الصفوة الذين يشفعون في الأمة بدون ريب..
سادساً وأخيراً: إن بيت أبي بكر قد عرف بالمهانة والذل، فلاحظ ما يلي:
1 ـ قال عوف بن عطية:
وأمـا الأ لأمان بنـو عدي
وتيـم حين تزدحم الأمــور
فلا تشهد بهم فتيان حـرب
ولكن ادن من حلب وعير
( كذا في المصدر وهذا من الإقواء الذي قد يحصل في بعض الموارد )
إذا رهنوا رمـاحهم بزبـد
فإن رماح تيـم لا تضير
(طبقات الشعراء لابن سلام ص38 )
2 ـ ذكر البلاذري: أن أبا سفيان قال لعلي [عليه السلام]: «يا علي بايعتم رجلاً من أذل قبيلة من قريش» ( أنساب الأشراف، قسم حياة النبي [صلى الله عليه وآله] ص588).
3 ـ حين بويع أبو بكر نادى أبو سفيان: «غلبكم على هذا الأمر أذل أهل بيت في قريش».
وفي نص الحاكم: «ما بال هذا الأمر في أقل قريش قلة، وأذلها ذلة؟! يعني أبا بكر» ( راجع: الصحيح من سيرة النبي الأعظم [صلى الله عليه وآله] ج3 ص98 والمصنف للصنعاني ج5 ص451 ومستدرك الحاكم ج3 ص78 عن ابن عساكر، وأبي أحمد الدهقان وراجع: الكامل لابن الأثير ج2 ص326 وتاريخ الأمم والملوك ج2 ص944 والنزاع والتخاصم ص19 وكنز العمال ج5 ص383 و385 عن ابن عساكر وأبي أحمد الدهقان ).
4 ـ حج أبو بكر ومعه أبو سفيان، فرفع صوته عليه، فقال أبو قحافة: اخفض صوتك يا أبا بكر عن  ابن حرب.
فقال أبو بكر: «يا أبا قحافة، إن الله بنى في الإسلام بيوتاً كانت غير مبنية، وهدم بيوتاً كانت في الجاهلية مبنية. وبيت أبي سفيان مما هدم» ( راجع: النزاع والتخاصم ص19 والغدير للعلامة الأميني ج3 ص353 عنه).
5 ـ قد روي عن الإمام الصادق  قوله عن محمد بن أبي بكر رحمه الله: أنجب النجباء من أهل بيت سوء، محمد بن أبي بكر ( رجال الكشي ص63 ط جامعة  مشهد عنه في قاموس الرجال ج9 ص19 ط جماعة المدرسين ). وبمعناه غيره..
وبعدما تقدم نقول: لو فرضنا صحة هذه الرواية، أعني رواية: ولدني أبو بكر مرتين، وقد عرفت أنها غير صحيحة جزماً، لكن فرض المحال ليس بمحال.
وكذا لو صح انتساب الإمام  إلى أبي بكر من جهة أمه، وقد تقدم ما يوجب الريب في ذلك.
نعم، لو صح ذلك كله، فلا بد من حملها على أنه  أراد بيان أمر واقع ـ ربما لأجل دفع الشر عن ضعفاء شيعته..
ولم يقل ذلك اعتزازاً منه بالانتساب إلى أبي بكر، وإلى بيته، فإن من ينتسب إلى رسول الله ، لا يفتخر بالانتساب إلى أحد سواه، وكيف يفتخر ويعتز بمن ظلم جدته الزهراء ، وأوصل إليها أعظم الأذى، حتى ماتت شهيدة مظلومة واجدة عليه، هاجرة له؟!

تحقيق آية الله المحقق السيد جعفر مرتضى العاملي دام ظله