طباعة

من ذاكرة التاريخ

24ذي الحجة 10هجري
يوم المباهلة
بسم الله الرحمن الرحيم

كتب النبي الأكرم صلى الله عليه وآله كتابا إلى " أبي حارثة أسقف نَجران دعا فيه أهالي نَجران إلى الإسلام ، فتشاور أبو حارثة مع جماعة من قومه فآل الأمر إلى إرسال وفد مؤلف من ستين رجلا من كبار نجران وعلمائهم لمقابلة الرسول محمد صلى الله عليه وآله والاحتجاج أو التفاوض معه ، وما أن وصل الوفد إلى المدينة حتى جرى بين النبي وبينهم نقاش وحوار طويل لم يؤد إلى نتيجة ، عندها أقترح عليهم النبي المباهلة، بأمر من الله تعالى فقبلوا ذلك وحددوا لذلك يوما ، وهو اليوم الرابع والعشرين من شهر ذي الحجة سنة : 10 هجرية.
لكن في اليوم الموعود عندما شاهد وفد نجران أن النبي صلى الله عليه وآله قد أصطحب أعز الخلق إليه وهم علي بن أبي طالب وابنته فاطمة والحسن والحسين ، وقد جثا الرسول صلى الله عليه وآله على ركبتيه استعدادا للمباهلة ، انبهر الوفد بمعنويات الرسول وأهل بيته وبما حباهم الله تعالى من جلاله وعظمته، فأبى التباهل، وقالوا : حتى نرجع وننظر ، فلما خلا بعضهم إلى بعض قالوا للعاقِب وكان ذا رأيهم : يا عبد المسيح ما ترى ؟ قال والله لقد عرفتم أن محمدا نبي مرسل ولقد جاءكم بالفصل من أمر صاحبكم ، والله ما باهَل قومٌ نبيًّا قط فعاش كبيرهم ولا نبت صغيرهم ، فإن أبيتم إلا إلف دينكم فوادعوا الرجل وانصرفوا إلى بلادكم ، وذلك بعد أن غدا النبي آخذا بيد علي والحسن والحسين ( عليهم السلام ) بين يديه ، وفاطمة ( عليها السلام ) خلفه....
وخرج النصارى يقدمهم أسقفهم أبو حارثة، فقال الأسقف : إني لأرى وجوها لو سألوا الله أن يزيل جبلا لأزاله بها ، فلا تباهلوا ، فلا يبقى على وجه الأرض نصراني إلى يوم القيامة ، فقالوا : يا أبا القاسم إنا لا نُباهِلَك ولكن نصالحك ، فصالحهم رسول الله صلى الله عليه وآله على أن يؤدوا إليه في كل عام ألفي حُلّة ، ألف في صفر وألف في رجب ، وعلى عارية ثلاثين درعا وعارية ثلاثين فرسا وثلاثين رمحا ،وقال النبي صلى الله عليه وآله : " والذي نفسي بيده إن الهلاك قد تدلّى على أهل نجران ، ولو لاعنوا لمسخوا قردة وخنازير ولأضطرم عليهم الوادي نارا ، ولما حال الحول على النصارى كلهم حتى يهلكوا.
وآية المباهلة الكريمة:*
"فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِمَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِل فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللهِ عَلَى ا لْكَاذِبِينَ ".(آل عمران-61)
لقد أجمع العلماء في كتب التفسير والحديث على أن هذه الآية نزلت في خمسة و هم:
1. النبي الأكرم محمد رسول الله صلى الله عليه وآله.
2. الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام
3. السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام
4. الإمام الحسن بن علي بن أبي طالب عليه السلام
5. الإمام الحسين عليه السلام
ففي صحيح مسلم: ولما نزلت هذه الآية:{ فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم } دعا رسول الله صلى الله عليه وآله عليا وفاطمة وحسنا وحسينا فقال :" اللهم هؤلاء أهلي "
وفي صحيح الترمذي : عن سعد بن أبي وقاص قال : لما أنزل الله هذه الآية : {ندع أبناءنا وأبناءكم } دعا رسول الله صلى الله عليه وآله عليا وفاطمة وحسنا وحسينا ، فقال : " اللهم هؤلاء أهلي "،وفي مسند أحمد بن حنبل : مثله و كذلك في تفسير الكشاف : قال في تفسير قوله تعالى : { فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل } ، فأتى رسول الله صلى الله عليه وآله وقد غدا محتضنا الحسين ، آخذا بيد الحسن ، وفاطمة تمشي خلفه وعلي خلفها، وهو يقول:
"إذا أنا دعوت فأَمّنوا " فقال أسقف نجران : يا معشر النصارى لأرى وجوها لو شاء الله أن يزيل جبلا من مكانه لأزاله بها فلا تباهلوا فتهلكوا ولا يبقى على وجه الأرض نصارى إلى يوم القيامة ".
ولقد مررنا على الكثير من كتب التفسير و الحديث تجمع إجماعا عاما على أن آية المباهلة نزلت في أهل البيت عليهم السلام ، لا غير، ولا مجال هنا لذكرها.
و مما هو أمر في غاية الأهمية و التمعن والتدبر في آن واحد هو أن تعيين، شخصيات المباهلة ليس حالة عفوية مرتجلة ، وإنما هو اختيار إلهي هادف وعميق الدلالة ، و من هنا فقد أجاب الرسول صلى الله عليه وآله حينما سئل عن هذا الاختيار بقوله : " لو علم الله تعالى أن في الأرض عبادا أكرم من علي وفاطمة والحسن والحسين لأمرني أن أباهل بهم ، ولكن أمرني بالمباهلة مع هؤلاء فغلبت بهم النصارى"،و العبد الكيس يرى بما لايدع لأدنى شك و ريبة أن ظاهرة الإقتران الدائم بين الرسول صلى الله عليه وآله وأهل بيته عليهم السلام تنطوي على مضمون رسالي عظيم جدا يحتوي على دلالات فكرية ، روحية ، سياسية مهمة ، إذ المسألة ليست مسألة "قرابة عائلية"، بل هو إشعار رباني بنوع وحقيقة الوجود الامتدادي في حركة الرسالة ، هذا الوجود الذي يمثله أهل البيت عليهم السلام بما حباهم الله تعالى من إمكانات تؤهلهم لذلك "و الله أعلم حيث يجعل رسالته.