• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

المسيرة (ممانعة أعداء الإسلام)

تحفل حياة السيد اليزدي بمجموعة من الممارسات الاجتماعية والسياسية بخاصة أنّ المرحلة التي برز فيها 1 بالنسبة إلى خارطة العراق وايران وسواهما، كانت حافلة بغليان سياسي وبتغيرات اجتماعية تفرض على الاشخاص الذين يحتلون مواقع ريادية، كالمرجعية مثلاً أن يسهموا في المبادرات الاصلاحية ، وهذا ما طبع حياة السيد اليزدي  1، وهو أمر يقتادنا إلى المرور ـ ولو سريعاً ـ على مشاركته في مقدمة ذلک :
موقفه من الحركة الدستورية في إيران :
مع بدايات القرن العشرين، برز في ايران صراع بعد إقرار الدستور بين علماء الشيعة، فقد انقسموا إلى فريقين متعارضين: الأوّل يتزعّمه الآخوند الخراساني والميرزا حسين الميرزا خليل والشيخ محمّد حسين النائيني. والثاني يتزعّمه الشيخ فضل الله النوري ويدعمه السيّد كاظم اليزدي. وقد عرف هذا الفريق باسم (المستبدة) في مقابل (المشروطة) وهي تسمية غير دقيقة رغم شيوعها في المصادر التاريخية. فهم لم يعارضوا مشروع النظام الدستوري، إنّما عارضوا تطبيقاته كما سيأتي بنا في بعض الوثائق التاريخية.
كانت نقطة الخلاف الأساسية هي الموقف من الدستور، فقد كانت كتلة الآخوند الخراساني ترى في الحياة الدستورية تحقيقاً للعدالة الّتي حرم منها الشعب الإيراني، وأنّ مواد الدستور لاتخالف الشريعة الإسلامية طالما أنّ هنالک لجنةً من الفقهاء تشرف على قراراته ولوائحه.
أمّا كتلة الشيخ النوري فقد كانت تنظر إلى الدستور على أ نّه من صياغة الاتجاه التغريبي، الّذي استطاع رجاله أن يحرفوا الحركة الدستورية عن مسارها الإسلامي؛ لذا كان الشيخ النوري يدعو إلى شرعية المشروطة، وهو الطرح الّذي أثار العلمانيين، فتعرّض الشيخ النوري إلى حملة شديدة ومحاولات تشويه مكثّفة نتيجة ذلک[1] . وكان للماسونيّة دورها في تلک الأحداث وفي تعميق الخلاف.
ونظراً لموقع النجف في الحياة الشيعيّة فقد انتقل الخلاف إليها، وتوزّع علماء الدين بين السيّد اليزدي والشيخ الخراساني. والملاحظ على هذا التوزع أنّ العرب انضمّوا إلى السيّد اليزدي، فيما انضمّ الإيرانيون إلى الآخوند الخراساني، وقد نجم عن ذلک تنافس شديد بين الجماعتين وصل إلى الاتهامات والحساسيات المفرطة.
قبل انتصار الحركة الدستورية في تركيا كانت جماعة السيّد اليزدي هي الأقوى، فقد كان يصلّي وراءه الآلاف، في حين لم يكن يصلّي وراء الآخوند الخراساني سوى عدد قليل لايزيد على الثلاثين شخصاً[2] . وكان أنصار المشروطة يتعرضون لمضايقات العشائر العراقيّة؛ لأنـّهم يرونهم خصوماً للسيّد اليزدي. ويروى أنّ طلبة العلوم الدينيّة لم يستطيعوا الخروج من النجف الأشرف لمدّة سنة كاملة لزيارة كربلاء والكوفة خوفاً من خصوم المشروطة[3] .
غير أنّ الصورة انعكست بعد الحركة الدستورية في الدولة العثمانيّة عام 1908م[4] ، حيث تعرّض السيّد اليزدي إلى مضايقات حكومة الإتّحاد والترقّي
وهدّدوه بالنفي خارج العراق. كما حاول بعض أنصار المشروطة الإساءة إليه اجتماعياً عن طريق إرسال برقيات إلى إسطنبول تتهمه بتهم سيئة، بغية تعريضه لعقوبة قاسية من الحكومة العثمانيّة[5] .
حاول أحد القادة الأتراک التأثير على موقف السيّد اليزدي، فزاره في النجف الأشرف، وطلب منه أن يصدر رأياً يؤيد فيه الحركة الدستورية، فأجابه السيّد اليزدي: إنّ الشعارات الّتي ترفعونها هي شعارات غربيّة، وهؤلاء الّذين ينادون بالحريّة إنّما يريدون إنهاء الإسلام في البلاد من خلال المظاهر الغربية في الحياة.
كانت نظرة السيّد اليزدي إلى المشروطة قائمةً على أساس رصد الممارسة الفعليّة الّتي يقوم بها بعض رجال المشروطة، وتشخيص دوافعهم من ورائها، حيث كان يعتبر أنّ موقفهم الحقيقي معادٍ للإسلام، وأنـّهم يريدون تعطيل أحكام الشريعة الإسلامية في المجتمع. وقد أبدى هذا الرأي ذات مرّة في منزل شيخ الشريعة الإصفهاني[6] .
استغلّ المغرضون أجواء الخلاف في الإقدام على خطوات خطيرة، فقد تعرّض في تلک الفترة السيّد اليزدي والآخوند الخراساني والشيخ النوري إلى محاولات اغتيال[7] ، وهي ظاهرة خطيرة ذات دلالات تاريخية هامّة، لاسيما إذا تذكّرنا أنّ الماسونية وغيرها من الجمعيات المعادية للإسلام نشطت في تلک الفترة بشكل ملحوظ.
يروي الشيخ محمّد حرز الدين: أ نّه  كان  في  مسجد السهلة  بالكوفة بتاريخ (7 شوال 1326  ه / 2 تشرين الثاني 1908م)، فقدم جماعة من إيران يستفتون الميرزا حسين الميرزا خليل حول جزاء المحارب لله ولرسوله ممّن يسعى في الأرض فساداً، هل يجوز قتله؟ وقد كتب الميرزا حسين والآخوند الخراساني والشيخ عبدالله المازندراني الجواب بالإيجاب. فأدرک الشيخ حرز الدين أنّ هؤلاء يستهدفون العلماء الذين يعارضون المشروطة، فأسرّ للميرزا حسين بحقيقة الأمر، فطلب أصحاب الاستفتاء فلم يعثروا عليهم، ممّا اضطرّ الميرزا إلى كتابة ورقة فيها عدول عما أفتى به، وتوفّي بعد هذه الحادثة بثلاثة أيام[8] .
كانت أمثال هذه الاستفتاءات وغيرها من الممارسات تُستغلّ في إيران لمحاربة معارضي المشروطة، خصوصاً الشيخ فضل الله النوري الّذي تصدّى بقوّة لمواجهة الانحراف الّذي حدث في الحركة الدستورية، فقد اعتصم في مرقد السيّد عبدالعظيم في جمادى الاُولى (1325  ه )، واستمر في اعتصامه حتّى 8 شعبان من تلک السنة (16 أيلول 1907)، وكانت فترة اعتصامه هامّة في مسار الأحداث، حيث تصدّى لمظاهر الانحراف بقوّة، واستطاع أن يحقّق بعض المكاسب، منها : حصوله على تعهّدٍ من المجلس بأن تكون إيران دولة إسلامية، وأنّ أحكام الإسلام ثابتة غير متغيرة، وأنّ المشروطة يجب أن لا تخالف الشريعة الإسلامية[9] .
خلال تلک الفترة أصدر الشيخ النوري نشرة محلّية في بلدة السيّد عبدالعظيم (الري) نشر فيها نصوص البرقيات الّتي وردته من السيّد اليزدي والشيخ الخراساني وغيرهما من العلماء تُبيّن موقفهم من الدستور والمجلس[10] ، وهي  وثائق تاريخيّة ذات أهميّة كبيرة.
كما أصدر الشيخ النوري في نشرته المحلّيّة بياناً آخر كشف فيه أنّ السيّد كاظم اليزدي لايعارض المشروطة، ويستند في ذلک على برقيّة أرسلها السيّد اليزدي إلى أحد علماء الدين في إيران، جاء في البيان :
(فيما يلي مسوّدة برقية حضرة حجة الإسلام والمسلمين آية الله في العالمين سماحة السيّد محمّد كاظم الطباطبائي دامت بركاته العالية، أرسلها إلى حضرة ثقة الإسلام والمسلمين كهف العلماء المجتهدين سماحة الآخوند الآملي دام ظله العالي :
من النجف/ رقم  676
حضرة ثقة الإسلام الآملي دامت بركاته.
لقد تملّكَنا القلق من تجرّؤ المبتدعين، وإشاعة كفر الملحدين، نتيجة الحرية الزائفة، وسوف لن يتمكنوا من تنفيذ مآربهم بعون الله. وبالطبع فإنّ الوقوف بوجه الكفر وصيانة العقيدة وتطبيق القوانين القرآنية القويمة والشريعة المحمديّة الأبديّة، يعتبر من أهم فرائض العلماء الربّانيين، مع الأخذ بعين الاعتبار الأسباب الموجبة لصلاح وصون الدين ودماء المسلمين، لابُدّ من بذل الجهود في هذا الصدد.
محمّد كاظم الطباطبائي       
23 جمادى الاُولى (1325 ه )

*********************************
(1) نهضت روحانيون إيران، علي دواني: 1/122.
(2) زندگاني آخوند خراساني (فارسي)، عبدالحسين مجيد كفائي : 213.
(3) سياحت شرق (فارسي)، آغا نجفي قوجاني: ص 461.
(4) شعراء الغري، علي الخاقاني10:/ 87.
(5) مقابلة مع المرحوم السيّد عبدالعزيز الطباطبائي بتاريخ 12 رمضان 1414 ه  ( 23شباط 1994م) والسيّد الطباطبائي أحد أحفاد السيّد اليزدي ومن محقّقي الشيعةالمعاصرين.
(6) مقابلة مع المرحوم السيّد عبدالعزيز الطباطبائي بتاريخ 20 رمضان  1414  ه  ( 3آذار 1994 م).
(7) تاريخ العراق السياسي المعاصر، حسن شبّر: 2/83.
(8) معارف الرجال في تراجم العلماء والاُدباء، محمّد حرز الدين1:/278.
(9) شيخ شهيد فضل الله نوري (فارسي)، محمّد تركمان: 1/15.
(10) كان من المقرّر أن يكون الاسم الرسمي للمجلس: مجلس الشورى الإسلامي، غيرأنّ الاتجاه العلماني نجح في جعل اسمه: مجلس الشورى الوطني.


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
اللطميات
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page