مفاد الشبهة
قيل: إنَّ ابن عقيل وابن الجنيد أنكرا وجوب الخُمُس في أرباح المكاسب، وقد صرَّحا بذلك في مصنَّفاتهم، وهذا من القرائن المهمَّة التي تُبيِّن أنَّ هذا الحقَّ مختلف فيه عند علماء الطائفة ولم يُجمَع عليه.
ردُّ الشبهة
إنَّ للوقوف على حقيقة هذه الشبهة لا بدَّ علينا من التأمُّل في نفس كلمات ابن أبي عقيل وابن الجنيد؛ لأنَّ الظاهر من كلامهما غير واضح بشكل جليٍّ، بل إنَّه خلاف ما ادَّعاه المستشكل، وإليك التفصيل في ذلك:
أوَّلاً: أنَّ نصَّ ما ذكره ابن أبي عقيل هو: (وقد قيل الخُمُس في الأموال كلِّها، حتَّى على الخيّاط، والنجّار، وغلَّة الدار، والبستان، والصانع في كسب يده؛ لأنَّ ذلك إفادة من الله وغنيمة)(٦٩)، وهذه العبارة خالية من النصِّ على عدم الوجوب، ولا يُستَظهر منها ذلك؛ لأنَّه اعتبر الجواز أحد الأقوال في المسألة حيث قال: (وقد قيل: الخُمُس في الأموال كلِّها...)، لكنَّه في مقابل هذا القول لم يُبيِّن رأياً آخر، ولذلك فهو لم يُصرِّح بعدم الوجوب حتَّى نعدَّ كلامه خلافاً للمشهور وخادشاً في الإجماع.
وكذلك عندما أشار ابن أبي عقيل إلى القول بالوجوب ذكر مدركه حيث قال: (لأنَّ ذلك إفادة من الله وغنيمة)، ولم يشكل على ذلك، وهذه قد تكون قرينة على إرادة القول بالوجوب عنده نظراً لسكوته عن التعليق على الفتوى والمدرك.
ثانياً: وأمَّا نصُّ كلام ابن الجنيد هو: (فأمَّا ما استفيد من ميراث أو كدّ بدن أو صلة أخ أو ربح تجارة أو نحو ذلك، فالأحوط إخراجه لاختلاف الرواية في ذلك، ولو لم يُخرجه الإنسان لم يكن كتارك الزكاة التي لا خلاف فيها»(٧٠)، وهذه العبارة يُفهَم منها:
١- القول بالوجوب وإن كان من باب الاحتياط، حيث قال: (الأحوط إخراجه)، وظهورها في الوجوب أوفق من غيره.
٢- إنَّ ابن جنيد رجَّح أخبار الوجوب على أخبار التحليل وحَكَمَ بالاحتياط، حيث قال: (فالأحوط إخراجه لاختلاف الرواية في ذلك)، فهذا الترجيح ظاهر في الوجوب.
٣- وقد اعتبر ابن جنيد تارك الخمس ليس كتارك الزكاة، حيث قال: (ولو لم يُخرجه الإنسان لم يكن كتارك الزكاة التي لا خلاف فيها)؛ وذلك لأنَّ أخبار وجوب الزكاة لا خلاف فيها وأمَّا أخبار وجوب الخمس قد جرى فيها خلاف بالنظر إلى روايات التحليل، وقوله هذا لا يُستفاد منه عدم الوجوب، بل هو ظاهر بالوجوب إلَّا أنَّه أشار إلى مسألة الخلاف.
ومن هنا فقد اتَّضح أنَّ المستشكل إمَّا أنَّه لم يفهم كلام ابن أبي عقيل وابن الجنيد، أو أنَّه قد اعتمد على النقولات التي نسبت إليهما هذا القول، وهذا يدلُّ على ضعف التحقيق، وقلَّة الأمانة العلمية، وعدم التتبُّع والنظر الدقيق في مثل هذه المسائل.
لذلك نجد أنَّ الأعلام والمحقِّقين كالسيِّد الخوئي (قدّس سرّه)، ونظائره من أهل التحقيق في هذا الفنِّ قد التفتوا إلى هذه المسألة، حيث إنَّهم ذكروا في بحوثهم أنَّ هذا القول قد نُسِبَ إلى ابن أبي عقيل وابن الجنيد، وقالوا بعدم صراحة العبارة المنقولة عنهما، وهي غير قادحة في انعقاد الإجماع، فقد قال السيِّد الخوئي (قدّس سرّه) ما نصُّه: (الظاهر تسالم الأصحاب واتِّفاقهم قديماً وحديثاً على الوجوب؛ إذ لم يُنسَب الخلاف إلَّا إلى ابن الجنيد وابن أبي عقيل، ولكن مخالفتهما على تقدير صدق النسبة من أجل عدم صراحة العبارة المنقولة عنهما في ذلك لا تقدح في تحقُّق الإجماع ولاسيما الأوَّل منهما المطابقة فتواه لفتاوى أبي حنيفة غالباً كما لا يخفى)(٧١).
***************
(٦٩) منتهى المطلب (ج ١/ ص ٥٤٨).
(٧٠) فتاوى ابن الجنيد للاشتهاردي (ص ١٠٣).
(٧١) مستند العروة (ج ٢٥/ ص ١٩٥)
الشبهة الثالثة: ابن أبي عقيل وابن الجنيد قالا بعدم وجوب الخُمُس في أرباح المكاسب
- الزيارات: 297