مفاد الشبهة
إنَّ المؤسَّسة الدينية غير عادلة في طريقة أخذ الخُمُس وحسابه على المكلَّفين؛ لأنَّنا نجد في بعض الأحيان أنَّهم يُسقِطون بعض الحقِّ الشرعي المتعلَّق بذمَّة المكلَّف بحجَّة (المصالحة) التي تعني أنَّ للفقيه أو وكيله صلاحية إسقاط الخُمُس عن ذمَّة المكلَّف.
ردُّ الشبهة
إنَّ هذه الشبهة مبتنية على الفهم الخاطئ لمعنى المصالحة، حيث إنَّها لا تعني إسقاط حقِّ الخُمُس مطلقاً، وإنَّما صرَّح الفقهاء بأنَّ المراد من المصالحة هو: (أن تتصالح مع المرجع أو وكيله في تحديد كمّية المبلغ الذي يجب فيه الخُمُس، فحينئذٍ يتعيَّن مقدار الخُمُس وتجري المصالحة عليه لتبرأ ذمَّة المكلَّف أمام الله سبحانه وتعالى).
ومن هنا فقد أفتى الفقهاء بعدم صحَّة إسقاط شيء من الخُمُس الثابت في ذمَّة المكلَّف، وعليه المبادرة في إخراجه بتمامه من دون نقص فيه وإلَّا أثم، ولا صلاحية لأحد أن يهب ديناراً واحداً من الحقِّ الشرعي للدافع، كما ليس للوكيل أو المأذون من قِبَل الفقيه أن يحسب شيئاً من الحقِّ على نفسه ثمّ يهبه إلى الدافع.
أمَّا مسألة المصالحة فإنَّها ليست مطلقة، بل خاصَّة في مورد الحقوق المشتبهة التي يشكُّ بها المكلَّف في تعلُّق الخُمُس ببعض أمواله أو في اشتغال ذمَّته بشيء منه ولا مقدار ما تعلَّق به الخُمُس، فهنا يصالحه الحاكم الشرعي أو المأذون من قِبَله بنسبة الاحتمال، أي لا يسقط الحقّ مطلقاً، وإنَّما يدفع المكلَّف القدر المتيقَّن من ذلك المشكوك.
فمثلاً لو شكَّ المكلَّف بأنَّ ما تعلَّق به الخُمُس هو (١٠٠) ألف دينار أو (٢٠٠) ألف دينار، ولا يعلم المقدار الحقيقي الذي يبرئ فيه ذمَّته، فهنا يصالحه الفقيه أو وكيله بإخراج القدر المتيقَّن وهو (١٠٠) ألف دينار.
وهذا هو معنى المصالحة، فهي ليس كما يراه البعض من أنَّه إسقاط للحقِّ مطلقاً، بل هو إسقاط ما في مورد الشكِّ من قِبَل المكلَّف.
معنى مداورة الخُمُس وحدودها:
المداورة هي طريقة لنقل الخُمُس المطلوب من المكلَّف إلى ذمَّته، فإذا تعلَّق الخُمُس بعين المال ولم يتمكَّن المكلَّف من دفع هذا الحقِّ دفعة واحدة أو كان بحاجة إليه في تجارته ونحوها فيُخرج الخُمُس ويدفعه إلى الفقيه الجامع للشرائط أو وكيله، ثمّ هو يُقرضه إيّاه على أن يُؤدّيه بالتدريج من دون تساهل أو تهاون بالأداء، وبذلك ينتقل الخُمُس من العين إلى الذمَّة.
ومن هنا يتَّضح أنَّ مسألة تأخير الخُمُس وتقسيطه على المكلَّف ليست مطلقة، بل هنالك حدود خاصَّة، ولا يحقُّ للمأذون شرعاً بالتقسيط المطلق، إنَّما المداورة تخصُّ المكلَّف الذي ليس له القدرة على دفع هذا الحقِّ دفعة واحدة ولم يكن متمكِّناً من أدائه، حالاً أو مستقبلاً، وكان في حرج شديد، فعليه أن ينوي أداءه لو حصلت له القدرة وإلَّا أثم، ففي هذه الحالة يحقُّ للفقيه أو وكيله تقسيطه حسب حال المكلَّف أو الترخيص في التأخير في الأداء، ولو استطاع المكلَّف خلال فترة التأخير أداء بعضه، فيجب عليه ذلك.
مستند المصالحة والمداورة:
قد يسأل البعض عن المستند الشرعي للمصالحة والمداورة الحاصلة في هذا الحقِّ، فإنَّ المستند في ذلك كما هو واضح مبنيٌّ على أنَّ الحاكم وليٌّ على مال المالك للخُمُس، فبمقتضى الولاية التي للحاكم على هذا الحقِّ أنَّه حقُّ المنصب، فللحاكم صلاحية العفو والتأجيل لفترة معيَّنة إذا رأى مصلحة في ذلك.
المصالحة: إن كان المكلَّف شاكّاً بأنَّ في ذمَّته خُمُس ما صرفه مثلاً، فللحاكم أن يصالحه بمبلغ يراه مناسباً، نعم لو كان المكلَّف متيقِّناً بأنَّ في ذمَّته خُمُساً واجباً فلا بدَّ من دفع ذلك المتيقَّن ولا مجال لفرض المصلحة فيه.
ومورد المداورة: المكلَّف الذي وجب عليه الخُمُس ولا يستطيع أداءه أو يصعب عليه جدّاً، وحينئذٍ حيث إنَّه لا يسقط عنه الواجب لمجرَّد عدم الاستطاعة أو صعوبة الأداء، فيجب عليه أداؤه ولو بالمداورة مع وليِّ أمر الخُمُس ليؤديه حسب استطاعته زماناً ومقداراً، ونقل الخُمُس من العين إلى الذمَّة.
الشبهة العاشرة: بدعة المصالحة والمداورة
- الزيارات: 288