• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

ملحقات حول الخُمُس

 (١) فلسفة وفوائد فريضة الخُمُس
بعد أن اتَّضح أنَّ فريضة الخمس من الواجبات الشرعية والضرورية التي شرَّعها الحقُّ تعالى، لا بأس بالوقوف على بعض فوائده وفلسفته والحكمة من تشريع هذا الحقِّ، وعند تتبُّع النصوص القرآنية والروائية يمكن أن نُجملها بأُمور عدَّة:
الأوَّل: تطهير مال الغنيِّ من الشبهات التي تعلَّق به:
أكَّدت جملة من الروايات الواردة عن أهل البيت (عليهم السلام) على أنَّ الخُمُس يُطهِّر المال، ويزيد في الرزق، ويضاعف التوفيق لدى المؤمن، ورد في موثَّقة السكوني عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام)، عن أبيه، عن عليٍّ (عليه السلام): «أتى رجل أمير المؤمنين (عليه السلام) فقال: إنّي كسبت مالاً أغمضت في مطالبه حلالاً وحراماً، وقد أردت التوبة، ولا أدري الحلال منه والحرام وقد اختلط عليَّ، فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): تصدق بخُمُس مالك، فإنَّ الله رضي من الأشياء بالخُمُس، وسائر المال لك حلال»(١٤٣).
وكذا في موثَّقة عبد الله بن بكير، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «إنّي لآخذ من أحدكم الدرهم وإنّي لمن أكثر أهل المدينة مالاً ما أُريد بذلك إلَّا أن تطهروا»(١٤٤).
الثاني: الخُمُس عبادة مالية لله تعالى:
قد يتصوَّر البعض أنَّ الخُمُس هو خسارة مالية، ولكن في الحقيقة إنَّ حاله حال الصدقات المالية التي نصَّ القرآن الكريم عليها أنَّها من علامات المؤمن، وبها يتحقَّق إيمان الفرد ونيل البرِّ، كما قال تعالى: ﴿لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ﴾ (آل عمران: ٩٢)، فهذه دعوة من القرآن الكريم إلى أنَّ التصدُّق ودفع الواجب من الأموال ليس خسارة وإنَّما خيراً كثيراً، ومن هنا فقد عبَّر القرآن الكريم بأنَّ من يُؤدّي فريضة الخُمُس يكون من أهل الإيمان، حيث قال: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ للهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللهِ وَما أَنْزَلْنا عَلى عَبْدِنا يَوْمَ الْفُرْقانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ (الأنفال: ٤١)، فجعل الله تعالى في الآية الكريمة أساس الإيمان بالله (عزَّ وجلَّ) وبكتابه العزيز أداء هذه الفريضة، فهي من أبرز معالم الإيمان به (عزَّ وجلَّ).
ومن هنا روي عن عمران بن موسى، عن موسى بن جعفر، قال: قرأت عليه آية الخُمُس، فقال: «ما كان لله فهو لرسوله، وما كان لرسوله فهو لنا»، ثمّ قال: «والله لقد يسَّر الله على المؤمنين أرزاقهم بخمسة دراهم، جعلوا لربِّهم واحداً وأكلوا أربعة أحلّاء»، ثمّ قال: «هذا من حديثنا صعب مستصعب لا يعمل به ولا يصبر عليه إلَّا ممتحن قلبه للإيمان»(١٤٥).
الثالث: التطهير من البخل والشحّ والسيطرة على المشاعر:
وورد في بعض الروايات الشريفة أنَّ فريضة الخُمُس تُطهِّر المؤمن من البخل والشحِّ اللذين يُعَدّان من الأمراض الروحية الخطيرة، حيث ورد عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «وأيُّ داءٍ أدوى من البخل»(١٤٦).
ومن هنا جاءت فريضة الخُمُس كأحد أهمّ الطُّرُق التي من خلالها يُعالَج مرض البخل، فقد روي عن الإمام الرضا (عليه السلام)، قال: «فإن أخرجه -أي الخُمُس- فقد أدّى حقَّ الله ما عليه، وتعرَّض للمزيد، وحلَّ له الباقي من ماله وطاب، وكان الله أقدر على إنجاز ما وعد العباد من المزيد والتطهير من البخل على أن يُغني نفسه ممَّا في يديه من الحرام»(١٤٧).
الرابع: التوسعة على فقراء ذراري رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم):
ذكرنا فيما تقدَّم أنَّ أحد أسباب تشريع هذا الحقِّ هو إكراماً للنبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وكذا بسبب تحريم الزكاة عليه، ومن هنا فإنَّ من فلسلفة تشريع هذه الفريضة هو التوسيع على فقراء ذراري النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وذلك لحرمانهم من الصدقة والزكاة، ففي موثَّقة أبي بصير، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: «لشيء قوتل عليه على شهادة أن لا إله إلَّا الله وأنَّ محمّداً رسول الله، فإنَّ لنا خُمُسه، ولا يحلُّ لأحد أن يشتري من الخُمُس شيئاً حتَّى يصل إلينا حقُّنا»(١٤٨).
وعن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «إنَّ الله لا إله إلَّا هو لمَّا حرَّم علينا الصدقة أنزل لنا الخُمُس، فالصدقة علينا حرام، والخُمُس لنا فريضة، والكرامة لنا حلال»(١٤٩).
وعن إسحاق بن عمّار، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: «لا يُعذَر عبد اشترى من الخُمُس شيئاً أن يقول: يا ربِّ اشتريته بمالي حتَّى يأذن له أهل الخُمُس»(١٥٠).
الخامس: رفع الطبقية وإيجاد حالة التوازن بين أفراد المجتمع:
من أهمّ ما جاء به الإسلام هو رفع الطبقية بين أفراد المجتمع، حيث إنَّ الملاحظ في المجتمعات أنَّ هنالك صنفين من البشر: طبقة رأس المال والطبقة الكادحة، وأنَّ أغلب الحكومات لا تعتني بالطبقة الكادحة، وهنالك خلل في توزيع الثروات في أغلب الأحيان، ومن هنا جاء الإسلام ببعض الضرائب المالية التي فُرِضَت على المسلمين، وذلك لرفع هذا النوع من الطبقية، وإيجاد حالة التوازن والتكافل بين أفراد المجتمع، ومن هنا فإنَّ أحد أسباب وفلسفة تشريع الضرائب هذا الأمر بالخصوص، فمن خلاله تحلُّ المشاكل الاجتماعية، وعلاج هذه المشكلة وهذه الحالة على طول الخطِّ والمسيرة.
السادس: الاستقلالية المالية مصدر قوَّة للإسلام والمذهب:
أهمّ مصادر القوَّة هو المال، فإنَّه يُعَدُّ جنبة أساسية في تقوية الدول والحكومات، ومن هنا فإنَّ أيَّ حركة أو حكومة لم تتمتَّع بالاستقلالية المالية يُعَدُّ ذلك ضعفاً لها، كما نراه ونشاهده في عصرنا من سيطرة الدول الكبرى وهيمنتها على أموال الحكومات الأُخرى، ولذا فقد عزَّز الإسلام هذه المسألة، وجعل للمسلمين استقلاليتهم المالية التي من خلالها يمكن حفظ الإسلام والمذهب من العدوِّ، وهذا أمر في غاية الأهمّية، فإنَّنا نشاهد بأُمِّ أعيننا لولا وجود وفرض هذه الضرائب المالية من قِبَل الشريعة المقدَّسة لما استطعنا الدفاع والحفاظ على معالم المذهب الحقِّ.
فمن خلال هذه الأموال تمَّ الحفاظ على بيضة الإسلام وقدسية المذهب وعدم الانجرار لقرارات العدوِّ وهيمنته وتسلُّطه على المال العامِّ.
ولذا فببركة هذه الأموال تمَّ الدفاع عن المقدَّسات، ودعم المجاهدين بالمال والسلاح والطعام والشراب، وإنشاء المؤسَّسات والحوزات العلمية المتصدّية لتدريس العلوم الإسلاميَّة، لتخريج الدعاة والمبلِّغين، وطباعة ونشر الكُتُب التي من خلالها يتمُّ بيان العقيدة الحقَّة وما يحتاجه الفرد في تنظيم حياته العبادية الروحية والمعاملاتية، وكذا بناء المستشفيات ودور الأيتام ودفع ضرورات المؤمنين من الفقراء كتزويجهم ومعالجة مرضاهم وقضاء حوائجهم، وكلُّ ما يصبُّ في مصلحة المذهب وإعلاء كلمته.

(٢) تعيين الوظيفة بالنسبة إلى سهم الإمام (عليه السلام)

يتساءل الكثير في خصوص الوظيفة بالنسبة إلى سهم الإمام (عجّل الله فرجه) في حال غيبته، ولا بأس بأن نتعرَّض إلى أقوال العلماء في خصوص ذلك، وأهمّها ستَّة:
القول الأوَّل:
ذهب بعض المحدِّثين إلى تحليل هذا الصنف وسقوطه، وذلك بمقتضى ما ورد من أخبار التحليل، وقد تمَّ الردُّ على هذا القول فيما تقدَّم ضمن البحث عن أخبار التحليل.
القول الثاني:
ذهب البعض إلى القول بدفنه أو إلقائه في البحر إلى أن يظهر القائم (عجّل الله فرجه) فيُخرجه، أو الإيصاء به للمؤمنين حتَّى خروجه (عجّل الله فرجه) فيُعطى له، وهو ظاهر من كلمات الشيخ المفيد في المقنعة(١٥١)، والشيخ في النهاية(١٥٢)، وأبي صلاح في الكافي(١٥٣)، وابن البرّاج في المهذَّب(١٥٤)، وابن إدريس في السرائر(١٥٥).
وهذه الأقوال لا يمكن المساعدة عليها البتَّة؛ وذلك لأنَّها بحكم إتلاف المال المحترم شرعاً، خلاف ما ورد في جملة من الأدلَّة التي سيأتي بيانها من لزوم صرف هذا الحقِّ في مصارفه المقرَّرة.
القول الثالث:
ذهب إليه المحقِّق الحلّي في الشرائع(١٥٦)، فقال: يُصرَف هذا الحقُّ في الأصناف الثلاثة من بني هاشم كالنصف الآخر من الخُمُس، وتابعه في ذلك جملة من الأصحاب من بعده، ومن هنا يتَّضح أنَّ المحقِّق الحلّي (رحمه الله) لم يقل بتحليله، وإنَّما قال بتوزيعه إلى السادة الكرام، ولعلَّ مستند هذا القول هو مرسلة حمّاد المعروفة عن العبد الصالح في «أنَّ الوليَّ يُقسِّم بينهم على الكفاف والسعة ما يستغنون به في سنتهم، فإن فضل عنهم شيء كان له»(١٥٧).
وهذه الرواية مضافاً إلى ضعف سندها فلا دلالة فيها على أنَّ سهم الإمام يُصرَف في ذلك، فما تدلُّ عليه المرسلة هو أنَّ وظيفة الإمام (عليه السلام) رفع الفقر وجبر النقص الوارد على سهام الفقراء من سائر الأموال العامَّة التي تكون تحت تصرُّفه.
القول الرابع:
وذهب البعض إلى صرفه على الموالين والشيعة العارفين لحقِّهم، وقد اختاره ابن حمزة في الوسيلة(١٥٨)، ولعلَّ مستنده في ذلك مرسلة الصدوق: «من لم يقدر على صلتنا فليصل صالحي موالينا»(١٥٩)، ومضافاً إلى ضعفها سنداً فلا دلالة فيها على خصوص الخُمُس، لاحتمال كونها ناظرة إلى الصدقات المندوبة.
القول الخامس:
وهو ما اختاره صاحب الجواهر، حيث قال: (وأقوى من ذلك معاملته معاملة المال المجهول مالكه باعتبار تعذُّر الوصول إليه (روحي له الفداء)؛ إذ معرفة الملك باسمه ونسبه دون شخصه لا تُجدي، بل لعلَّ حكمه حكم مجهول المالك باعتبار تعذُّر الوصول إليه للجهل به، فيتصدَّق به حينئذٍ نائبه عنه...) إلى آخره(١٦٠)، وهذا نظراً إلى أنَّ المناط في جواز التصدُّق بالمال عن مالكه لعدم إمكان إيصاله إليه سواءٌ علم به أم جهل.
وهذا القول لا يمكن التعويل عليه؛ وذلك لأنَّ من الثابت أنَّ هذه الأموال إنَّما هي ملك لمنصب الإمامة كما تقدَّم وليس لشخص الإمام (عليه السلام) حتَّى يُتصوَّر فيه مجهولية المالك، فإنَّ مجهول المالك إنَّما يُتصوَّر في المال الشخصي، وهو خارج عن محلِّ كلامنا.
القول السادس:
وهو ما اختاره مشهور الأعلام في أزمنتنا المتأخِّرة، وهو أنَّ هذا الصنف يُصرَف في كلِّ ما يُحرَز فيه رضا الإمام (عليه السلام)، كالمصالح العامَّة من مساعدة المعوزين وغيرها، وما فيه تشييد قواعد الدين ودعائم الشرع المبين وبثِّ الأحكام ونشر الإسلام والتي من أبرز مصاديقها إدارة شؤون الحوزات العلمية والعلماء والمبلِّغين.
وهذا القول رغم أنَّه أحسن الأقوال المتقدِّمة لكنَّه مبتنٍ على أنَّ سهم الإمام (عليه السلام) مال شخصي له كأمواله الشخصية الأُخرى، فحيث لا يمكن إيصاله في عصر الغيبة الكبرى يُصرَف فيما يُحرَز فيه رضاه أو يُتصدَّق به عنه ليكون ثوابه الأُخروي إليه.
وهذا غير تامٍّ؛ لأنَّه قد تقدَّم منّا أنَّ هذه الأموال ملك لمنصب الإمامة وليس لشخص الإمام (عليه السلام)، فهي ليست إرثاً له كما هو واضح في سيرة الأئمَّة (عليهم السلام) وأحاديثهم الشريفة، وعليه فإنَّ الصحيح أنَّ هذا الصنف من الأموال إنَّما يرجع إلى ملك المنصب، وحيث إنَّ في عصر الغيبة الكبرى يتعذَّر الوصول إلى الإمام (عليه السلام)، فينبغي إرجاع هذه الأموال إلى نائبه العامِّ الذي هو الفقيه الجامع للشرائط، بحسب أدلَّة النيابة العامَّة التي تقدَّم ذكرها مفصَّلاً، فالفقيه هو نائب بالنيابة العامَّة في مهمَّة التبليغ، وأداء الحقوق لمستحقِّيها، وصرفها في مواردها المقرَّرة، وغيرها من الصلاحيات التي أُتيحت له من قبيل منصب الفتوى والقضاء والولاية في الأُمور الحسبية وما يصبُّ في تنظيم شؤون الأُمَّة على تفصيل قد ذُكِرَ في مطوَّلات المصنَّفات.


(٣) حكم مُنكِر فريضة الخُمُس
من الأُمور التي بُحِثَت من قِبَل العلماء الأعلام مسألة مُنكِر الضروري، وقد شاع اصطلاح (الضروري) بين متأخِّري العلماء، وقسَّموا الضرورات إلى قسمين:
القسم الأوَّل: ضروري الدين:
وهو عبارة عن العقائد والتشريعات الثابتة والواضحة والتي تواترت وثبتت قطعيتها لدى جميع المسلمين في القرآن والسُّنَّة القطعية على أنَّها جزء أساسي في الدين، وقد اهتمَّ بها الشارع اهتماماً كبيراً من خلال التأكيد عليها ممَّا يوجب ارتكازه في أذهان المسلمين بحيث يصير الشيء ضروري الثبوت عندهم وبديهي.
ومن هنا عرَّف المحقِّق الهمداني (رحمه الله) الأحكام الضرورية بـ (أنَّها عبارة عن الأحكام التي قياسها معها بأن كان صدورها عن النبيِّ والأئمَّة (عليهم السلام) بديهياً بحيث يكون الاعتراف بصدقهم كافياً في الإذعان بتحقُّقها من غير احتياجها إلى توسُّط مقدّمة خارجية من إجماع ونحوه)، وقال أيضاً بـ (أنَّ الضروري هو الشيء الذي يعرفه كلُّ من قارب المسلمين فضلاً عمَّن تديَّن بدينهم، وأنَّ معناه ما يكون دليله واضحاً عند علماء الإسلام بحيث لا يصحُّ الاختلاف فيه بعد تصوُّره)(١٦١).
وقال المحدِّث الاسترآبادي (رحمه الله): (إنَّ ضروري الدين -على ما سمعناه من محقِّقي مشايخنا (قدّس سرّهم)- هو الذي علماء ملَّتنا وغير ملَّتنا يعرفون أنَّه ممَّا جاء به نبيُّنا (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، كالصلاة والزكاة والصوم والحجِّ)(١٦٢).
وتنقسم ضرورات الدين إلى ضرورات عقائدية وتشريعية فقهية، وذلك من قبيل التوحيد، وأصل النبوَّة، والمعاد، ومن قبيل وجوب أصل الصلاة والصيام والزكاة والحجِّ وغيرها.
القسم الثاني: ضروري المذهب:
وهي الاعتقادات والتشريعات التي ثبت تواترها وقطعيتها في مذهب معيَّن وليس عند جميع المسلمين، وعرفها الجميع بأنَّها من مختصّات ذلك المذهب، وهي تنقسم أيضاً إلى ضرورات عقدية وضرورات فقهية.
ويظهر ممَّا تقدَّم أنَّ ضروريات الدين دائرته عامَّة المسلمين، وضروريات المذهب دائرتها خاصَّة بالمسلمين وليس عمومهم، فالاختلاف من جهتين: الأُولى من جهة السعة والضيق، والثانية من جهة الآثار المترتِّبة على كلِّ واحدٍ منها كما سيأتي.
واختلفت أقوال الأعلام في مسألة الحكم على مُنكِر أحد الضرورات الدينية، فذهب بعضهم أنَّ إنكار أحد الضرورات الدينية يُعَدُّ كفراً وارتداداً، وذلك لكونه سبباً مستقلّاً للكفر، واستدلُّوا على ذلك بأدلَّة عدَّة لا تخلو من المناقشة، وممكن مراجعة الكُتُب المفصَّلة في ذلك(١٦٣).
وفرَّق آخرون بين الجاهل القاصر والمقصِّر، وبين كون ما يُنكِره المنكر أمراً عقائدياً أو فقهياً، فذهب أصحاب هذا القول إلى أنَّ من أنكر ضرورة دينية عقائدية، كأصل التوحيد مثلاً، أو أصل النبوَّة، فهو خارج عن الإسلام سواء كان قاصراً أو مقصِّراً، وأمَّا من أنكر ضرورة دينية فقهية كأصل وجوب الصلاة أو الصيام، فإن كان مقصِّراً فحكمه الكفر، وأمَّا إن كان قاصراً فلا يُحكَم بكفره(١٦٤).
وأمَّا ما ذهب إليه مشهور المتأخِّرين وبعض من سبقهم من الأعلام، كالمقدِّس الأردبيلي والقمّي والمحقِّق الخوانساري، فقد قالوا بأنَّ إنكار الضروري لا يُعَدُّ سبباً مستقلّاً للكفر، بل إنَّ الحكم بكفره يرجع إمَّا إلى إنكار أصل التوحيد أو الرسالة المحمدية، أمَّا لو كان الإنكار لأحد الضرورات المذهبية وليس الدينية من قبيل تفاصيل المعاد، والاعتقاد بأنَّ الأئمَّة (عليهم السلام) اثنا عشر، وغيبة الإمام المهدي (عجّل الله فرجه)، وتفاصيل الزكاة، والخُمُس، وغيرها من الضرورات الفقهية المذهبية، فقد ذهب العلماء إلى عدم خروجه عن الإسلام، وإنَّما هو خارج عن الإيمان والتشيُّع، فهو مسلم وتترتَّب عليه آثار الإسلام من حقن دمه وماله وعرضه وغيرها من الأحكام التي تثبت بمجرَّد الإسلام، ولذا ينبغي على المؤمنين الالتفات إلى هذه المسألة، حيث نجد بعض الجهات المبغضة تتَّهم مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) بالتكفير من خلال استغلال بعض الأقوال أو الاصطلاحات ذات الألفاظ المشتركة كالكفر الذي يُطلَق عند علمائنا على غير المسلم وغير المؤمن، ولذا ينبغي التفريق بين الضرورات الدينية والمذهبية، لخطورة ما يترتَّب على مُنكِرها من الآثار.
وبعد توضيح الفرق بين الضرورات الدينية والمذهبية نقول فيما يخصُّ مُنكِر الخُمُس: قد اتَّضح جليّاً ممَّا تقدَّم بأنَّ أصل الخُمُس من التشريعات الثابتة في الشريعة المقدَّسة، وإنَّ وجوبه كوجوب الصلاة والزكاة، وهو من الضروريات الأصلية في الدين التي دلَّت عليها الأدلَّة المتواترة والقطعية لدى المسلمين، والتي من أنكر أصل وجوبها كمن أنكر أصل وجوب الصلاة، فهو إنكار وتكذيب للرسالة المحمّدية.
نعم فإنَّ تفاصيل أحكام الخُمُس هي من الضروريات المذهبية الفقهية، فمثلاً خُمُس أرباح المكاسب يُعَدُّ من الضرورات المذهبية التي اتَّفقت عليها كلمات الإماميَّة الاثني عشرية حسب الأدلَّة القطعية المتواترة، واهتمَّ بها الشارع المقدَّس وأكَّد عليها، فمن أنكر خمس المكاسب مثلاً أو غيرها من التفاصيل القطعية لا يُعَدُّ منكراً لضرورة دينية، فلا يوجب خروجه من الإسلام، وإن كان قد أنكر ضرورة مذهبية تجعل إيمانه وتشيُّعه محلّ نظر بحسب ما ورد عن الشارع المقدَّس

***************
(١٤٣) الوسائل (ج ٩/ ص ٥٠٦/ باب ١٠ وجوب الخمس في الحلال إذا اختلط بالحرام/ ح ٤).
(١٤٤) الوسائل (ج ٩/ ص ٤٨٤/ باب ١ ما يجب فيه الخُمُس/ ح ٣).
(١٤٥) الوسائل (ج ٩/ ص ٤٨٤/ باب ١ من أبواب ما يجب فيه الخُمُس/ ح ٦).
(١٤٦) الوسائل (ج ٢١/ ص ٥٥٠/ باب استحباب الاقتصاد في النفقة/ ح ٢).
(١٤٧) بحار الأنوار (ج ٩٣/ ص ١٩١).
(١٤٨) الوسائل (ج ٩/ ص ٤٨٧/ باب ما يجب فيه الخُمُس/ ح ٤).
(١٤٩) الوسائل (ج ٩/ ص ٤٨٣/ باب تحريم الزكاة الواجبة على بني هاشم/ ح ٧).
(١٥٠) نفس المصدر (ص ٥٤٢).
(١٥١) المقنعة (ص ٤٦).
(١٥٢) النهاية (ص ٢٠١).
(١٥٣) الكافي في الفقه (ص ١٧٣).
(١٥٤) المهذَّب (ج ١/ ص ١٨١).
(١٥٥) السرائر (ص ١١٦).
(١٥٦) شرائع الإسلام (ج ١/ ص ١٨٤).
(١٥٧) الكافي (ج ١/ ص ٥٣٩).
(١٥٨) الوسيلة لابن حمزة الطوسي (ص ١٣٧).
(١٥٩) الوسائل (ج ٩/ ص ٤٧٦/ باب ٥٠ من أبواب الصدقة/ ح ٣).
(١٦٠) الجواهر (ج ١٦/ ص ١٥٥).
(١٦١) مصباح الفقيه للهمداني (ج ٨/ ص ١٣ و١٤).
(١٦٢) الفوائد المدنية (ص ٢٥٢).
(١٦٣) جواهر الكلام (ج ٦/ ص ٤٦).
(١٦٤) انظر: كتاب الطهارة للشيخ الأنصاري (ج ٥/ ص ١٤٠).


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
اللطميات
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page