طباعة

المنجيات من عذاب القبر:

أولاً: أداء الفرائض الواجبة:
وهناك بعض الأمور تقي من عذاب القبر، هناك بعض الأفعال تُنجي من عذاب القبر، نقرأ لكم روايتين:
 
الرواية الأولى: رواها الكليني محمد بن يعقوب الكليني (قد) -في كتاب الكافي- عن الصادق (ع) قال: (يُسأل الميت في قبره عن خمس، عن صلاته وزكاته وحجه وصيامه وولايته إيانا) (‪15‬)، أي ولاية أهل البيت (ع)، هذه الخمس إذا أحسنها وأتمها نجى من عذاب القبر، يُحافظ على الصلوات، يُتمُّ ركوعها وسجودها وقيامها، ويحافظ على وقتها، ويُحسن وضوءها، فهذا يسلم من عذاب القبر، أما الانسان الذي لا يُحسن وضوءه للصلاة فهو ممن لم يتم الصلاة، ورد في رواية عن الإمام الصادق (ع): (أن ثمة مؤمناً وضع في قبره، فجاءته الملائكة فقالوا له: إنَّ العذاب المقرَّر عليك مئة جلدة، فقال: ماذا فعلت حتى اُجلد؟ أنا لا أُطيق، لا أُطيق مئة جلدة، ولكونه مؤمنًا قالوا له نُخفَّف عليك، فأخذوا يُسقطون عنه الجلدة بعد الجلدة وهو يقول: لا أُطيق، حتى بقيت جلدة واحدة فقط، قال: لماذا أُجلد هذه الجلدة، هذه أيضًا أسقطوها عنِّي، قالوا: لا، هذه لا تسقط، لابدَّ منها، فقال لهم: وما سبب هذه الجلدة؟ قالوا له: صلَّيتَ بدون وضوء)، لعله صلَّى بوضوء ولكنه لم يكن يُحسن الوضوء، لم يتعلم كيف يتوضأ وضوءاً صحيحًا كيف يتطَّهر، فكان ذلك موجباً لأنْ يُجلد تلك الجلدة. ثم سلَّط الله عليه ثعباناً يكدم أنامله أو إبهامه إلى يوم يُبعثون، لأنَّه لم يحسن وضوءه، ولم يتمَّ صلاته، وكذلك من لم يأتِ بالزكاة، أويتوانى في إخراج الزكاة والخمس، وكأنها أمواله! ونسي أنَّ هذه الأموال هي كلها أموال الله، قسَّمها بينه وبين الفقراء، وقال لك خذ الأكثر وأعطِ الفقراء العشر، أو الخمس بالنسبة للخمس، فهذا لأنَّه لم يكن يزكِّي ولا يخمِّس فكان مستحقاً لعذاب القبر، وكذلك إذا لم يكن يؤدِّي الصيام، أو يتوانى في أمر الحج، يُسوَّفه ويؤخِّر أداءه إلى أن يموت، فيُخيَّره الله عندئذٍ إما أن يموت يهودياً أو نصرانياً، وهذا من العديلة عند الموت -التي تحدثنا عنها-، فتركُ الحجِّ دون عذرٍ من موجبات العديلة عند الموت، وكذلك ورد عن أبي عبد الله (ع) قال: مَن منع قيراطاً من الزكاة فليمت إنْ شاء يهودياً أو نصرانياً (‪16‬).‬‬
 

ثانياً: ولاية أهل البيت (ع):
ومن المنجيات من عذاب القبر الولاية، ولاية أهل البيت (ع)، وهي أهم شيءٍ يحول دون عذاب القبر، فقد ورد أنها تقول للأربع ?الصلاة والزكاة والحج والصيام- اكفوا هذا العبد فإذا عجزتم فسوف أتولَّى أمره، هذا العبد إذا كان عنده خطأ في الصلاة أو تقصير في الزكاة، أو في الحج، فإنَّ الولاية لأهل البيت (ع) تسدُّ هذا النقص، أما إذا لم يكن يصلِّي من الأساس فإنَّ الولاية لا تنفعه ظاهراً، (شفاعتنا لا تنال مستخفا بصلاته) (‪17‬)، (إذا أُدخل المؤمن في قبره كانت الصلاة عن يمينه، -تحميه- والزكاة عن يساره والبرُّ مطلٌّ عليه)(‪18‬) ومعنى البر هو قضاء حاجة المؤمن أوالتصدق بصدقةٍ على فقير، البرُّ هو أنْ أكرم فقيراً، أو أمسحُ على رأس يتيم، هذا هو البر، يقول (ع): (والبر مطلٌّ عليه فيتنحى الصبر ناحية)(‪19‬)، فاذا دخل عليه الملكان اللذان يليان مساءلته قال الصبر للصلاة والزكاة: دونكما صاحبكما، فإن عجزتما فأنا دونه. ومعنى ذلك أنَّ الصبر قد يكون أكثر قدرة على حماية العبد من صلاته غير التامَّة: (وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ)(‪20‬).‬‬‬‬
 
إذنْ عرفنا أنَّ الموجب للنجاة من عذاب القبر هي هذه الأمور الخمسة الصلاة والزكاة والصيام والحج والولاية وكذلك البرُّ والصبر.
 
وورد في رواية أخرى عن أهل البيت (ع) أنَّه (إذا مات العبد المؤمن، دخل معه في قبره ستة صور، فيهن صورة أحسنهن وجهاً، وأبهاهن هيئة، وأطيبهن ريحاً، وأنظفهن صورة، قال: فيقف صورة عن يمينه، وأخرى عن يساره، وأخرى بين يديه، وأخرى خلفه، وأخرى عند رجله، وتقف التي هي أحسنهن فوق رأسه، فإن أُتي عن يمينه منعته التي عن يمينه، ثم كذلك إلى أن يؤتى من الجهات الست، قال: فتقول أحسنهن صورة: ومن أنتم جزاكم الله عني خيراً؟ فتقول التي عن يمين العبد: أنا الصلاة، وتقول التي عن يساره: أنا الزكاة، وتقول التي بين يديه: أنا الصيام، وتقول التي خلفه: أنا الحج والعمرة، وتقول التي عند رجليه: أنا برُّ من وصلت من إخوانك، ثم يقلن: من أنت؟ فأنت أحسننا وجهاً، وأطيبنا ريحاً، وأبهانا هيئة! فتقول: أنا الولاية لآل محمد صلوات الله عليهم أجمعين) (‪21‬) فهذه الرواية الشريفة تشير إلى تمثُّل الأعمال الصالحة في القبر، وتشير إلى أنها تحول دون وقوع العذاب على الميت في القبر، ومعنى حيلولتها هو أنَّ الملتزم بهذه الإعمال يكون في منجى من عذاب القبر، فهي ترمز لذلك ظاهراً.‬
 
مسك الختام..
نختم الحديث برواية شريفة مؤثِّرة ومعبَّرة، قيل: لما ماتت فاطمة بنت أسد -والدة أمير المؤمنين (ع)- أقبل علي (ع)، وهو باك، فقال النبي (ص): ما يُبكيك؟ لا أبكى الله لك عيناً. فقال: توفيت والدتي يا رسول الله، فقال النبي (ص): بل والدتي يا عليّ، فقد كانت تجوِّع أولادها وتُشبعني، وتشعثُ أولادها وتدهنني، والله لقد كانت في دار أبي طالب نخلة، وكانت تُسابق إليها من الغداة، لتلتقط ما يقع منها في الليل، وكانت تأمر جاريتها فتلتقط ما يقع من الغلس، ثم تجنيه -رضي الله عنها- فإذا خرج بنو عمي، تُناولني ذلك. ثم نهض (ص) وأخذ في جهازها، وكفَّنها بقميصه (ص)، وكان في حال تشييع جنازتها يرفع قدماً ويتأنَّى في رفع الأخرى، وهو حافي القدم، فلما صلَّى عليها، كبَّر سبعين تكبيرة، ثم لحَّدها في قبرها بيده الكريمة، بعد أن نام في قبرها، ولقَّنها الشهادتين، فلما أُهيل عليها التراب، وأراد الناس الانصراف، جعل (ص) يقول لها: ابنك ابنك، لا جعفر ولا عقيل، فقالوا: يا رسول الله، فعلت فعلاً ما رأينا مثله قطّ، مشيك حافي القدم، وكبَّرت سبعين تكبيرة، ونومك في لحدها، وقميصك عليها، وقولك لها: ابنك ابنك، لا جعفر ولا عقيل! فقال (ص): فأما التأنِّي في وضع أقدامي ورفعها في حال تشييع الجنازة! فلكثرة ازدحام الملائكة. وأما تكبيري سبعين تكبيرة؛ فإنَّها صلى عليها سبعون صفاً من الملائكة. وأما نومي في لحدها؛ فإني ذكرتُ لها في أيام حياتها ضغطةَ القبر. فقالت: واضعفاه، فنمتُ في لحدها لأجل ذلك، حتى كفيتها ذلك. وأما تكفينها بقميصي؛ فإنِّي ذكرت لها حشر الناس عراة، فقالت: واسوأتاه، فكفَّنتها به لتقوم يوم القيامة مستورة. وأما قولي لها: ابنك ابنك، لا جعفر ولا عقيل؛ فإنَّها لما نزل عليها الملكان وسألاها عن ربَّها فقالت: الله ربي، فقالا لها من نبيُّك؟ فقالت: محمد نبيي، فقالا لها: من وليُّك وإمامك؟ فاستحيت أن تقول: ولدي فقلتُ لها: قولي ابنك علي بن أبي طالب (ع). فأقر الله بذلك عينها(‪22‬).‬
 الحمد لله رب العالمين و صلی الله علی محمد وال محمد الطیبین الطاهرین
‪1‬- سورة المؤمنون/ 100.‬
‪2‬- بحار الأنوار -العلامة المجلسي- ج18 ص323.‬
‪3‬- سورة المؤمنون/ 100.‬
‪4‬- بحار الأنوار -العلامة المجلسي- ج6 ص218.‬
‪5‬- الكافي - الشيخ الكليني - ج 3 ص 240.‬
‪6‬- الكافي - الشيخ الكليني - ج 3 ص 240.‬
‪7‬- سورة إبراهيم/ 27.‬
‪8‬- الكافي -الشيخ الكليني- ج3 ص236.‬
‪9‬- وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج21 ص359.‬
‪10‬- الكافي ?للشيخ الكليني- ج3/232.‬
‪11‬- وسائل الشيعة (آل البيت) - الحر العاملي - ج 1 ص 340.‬
‪12‬- الكافي -الشيخ الكليني- ج 2 ص 45.‬
‪13‬- بحار الأنوار -العلامة المجلسي- ج 47 ص 90.‬
‪14‬- عن أبي جعفر (ع) قال : (بينا رسول الله (ص) جالس في المسجد إذ دخل رجل فقام يصلي فلم يتم ركوعه ولا سجوده فقال (ص) : نقر كنقر الغراب لئن مات هذا وهكذا صلاته ليموتن على غير ديني). الكافي - الشيخ الكليني - ج 3 ص 268.‬
‪15‬- الكافي -الشيخ الكليني- ج3 ص241.‬
‪16‬- وسائل الشيعة (آل البيت) -الحر العاملي- ج9 ص33.‬
‪17‬- بحار الأنوار -العلامة المجلسي- ج79 ص227.‬
‪18‬- وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج3 ص255.‬
‪19‬- وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج3 ص255.‬
‪20‬- سورة البقرة/ 45.‬
‪21‬- بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج6 ص234.‬
‪22‬- الروضة في فضائل أمير المؤمنين -شاذان بن جبرئيل القمي- ص41.‬

,