طباعة

المدخل

ان شخصية اميرالمومنين على "ع" من اقوى الشخصيات التي عرفها التاريخ، و لست بسبيل ان افصل ما فيها من نبل و قوه و خصائص تستهوى الافئده، و انما سبيلى ان ابحث جانبا من جوانب هذه الشخصيه الرائعه المستفيضه. و هو جانب النظره الاجتماعيه فيها، تلك النظره التي اودعها نهج البلاغه و التي بلغت من العمق و البيان درجه اغرى سموها بعض اشياع الامويين و فريقا من الباحثين، الى نفيها عنه و الذهاب الى انها هديه الخلود صاغها للجد حفيده الشريف الرضى، الشاعر الموهوب غير ان هذه الاراء كثيره مبعثره و كثيرا ما يتكرر الراى الواحد اكثر من مره، و ليس 'نهج البلاغه' بمقسم تقسيما يفصل كل مجموعه متشابهه من الاراء عما عداها، و هذا هو موطن الصعوبه ولكنه ايضا مهمه الباحث، و على هذا فسنقسم الآراء الى:
1 ـ علاقه الانسان بربه.
2 ـ علاقه الانسان بنفسه.
3 ـ علاقه الانسان بغيره.
4 ـ ثم سياسه الدوله و هو باب متشعب كما سنرى.
و قد يعترض معترض بان القسمين الاولين الباحثين في علاقه الانسان بربه و علاقته بنفسه يجب ان يستبعدا من بحث مقصور على الاغراض الاجتماعيه اى على ما يقوم بين الناس من معاملات ليس منها، معاملات الفرد للخالق و لا لنفسه التي بين جنبيه ولكن هذا الاعتراض غير وجيه، الا بالنسبه للاراء الميتافيزيقيه البحته التي بحث فيها الامام بحثا مطولا عن منشاء الكون و علاقه الاجرام بعضها ببعض و كيفيه خلق الملائكه و البشر، تلك الاراء التي وجدناها خارجه عن موضوعنا فاستبعدناها.
اما علاقه الانسان بربه، فالمقصود بها هنا، الوصايا التي وجهها الامام الى مجتمعه ليعمل بها فيما يختص بالخالق الجليل و بذلك تكون اعمالا بشريه، ان لم تكن اجتماعيه بالمعنى العلمى الحرفى، فهى اجتماعيه لانها مطلوب القيام بها من الجماعه و لانها مظهر اجتماعى و موثر قوى في السلوك الاجتماعى البحث اى في سلوك الافراد ازاء بعضهم بعضا. اما فيما يختص بعلاقه الانسان مع نفسه فالمساله اوضح، لانا بتدريب انفسنا على منهج خاص نخلقها خلقا جديدا و هذا الخلق موثر ابعد التاثير في نوع تعاملنا مع الاخرين، و لان العدى موجوده في الخير و في الشر، فكوننا على هذا الحال او تلك اغراء لمن هم دوننا و لمن هم بمعرض التاثر بمثالنا، و على ان يحتذوا ذلك المثال، و لانا نحن مكونو المجتمع و كما نكون يكون.
هذا الا ان هذين القسمين شيء قليل بالنسبه للقسمين الاخرين اما عن علاقه الفرد بربه فقد ضمن نهج البلاغه بين دفتيه صفحات نادره في تمجيد الله و تحليل صفاته، و كثر فيه النصح بالقاء النفس الى الله كما جاء في وصيه الامام لابنه و بشكره على نعمائه و عدم الاغترار بما يوفق اليه من النجاح 'و اذا انت هديت لقصدك، فكن اخشع ما تكون لربك'.