• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

مقام أبي طالب عليه السلام في قريش

(اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِياؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُماتِ أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ)(1)

كان لأبي طالب (عليه السلام) مقام في قريش وفي أنحاء جزيرة العرب شامخاً مهماً لم يكن بأقل من مقام والده فيهم, ولم تكن شخصية أبيه فيهم على ظهورها بأظهر من شخصيته, والذي يلوح لنا من التاريخ والسير أن أبا طالب (عليه السلام) صارع أباه في حياته على السيادة والكمالات الروحية, ولذا كان شريك والده في كفالة النبي (صلى الله عليه وآله), ولما توفي والده انفرد وحده في كفالته كما هو مذكور في السيرة الحلبية،(2) كما انفرد بالزعامة المطلقة على حين أنه كان لا مال له كما ذكر ابن أبي الحديد في شرح النهج،(3) والمعلوم عن ذلك الوقت وغيره أن المادة الوحيدة للزعامة بعد الاستعداد هي المال ليس إلاّ, غير أن أبا طالب (عليه السلام) بمواهبه واستعداده ومكارم أخلاقه ومقدرته، ملك نفوس قريش وحل من قلوبهم محلاً علياً، وكان له فيهم المقام الكريم والجاه العظيم, فانقادت له الأمور واستوى على عرش الحكومة, وأقام صرح الرياسة على قاعدة الكفاءة.

ذلك مقام أبي طالب (عليه السلام) في قريش, ولا غرابة في أن يكون له في جزيرة العرب المقام الرفيع والصيت البعيد, ذلك لمقامه في بلد كرمه الله تعالى فجعل أفئدة من الناس تهوي إليه وحجيج الخلائق يأوي لديه على كل ضامر من كل فج عميق, ولقيامه في ذلك الحين بما أوجبه على نفسه من ضيافة فقراء الوفود ومساكينهم وأبناء السبيل, حيث ينزلهم في دار رفادته, ويرويهم ويروي الوفود كافة من سلسبيل سقايته, ولدى انقضاء أيام الموسم يصدر الناس أشتاتاً إلى الأقطار عن جفان كالجواب(4) وقدور راسيات, ولا شك في أن الجمع المتفرق في أنحاء الجزيرة عقيب تلك الأيادي التي هي طوق الهوادي كان يتلو سور حمده ويرتل آيات الثناء في الحل والترحال وفي كل كور وبلد.

هذا نموذج بعض محامده, وبه وبنحوه يمكن للرجل أن يتصور منزلته ورفعة مقامه في جزيرة العرب, بذلك كله يعترف المؤرخون.

يقول الآلوسي في بلوغ الأرب:(5) كان أبو طالب حاكم قريش وسيدها ومرجعها في الملمات. ويقول ابن أبي الحديد في شرح النهج(6) نحو ذلك, وأن السقاية والرفادة كانت له بعد أبيه, كذا في السيرة الدحلانية بهامش الحلبية،(7) وفي تاريخ الخميس:(8) أن الرفادة كانت له بعد أبيه.

وكذا اعترف المؤرخون بتقدمه في كمال النفس, وناهيك بذلك أن سن القسامة(9) في الجاهلية في دم عمرو بن علقمة فأثبتتها السنة في الإسلام, وحرم الخمر على نفسه فجاء بذلك القرآن.

ولما أراد الله تعالى أن يرفعه مكاناً علياً وأن يجعل له ذكراً خالداً على مر الدهور أضاف إلى عائلته إنسان الهداية وصاحب شرف العرب النبي العربي, ذلك لما توفي جده عبد المطلب, وكان ذلك حوالي سنة 578 ميلادية, وعمر النبي (صلى الله عليه وآله) إذ ذاك ثمان سنين, فانفرد أبو طالب (عليه السلام) في كفالته (صلى الله عليه وآله) وضمه إلى كنفه, وأحله محلاً علياً من قلبه, وأصغى إليه بوداده, وقدّمه في سائر الشؤون على كافة أولاده ـ كما في السيرة الحلبية.(10)

وكذا كانت تصنع معه (صلى الله عليه وآله) فاطمة بنت أسد (عليها السلام), تخصه بكل اعتناء, وتفضله بالحباء, وتحنو عليه بأفضل ما تحنو والدة على ولد, فنشأ (صلى الله عليه وآله) بين هذه العائلة في حجري أبي طالب وبنت أسد, وشب في ذلك البيت الرفيع العماد, والذي سبق بعنايته تعالى أن يخرج منه الهدى والنور للعالم بأسره, فياله من بيت شرف الله تعالى مقامه وأقام دعامه وأجل شأنه وفضله على بيوتات العالمين, وما أطيب نشره وأنمى غرسه, منه عبق طيب النبوة فعطر المشرق والمغرب, وفيه نما غرس الوصاية, وبه أكمل الله الدين وأتم النعم.

فلك أبا طالب سعادة الأبد في ابن أخيك نبي العالم وعظيم بني آدم, ولك الغبطة في أهلك وولدك أبطال السيف والقلم وأقطاب رحى العلم والحكم, فأنت بما أوتيت من هذه السعادة جدير بأن يخلد ذكرك ما خلد الدهر وما هتف باسم محمّد (صلى الله عليه وآله) وما تلي قرآنه قانون الأبد وتبيان كل شيء.

 [كفالته للنبي (صلى الله عليه وآله)]:

وكانت مهمة أبي طالب (عليه السلام) الوحيدة حينما انفرد بكفالة النبي (صلى الله عليه وآله) العناية التامة بخدمته (صلى الله عليه وآله) والقيام بواجبها أحسن قيام حسب ما تقتضيه عقود عمره (صلى الله عليه وآله), ذلك لما آنس منه الاستعداد الذي امتاز به عن سائر البشر, ولما تفرّس به فحائل سيادة العالم.

(أمّا) العقد الأوّل, فقد عنى في تربيته الجسدية جداً كما يظهر لنا من السير, وفي ذلك العقد ظهر من مواهب محمّد (صلى الله عليه وآله) ما بهر شيوخ الحكمة وأدهش فلاسفة العلم, ولذا كانت آمال أبي طالب (عليه السلام) تزداد فيه شيئاً فشيئاً, الأمر الذي كان من شأنه أن يستأنف نشاطه في النهوض بمهمات النبي (صلى الله عليه وآله) والقيام بخدماته.

(وأمّا) العقد الثاني, فإنه لما بلغ النبي (صلى الله عليه وآله) الثانية عشر من سنين عمره سار به أبو طالب (عليه السلام) إلى الشام كما هو في طبقات ابن سعد(11) ليوقفه على أحوال الأمم المختلفة والأقطار النائية المغايرة لإقليم قطره, تلك أصول التربية والتعليم, والنبي (صلى الله عليه وآله) وإنْ كان في غنية عن هذا بما آتاه الله من فضله غير أن أبا طالب (عليه السلام) أراد القيام بواجب التربية, وإن في سفر كمثل هذا السفر لمثل محمّد (صلى الله عليه وآله) العلم الكثير والفوائد الجمة؛ معرفة أحوال قرى ومدن ومواقع جغرافية, ومختلفات سير أمم وشعوب, واطلاع على عادات ومعتقدات, ومحور سياسة ملوك, وميول رعايا, واستكشاف آثار أمم ماضية وقرون خالية, وهذا ونحوه مدعاة للاستبصار والنظر والإمعان بالفكر.

في ذلك السفر الميمون فتحت في وجه أبي طالب (عليه السلام) الآمال الجسام, ذلك بما سمعه من الرهبان أمثال بحيرا ـ على ما ذكره ابن هشام في سيرته ـ(12) مما سيكون لابن أخيه من الشأن والعظمة في الأرض والسماء, وبما شاهده بأم عينه مما حصل لابن أخيه (صلى الله عليه وآله) من خوارق العادات؛ نظير تظليل الغمام له, وبهذا تحقق ما كان يسمعه قبل ذلك من أبيه عبد المطلب (عليه السلام) في شأنه, ولما بلغ النبي (صلى الله عليه وآله) الرابعة عشر أحضره أبو طالب معه في حرب فجار البراض ـ كما في السيرة الحلبية ـ(13) وهي حرب هاجت بين كنانة وبين قيس, فعاونت قريش كنانة, ذلك ليريه كيف تكون منازلة الأقران ومقارعة الفرسان, إلى غير ذلك من المهمات الحربية.

(وأمّا) العقد الثالث, فإنه لما بلغ النبي (صلى الله عليه وآله) الخامسة والعشرين كان هم أبي طالب (عليه السلام) الوحيد جعله مستقلاً في الإدارة, وطفق يرتأي ويفكر في إيجاد ثروة له (صلى الله عليه وآله) تصلح لإدارة شؤونه ليكون مكفه المؤونة في المعاش, فيتفرغ (صلى الله عليه وآله) للسعي وراء ما كان يتوسمه به أبو طالب من سيادة العالم بتقلده للوسام الإلهي, وضروري أن الثروة أعظم معين في النوائب وعند ملاقاة الشدائد والأهوال.

وبعد النظر العميق رأى أن أحسن شيء لما يحاوله وأقربه إنتاجاً أن يوجد صلة تجارية ومشاركة في الأرباح بين محمّد (صلى الله عليه وآله) وبين خديجة بنت خويلد سيدة القرشيات في عصرها حسباً ونسباً وهدياً وكمالاً وجمالاً, ذات الثراء والخول والإماء والتجارة الواسعة في ذلك المحيط, وكان نظر أبي طالب (عليه السلام) في ذلك وجل قصده انتقال ابن أخيه (صلى الله عليه وآله) مع خديجة من الصلة التجارية إلى الصلات الروحية, فتكون خديجة وما ملكت يدها في قبضته (صلى الله عليه وآله), لما يعلمه يقيناً من أن السيدة الجليلة سوف يشغل فراغ قلبها حب محمّد (صلى الله عليه وآله) بما تراه منه, مضافاً إلى ما تسمعه عنه في المعاشرة والمعاملة من كمال ذاته ترى يُمنَ طلعة, وغرة جبين, وصدق حديث, وسماجة أخلاق, وسماحة نفس, وعز عشيرة, وطيب سريرة, وحسن سمعة, وجميل اُحدوثة, ووفور حجى, وقدسي ذات, وتفرد صفات.

تلك نظرية أبي طالب (عليه السلام), فلم يرد أن يكون مثل ابن أخيه (صلى الله عليه وآله) خاطباً, بل أراد أن يكون مخطوباً, ولذا أعد الأسباب لتزويجه وثرائه في آن واحد, وأتى الأمور من أبوابها في مهماته له (صلى الله عليه وآله), شأن الوالد الشفيق الساهر على مصلحة ولده, ولم يذكر أبو طالب (عليه السلام) لابن أخيه الصادق الأمين ما مر بخاطره وما فكر فيه وما دبر, وإنما جاءه بطريق آخر هو عين الواقع على ما تقتضيه الحكمة والمتانة.

 [التجارة مع خديجة (عليها السلام)]:

يقول صاحب السيرة الحلبية:(14) إن أبا طالب (عليه السلام) قال للنبي (صلى الله عليه وآله): يا ابن أخي, أنا رجل لا مال لي وقد اشتد الزمان في القحط وألحت علينا سنون منكرة شديدة الجدب وليس لنا مادة ولا تجارة وهذه إبل قومك قد حضر وقت خروجها إلى الشام للتجارة, وهذه خديجة بنت خويلد تبعث رجالاً من قومك في إبلها فيتجرون لها ويصيبون منافع, فلو جئتها لذلك لأسرعت إليك وفضّلتك على غيرك لما يبلغها عنك من طهارتك, وإن كنت لأكره أن تأتي الشام أخاف عليك من اليهود, ولكن لا نجد لك من ذلك بداً, فقال له رسول الله (صلى الله عليه وآله): «فلعلها ترسل إليَّ في ذلك», فقال أبو طالب: إني أخاف أن تولي هذا العمل غيرك فتطلب أمراً مدبراً, فافترقا على ذلك.

فبلغ خديجة خبر ما دار بينهما, فقالت: ما علمت أنه يريد هذا, ثمّ أرسلت إلى النبي (صلى الله عليه وآله) وهي تقول: إني دعاني إلى البعثة إليك ما بلغني من صدق حديثك وعظم أمانتك وكرم أخلاقك وأنا أعطيك ضعف ما أعطي رجالاً من قومك, ففعل رسول الله (صلى الله عليه وآله), ولقي عمّه أبا طالب (عليه السلام) فذكر له ذلك, فقال: إن هذا الرزق ساقه الله إليك, فخرج (صلى الله عليه وآله) إلى الشام ومعه عبد لخديجة اسمه ميسرة, ولما بلغ (صلى الله عليه وآله) بصرى باع السلعة التي خرج بها فربح ومن معه ربحاً ما ربح التَجَرة قط مثله بيُمن طلعته, وشاهد ميسرة أموراً حصلت للنبي (صلى الله عليه وآله) هي من خوارق العادات لا يكون مثلها إلاّ لمن خصه الله بالعناية التامة, وفوق ذلك سمع من الرهبان في طريقه التبشير بنبوته, فحدّث ميسرة خديجة بذلك كله, وكانت خديجة رأت بأم عينها بعض ما حدّث به ميسرة, الأمر الذي سجل صدق حديث ميسرة, وبهذا تم لأبي طالب (عليه السلام) ما دبر, حيث وقعت هذه السيدة الجليلة بهوى النبي (صلى الله عليه وآله).

وكذا أضحت حائرة بين عاملين قويين؛ دافع ومانع, يدفعها الشوق المبرح لعرض نفسها على صاحب الفضيلة, ويمنعها الحياء من أن تخطب لنفسها, حتّى إذا سأمت المقام والحالة هذه, ثمّ رأت أن مثل ابن عبد الله يخطب ولا يتحاش من خطبته بالرغم عن معاكسة العادات والمراسم, ومر بخاطرها أن في الهيبة الخيبة وفي الحياء الحرمان, ولذا أفضت بسرها لإحدى صديقاتها وكانت تثق بها وهي نفيسة بنت منية, قالت لها: يا نفيسة هل لك أن تستعلمي لي خفيةً حال محمّد (صلى الله عليه وآله), فلعله يرغب في مثلي, فقالت نفيسة: حباً وكرامة, وتحملت نفيسة هذه الرسالة بنصح, فجاءت إلى النبي (صلى الله عليه وآله) ـ كما في السيرة الحلبية ـ(15) وقالت: ما يمنعك أن تتزوج؟ قال (صلى الله عليه وآله): «ما بيدي ما أتزوج به», فقالت: فإن كفيتك ذلك ودعوتك إلى المال والجمال والشرف والكفاية ألا تحب؟ قال: «فمن هي؟» قالت: خديجة, قال: «وكيف لي بذلك؟» قالت: بلى, وأنا أفعل, فرجعت نفيسة ميمونة النقيبة في هذه الرسالة تحمل شرف الأبد لخديجة, فأرسلت خديجة إلى النبي (صلى الله عليه وآله) تعين له الساعة التي يأتي فيها للخطبة, وأرسلت لذوي رحمها فأحضرتهم, وجاء رسول الله (صلى الله عليه وآله) مع جمع من أعمامه وفيهم سيدهم أبو طالب (عليه السلام) وهو الذي زوجه.

 [خطبة خديجة (عليها السلام)]:

فقال أبو طالب (عليه السلام): في خطبته: الحمد لله الذي جعلنا من ذرية إبراهيم وزرع إسماعيل وضئضئ معد وعنصر مضر, وجعلنا حَضَنة بيته وسواس حرمه, وجعله لنا بيتاً محجوجاً وحرماً آمناً, وجعلنا حكام الناس, ثمّ إن ابن أخي هذا محمّد بن عبد الله لا يوازن به رجل إلاّ رجح به شرفاً ونبلاً وفضلاً وعقلاً, وإن كان في المال قل فإن المال ظل زائل وعارية مسترجعة, وله والله بعد هذا نبأ عظيم وخطر جليل, وقد خطب إليكم رغبة في كريمتكم خديجة, وقد بذل لها من الصداق ما عاجله وآجله اثنا عشر أوقية ونشّاً(16)».

فقال ورقة بن نوفل: وأنتم والله أهل ذلك كله, لا ينكر العرب فضلكم, ولا يرد أحد من الناس فخركم وشرفكم, رغبتنا في الاتصال بحبلكم وشرفكم, فاشهدوا علي معاشر قريش أني قد زوجت خديجة بنت خويلد من محمّد بن عبد الله وذكر المهر, فقال أبو طالب (عليه السلام): أحببت أن يشركك عمّها.

فقال عمرو بن أسد: اشهدوا علي معاشر قريش أني أنكحت محمّد بن عبد الله خديجة بنت خويلد.

فأولم رسول الله (صلى الله عليه وآله) ونحر الإبل وأطعم الناس, ففرح أبو طالب (عليه السلام) الفرح الشديد وقال على ما في السيرة الحلبية:(17) «الحمد لله الذي أذهب عنا الكرب ودفع عنا الغموم».

وكذا بقي أبو طالب (عليه السلام) بقية العقد الثالث وحتّى أواخر العقد الرابع من سني عمر النبي (صلى الله عليه وآله) مغتبطاً به (صلى الله عليه وآله), وبما ساقه الله إليه من الخير الكثير بزواج سيدة القرشيات.

ومن باب:

وإذا استطال الشيء قام بنفسه
وصفات ضوء الشمس تذهب باطلاً

لم نتعرض لشيء من أحوال هذه السيدة الجليلة التي لها الأيادي البيض على الإسلام على أن ذلك خروجاً عن الموضوع أيضاً.

[نزول الوحي على النبي (صلى الله عليه وآله)]:

وكان أبو طالب (عليه السلام) يزداد سروراً كلما ازدادت منزلة محمّد (صلى الله عليه وآله) في نفوس قريش, غير أنه بفارغ الصبر كان ينتظر يوماً يُعطى به محمّد الوسام الإلهي, يوماً يهبط الناموس الأكبر من لدن جبار السماوات والأرض ويعقد على ذلك اليوم وما بعده نصرته, ولما كانت السنة الأخيرة من العقد الرابع تلك سنة أربعين من سني عمره (صلى الله عليه وآله) أكرمه الله بالرسالة في حراء بواسطة السفير جبرئيل, حيث ناداه: «يا محمّد أنا جبرئيل وأنت رسول الله لهذه الأمّة».

ثمّ تتابع عليه الوحي, فنهض عند ذلك بتبليغ ما أمر به, فكان أوّل ما فعله (صلى الله عليه وآله) من تبليغ رسالة ربه كما رواه جمع من المؤرخين عن ابن عبّاس: أنه (صلى الله عليه وآله) صعد على الصفا فهتف: «يا صباحاه», فاجتمعوا إليه, فقال: «يا بني فلان ويا بني فلان حتّى عدّ أكثر بطون قريش, أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلاً تخرج إليكم من سفح هذا الجبل أكنتم مصدقي؟» قالوا: نعم, ما خبرنا عليك كذباً وإنك فينا الصادق الأمين, فقال: «إني نذير لكم بين يدي عذاب شديد, قولوا: لا إله إلاّ الله محمّد رسول الله», فقاموا ينفضون أثوابهم ويقولون: جعل الآلهة إلهاً واحداً إن هذا إلاّ اختلاق, ورماه أبو جهل لعنه الله بحجر فشج جبهته فسالت الدماء على كريمته المباركة, وتتابعت عليه قريش يرمونه بالحجارة, فخرج (صلى الله عليه وآله) هارباً منهم إلى الجبال, وخرج عليّ في طلبه بعد ما بلغه صنع قريش به, وخرجت معه خديجة, فأخذ عليّ وادياً وخديجة آخر وهما يناديان: يا أبا القاسماه يا محمّداه في أي وادٍ أنت ملقى؟ وكان جبرئيل (عليه السلام) عند النبي (صلى الله عليه وآله) فلما نظر إلى خديجة تقوم وتقع وقد أبكت لبكائها ملائكة السماء, فقال: يا محمّد أوَما تنظر خديجة كيف أبكت ملائكة السماء؟ فادعها إليك, فدعاها النبي (صلى الله عليه وآله), فلما انتهت إليه ورأته سالماً اطمأنت وذهب روعها (18) .

* * *
(1) البقرة: 257.
(2) ج 1: 117.
(3) ج 15: 219.
(4) الجواب: جمع جابية، والجابية: الحوض الذي يجمع فيه الماء.
(5) ج 1: 324/ ط 2.
(6) ج 15: 219.
(7) ج 1: 17.
(8) ج 1: 177.
(9) القسامة بالفتح: هي الأيمان تقسم على أولياء القتيل إذا ادعوا الدم، يقال: قتل فلان بالقسامة إذا اجتمعت جماعة من أولياء القتيل فادعوا على رجل أنه قتل صاحبهم وكان معهم أمارة غير البينة فحلفوا خمسين يميناً أن المدعى عليه قتل صاحبهم، وهؤلاء الذين يقسمون على دعواهم يسمون قسامة.
(10) ج 1: 313/ ط مصر.
(11) ج 1: 121.
(12) ج 1: 169/ ط مصر.
(13) ج 1: 127/ ط مصر.
(14) ج 1: 132/ ط مصر.
(15) ج 1: 137/ ط مصر.
(16) الأوقية: أربعون درهماً، والنش: نصف الأوقية، أي عشرون درهماً، وكان ذلك المسمى من الذهب، فيكون جملة الصداق خمسمائة درهم شرعياً، وذلك يساوي 175 ليرة عثمانية تقريباً في عصرنا هذا.
(17) ج 1: 139/ ط مصر.
(18) أنظر نحو هذا في: بحار الأنوار 18: 242.


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
اللطميات
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page