قَالَ [عمر بن الخطاب ] يَا ابْنَ عَبَّاسٍ، أَتَدْرِي مَا مَنَعَ قَوْمَكُمْ مِنْهُمْ بَعْدَ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟
فَكَرِهْتُ أَنْ أُجِيبَهُ فَقُلْتُ: إِنْ لَمْ أَكُنْ أَدْرِي فَإِنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ يُدْرِينِي!
فَقَالَ عُمَرُ: كَرِهُوا أَنْ يَجْمَعُوا لَكُمُ النُّبُوَّةَ وَالْخِلَافَةَ، فَتَبَجَّحُوا عَلَى قَوْمِكُمْ بَجَحًا بَجَحًا، فَاخْتَارَتْ قُرَيْشٌ لِأَنْفُسِهَا فَأَصَابَتْ وَوُفِّقَتْ.
فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنْ تَأْذَنْ لِي فِي الْكَلَامِ وَتُمِطْ عَنِّي الْغَضَبَ تَكَلَّمْتُ.
قَالَ: تَكَلَّمْ.
قُلْتُ: أَمَّا قَوْلُكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ: اخْتَارَتْ قُرَيْشٌ لِأَنْفُسِهَا فَأَصَابْتَ وَوَفِّقْتَ، فَلَوْ أَنَّ قُرَيْشًا اخْتَارَتْ لِأَنْفُسِهَا حِينَ اخْتَارَ اللَّهُ لَهَا لَكَانَ الصَّوَابُ بِيَدِهَا غَيْرَ مَرْدُودٍ وَلَا مَحْسُودٍ. وَأَمَّا قَوْلُكَ: إِنَّهُمْ أَبَوْا أَنْ تَكُونَ لَنَا النُّبُوَّةُ وَالْخِلَافَةُ، فَإِنَّ اللَّهَ - عَزَّ وَجَلَّ - وَصَفَ قَوْمًا بِالْكَرَاهَةِ فَقَالَ: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ} [محمد: 9] .
فَقَالَ عُمَرُ: هَيْهَاتَ وَاللَّهِ يَا ابْنَ عَبَّاسٍ، قَدْ كَانَتْ تَبْلُغُنِي عَنْكَ أَشْيَاءُ كُنْتُ أَكْرَهُ أَنْ أُقِرَّكَ عَلَيْهَا فَتُزِيلَ مَنْزِلَتَكَ مِنِّي.
فَقُلْتُ: مَا هِيَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟ فَإِنْ كَانَتْ حَقًّا فَمَا يَنْبَغِي أَنْ تُزِيلَ مَنْزِلَتِي مِنْكَ، وَإِنْ كَانَتْ بَاطِلًا فَمِثْلِي أَمَاطَ الْبَاطِلَ عَنْ نَفْسِهِ.
فَقَالَ عُمَرُ: بَلَغَنِي أَنَّكَ تَقُولُ: إِنَّمَا صَرَفُوهَا عَنْكَ حَسَدًا وَبَغْيًا وَظُلْمًا.
فَقُلْتُ: أَمَّا قَوْلُكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ: ظُلْمًا، فَقَدْ تَبَيَّنَ لِلْجَاهِلِ وَالْحَلِيمِ، وَأَمَّا قَوْلُكَ: حَسَدًا، فَإِنَّ آدَمَ حُسِدَ وَنَحْنُ وَلَدُهُ الْمُحَسَّدُونَ.
فَقَالَ عُمَرُ: هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ! أَبَتْ وَاللَّهِ قُلُوبُكُمْ يَا بَنِي هَاشِمٍ إِلَّا حَسَدًا لَا يَزُولُ.
فَقُلْتُ: مَهْلًا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، لَا تَصِفْ قُلُوبَ قَوْمٍ أَذْهَبَ اللَّهُ عَنْهُمُ الرِّجْسَ وَطَهَّرَهُمْ تَطْهِيرًا بِالْحَسَدِ وَالْغِشِّ، فَإِنَّ قَلْبَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ قُلُوبِ بَنِي هَاشِمٍ.
فَقَالَ عُمَرُ: إِلَيْكَ عَنِّي يَا ابْنَ عَبَّاسٍ.
فَقُلْتُ: أَفْعَلُ
الكامل في التاريخ: ابن الأثير، أبو الحسن ج : 2 ص : 440
هل تعلم لماذا منع القوم الخلافة عن بني هاشم ؟
- الزيارات: 331