طباعة

جعلوا ما فعلوه سمة لأولادهم

 

و حدّثني شيخ بالقاهرة من أهل المغرب كان يخدم القاضي أبا سعيد ابن العارفي رحمه اللّه أنّه كان ممّن يحمل هذا الرأس في المغرب و هو صبيّ في ليلة عاشوراء، فرأى هذا من فرط المحبّة لأهل البيت عليهم السّلام، و شدّة التفضيل لهم على الأنام.
و قد سمع هذه الحكاية بعض المتعصّبين لهم، فتعجّب منها و أنكرها، و قال:

ما يستجيز مؤمن أن يفعلها،
فقلت: أعجب منها حمل رأس الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليهم السّلام على رمح عال، و خلفه زين العابدين عليه السّلام مغلول اليدين إلى عنقه، و نساؤه و حريمه معه سبايا مهتّكات على أقتاب الجمال، يطاف بهم البلدان، و يدخل بهم الأمصار التي أهلها يظهرون الإقرار بالشهادتين، و يقولون: إنّهم من المسلمين، و ليس فيهم منكر، و لا أحد ينفر، و لم يزالوا بهم كذلك إلى دمشق و فاعلو ذلك يظهرون الإسلام، و يقرأون القرآن، ليس منهم إلّا من قد تكرّر سماعه قول اللّه سبحانه: قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى‌[1]، فهذا أعظم من حمل رأس بقرة في بلدة واحدة.

و من عجيب قولهم: إنّ أحدا لم يشر بهذا الحال، و يستبشر بما جرى فيها من الفعال، و قد رأوا ما جرى قرّره شيوخهم، و رسمه سلفهم، من تبجيل كلّ من نال من الحسين صلوات اللّه عليه في ذلك اليوم منالا، و آثر في القتل به أثرا، و تعظيمهم لهم، و جعلوا ما فعلوه سمة لأولادهم.

فمنهم في أرض الشام: بنو السراويل، و بنو السرج، و بنو سنان، و بنو المحلي، و بنو الطشتي، و بنو القضيبي، و بنو الدرجي.

و أمّا بنو السراويل: فأولاد الذي سلب سراويل الحسين عليه السّلام.

و أمّا بنو السرج: فأولاد الذين أسرجت خيله لدوس جسد الحسين عليه السّلام، و وصل بعض هذه الخيل إلى مصر، فقلعت نعالها من حوافرها و سمّرت على‌ أبواب الدور ليتبرّك بها، و جرت بذلك السنّة عندهم حتّى صاروا يتعمّدون عمل نظيرها على أبواب دور أكثرهم.

و أمّا بنو سنان: فأولاد الذي حمل الرمح الذي على سنانه رأس الحسين عليه السّلام.

و أمّا بنو المكبّري: فأولاد الذي كان يكبّر خلف رأس الحسين عليه السّلام، و في ذلك يقول الشاعر[1]:

و يكبّرون بأن قتلت و إنّما
        

قتلوا بك التكبير و التهليلا
        

و أمّا بنو الطشتي: فأولاد الذي حمل الطشت الذي ترك فيه رأس الحسين عليه السّلام، و هم بدمشق مع بني الملحي معروفون.

و أمّا بنو القضيبي: فأولاد الذي أحضر القضيب إلى يزيد لعنه اللّه لنكت ثنايا الحسين عليه السّلام.

و أمّا بنو الدرجي: فأولاد الذي ترك الرأس في درج جيرون‌[2]، و هذا لعمرك هو الفخر باب من أبواب دمشق إلى الواضح، لو لا أنّه فاضح.

و قد بلغنا أنّ رجلا قال لزين العابدين عليه السّلام: إنّا لنحبّكم أهل البيت، فقال عليه السّلام:


أنتم تحبّونا حبّ السنّورة[3]
        

من شدّة حبّها لولدها تأكله»

أ ترى هذا عن محبّة و مصافاة، و خالص مودّة و موالاة؟ أ لم يروا ما فعل قبل ذلك من لعن أمير المؤمنين عليه السّلام على المنابر ثمانين سنة ليس فيها مسلم ينكر حتّى أنّ أحد خطبائهم بمصر نسى أن يلعن أمير المؤمنين عليه السّلام على المنبر في خطبته و ذكر ذلك في الطريق عند منصرفه، فلعنه حيث ذكر قضاء لما نسيه، و قياما بما يرى أنّه فرض، و قد لزم و بنى في ذلك المكان مسجدا و هو باق إلى الآن بسوق وردان‌[1] يعرف بمسجد الذكر، و هدم في بعض السنين لأمر من الأمور فرأيت في موضعه سرجا كثيرة و آثار بخور لنذور، و قيل لي: إنّه يؤخذ من ترابه و يتشافى به، ثمّ بني بعد ذلك و عظم أمره.