طباعة

رابعاً: مقام الصحابة ليس بأفضل من أزواج النبي’

 إنّ التشرّف بصحبة النبيّ’ لم يكن أكثر امتيازاً وتأثيراً من التشرف بالزواج من النبيّ’، وقد قال سبحانه في شأن أزواجه: {يَا نسَآءَ النبيّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَة مُبَيِّنَة يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً}([179]).
وصحبة الصحابة لم تكن بأكثر ولا أقوى من صحبة امرأة نوح وامرأة لوط فما أغنت الصحبة عنهما من اللّه شيئاً، قال سبحانه: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ امْرَأَةَ نُوح وَامْرَأَةَ لُوط كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئاً وَقِيلَ ادْخُلاَ النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ}([180]).
ونقرأ لك يا أخي ما ورد عن أكابر علماء السنّة في تفسير هذه الآية الشريفة:
قال ابن الجوزي: «قوله عزّ وجلّ {فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئاً} أي: فلم يدفعا عنهما من عذاب اللّه شيئاً، وهذه الآية تقطع طمع من ركب المعصية ورجا أن ينفعه صلاح غيره، ثمّ أخبر أنّ معصية الغير لا تضرّ المطيع، بقوله تعالى: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ} وهي آسية بنت مزاحم (رضي اللّه عنها)، وقال يحيى بن سلام: ضرب اللّه المثل الأوّل يحذر به عائشة وحفصة (رضي اللّه عنهما)، ثمّ ضرب لهما هذا المثل يرغبهما في التمسّك بالطاعة وكانت آسية قد آمنت بموسى»([181]).
وقال الطبري بعد نقله الآية الشريفة: «لم يغن صلاح هذين عن هاتين شيئاً، وامرأة فرعون لم يضرّها كفر فرعون. ثمّ روى عن بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ امْرَأَةَ نُوح وَامْرَأَةَ لُوط...} الآية، هاتان زوجتا نبي اللّه لمّا عصتا ربّهما، لم يغن أزواجهما عنهما من اللّه شيئاً»([182]).
وقريب منه عن القرطبي في تفسيره([183]).
وقال ابن قيّم الجوزية: «ثمّ في هذه الأمثال من الأسرار البديعة ما يناسب سياق السورة، فإنّها سيقت في ذكر أزواج النبيّ (صلّى الله عليه وسلّم) والتحذير من تظاهرهنّ عليه، وأنهنّ إن لم يطعن اللّه ورسوله (صلّى الله عليه وسلّم) ويردن الدار الآخرة، لم ينفعهنّ اتصالهنّ برسول اللّه (صلّى الله عليه وسلّم)، كما لم ينفع امرأة نوح ولوط اتّصالهما بهما، ولهذا ضرب لهما في هذه السورة مثل اتّصال النكاح دون القرابة.
قال يحيى بن سلام: ضرب اللّه المثل الأوّل يحذّر عائشة وحفصة، ثمّ ضرب لهما المثل الثاني يحرضهما على التمسّك بالطاعة»([184]).
وأوضح منه ما أورده الشوكاني بقوله: «وما أحسن من قال: فإن ذكر امرأتي النبيّين بعد ذكر قصّتهما ومظاهرتهما على رسول اللّه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يرشد أتمّ إرشاد ويلوح أبلغ تلويح إلى أنّ المراد تخويفهما مع سائر أمّهات المؤمنين وبيان أنّهما وإن كانتا تحت عصمة خير خلق اللّه وخاتم رسله; فإنّ ذلك لا يغني عنهما من اللّه شيئاً...»([185]).
--------------------
([179]) الأحزاب: 30.

([180]) التحريم: 10.

([181]) ابن الجوزي، زاد المسير: ج8 ص56، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

([182]) الطبري، جامع البيان: ج82 ص217ـ 218، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

([183]) القرطبي، الجامع لأحكام القرآن: ج81 ص201، الناشر: مؤسسة التاريخ العربي ـ بيروت.

([184]) ابن قيم الجوزية، الأمثال في القرآن: ص57، الناشر: مكتبة الصحابة ـ طنطا.

([185]) الشوكاني، فتح القدير: ج5 ص256، الناشر: عالم الكتب.