السؤال:
هل حدیث العشرة المبشرة صحیح؟
الجواب:
حدیث العشرة المبشرة حدیث یدعی ان النبی الاکرم صلی الله علیه و آله اوعد فیه الی عشرة اشخاص من اصحابه الجنة؛ لکن بصرف النظر عن المناقشة فی سند هذا الحدیث، يواجه هذا الحديث العديد من المشاكل النصية و الدلالية، و التي نذكرها فی الأدنی.
عدم اطلاع هؤلاء الاشخاص مما وعدهم النبی صلي الله عليه و آله:
من الذین یعتبر عند علماء اهل السنة من العشرة المبشرة هو سعد بن ابي وقاص؛ لکن نفس سعد بن ابي وقاص هو لم یقبل حديث العشرة المبشرة؛ لانه نقل رواية عن النبی صلي الله عليه و آله هکذا:
عن عامر بن سعد قال سمعت أبي يقول ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لحي يمشى انه في الجنة الا لعبد الله بن سلام
صحيح مسلم – مسلم النيسابوري – ج 7 ص 160
حسب هذا الحديث عن النبی صلي الله عليه و آله اوعد شخصا واحدا بالجنة و ذاک الشخص هو عبد الله بن سلام، الحال اهل السنة اما ان یرفعوا الید عن صحة کتاب صحيح مسلم و یقولون ان الحدیث الذی نقل لعبد الله بن سلام كذب او ان یقولوا ان الحديث العشرة المبشرة کذب؛ لانه لا یمکن ان النبی یوعد سعد بن ابي وقاص و تسعة اخر بالجنة؛ و الحال ان سعد نفسه لم یطلع علی الموضوع.
الحرب و سفک الدماء بين العشرة المبشرة:
قتل عثمان بید العشرة المبشرة:
من الاشكالات الواردة علی حديث العشرة المبشرة هو ان عمل هؤلاء الاشخاص شاهد علی انهم لم یعتقدوا بانهم من اهل الجنة؛ فضلا عن انهم یشککوا فی اسلام بعضهم لبعض حتی انهم یبیحون دم واحد للآخر.
علی سبیل المثال طلحة و الزبير الذین هما شخصین من العشرة المبشرة خالفا اکثر المخالفة مع عثمان و هو من العشرة المبشرة ایضا و اوصلا الامر الی حد حتی سببا قتل عثمان و بقی جسد عثمان 3 ایام علی الارض و لم یسمحوا ان تدفن جنازة عثمان فی مقبرة المسلمین.
التهديد بقتل العشرة المبشرة بید عمر:
كان عمر بن الخطاب قد اخترع طريقة جديدة لخلافته لم يفعلها النبي و لا أبو بكر.
و أمر الی أمیرالمؤمنين علي(ع) و عثمان و طلحة و الزبير و سعد بن أبي وقاص و عبد الرحمن بن عوف بالاستشارة و انتخاب الخليفة.
النقطة المهمة في هذه القصة، و التي تتعلق بموضوع مناقشتنا، هي الأوامر التي يعطيها لهؤلاء الأشخاص الستة:
فان اجتمع خمسة ورضوا رجلا وأبى واحد فاشدخ رأسه أو اضرب رأسه بالسيف وان اتفق أربعة فرضوا رجلا منهم وأبى اثنان فاضرب رؤسهما فان رضى ثلاثة رجلا منهم وثلاثة رجلا منهم فحكموا عبد الله بن عمر فأي الفريقين حكم له فليختاروا رجلا منهم فإن لم يرضوا بحكم عبد الله بن عمر فكوتوا مع الذين فيهم عبد الرحمن بن عوف واقتلوا الباقين
تاريخ الطبري – محمد بن جرير الطبري – ج 3 ص 294
إذا كان هؤلاء من العشرة المبشرة و وعدهم النبي صلى الله عليه و آله و سلم بالجنة، فكيف يأمر عمر إذا حدث هذا الشيء او غیره بقطع رؤوسهم؟
هل يضرب عمر رقبة من وعده النبي صلى الله عليه و آله و سلم بالجنة؟
عدم اعتقاد الخلفاء بحديث العشرة المبشرة:
و من الاشکالات الواردة علی هذا الحديث أن أحدا من الخلفاء لم يؤمن بهذا الحديث. لأن مثل هذا الحديث لم يصدر عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم. فلو روى النبي صلى الله عليه و آله و سلم هذا الحديث لاستخدموه الخلفاء لمصلحتهم في موقف مناسب. على سبيل المثال، عندما كان عدد قليل جدًا من المهاجرين مع الأنصار في سقیفة بني ساعدة و كانوا يتجادلون فيما بينهم على الخلافة لدرجة أنهم داسوا على سعد بن عبادة و ركلوه ، فهذه أفضل فرصة. ليقول أبو بكر: لقد وعدنا النبي صلى الله عليه و آله و سلم بالجنة؛ لذلك ، نحن اهل الجنة لنا الأسبقية على الخلافة.
حالة أخرى عندما انزعج الناس من ظلم عثمان و تبعیضه و حاصر منزله مجموعة من الصحابة بتحريض من عائشة لقتله. فهنا یتمکن عثمان ان یقول کیف بکم تقصدوا قتل شخص الذی اوعده النبی ص بالجنة؟ عندما يجد الإنسان نفسه في مثل هذا الموقف الذي يريدون قتله، فإنه يبذل قصارى جهده للهروب من أصغر فتحة لنفسه، و الاستناد بحدیث العشرة المبشرة في الظروف التي عاشها عثمان يمكن على الأقل جعل المهاجمين يفكرون قليلاً حتی ینصرفوا عن قتله و یکتفوا بخلعه من الخلافة.
لكننا نرى أن لا أبو بكر و لا عمر في السقيفة و لا عثمان في الحصار احتجوا بهذا الحديث و هذا مما يدل على أن هذا سبب آخر لبطلان هذا الحدیث.
آمال الخلفاء:
مشكلة أخرى التی أوردوها علی هذا الحدیث هي التعارض بين هذا الحدیث و الروايات التي يتم التعبير عن رغبات الخلفاء فيها، علی سبیل المثال کان ابوبكر یأمل هکذا:
عن الضحاك قال رأى أبو بكر الصديق طيرا واقعا على شجرة فقال طوبى لك يا طير والله لوددت أني كنت مثلك تقع على الشجرة وتأكل من الثمر ثم تطير وليس عليك حساب ولا عذاب والله لوددت أني كنت شجرة إلى جانب الطريق مر علي جمل فأخذني فادخلني فاه فلاكني ثم ازدردني ثم أخرجني بعرا ولم أكن بشرا
المصنف – ابن أبي شيبة الكوفي – ج 8 ص 144
و في هذا الحدیث يقول أبو بكر صراحة أنه يخاف من الحساب و العقاب بعد ذلك. في حين أن الشخص الموعود بالجنة يجب ألا يخاف الموت بعد الآن و يجب أن تكون لديه الرغبة في الوصول إلى الله.
کذلک عمر ایضا فی رغباته یقول:
فقال عمر رضي الله عنه يا ليتني كنت كبش أهلي سمنوني ما بدا لهم حتى إذا كنت كأسمن ما يكون زارهم بعض من يحبون فذبحوني لهم فجعلوا بعضي شواء وبعضه قديدا ثم أكلوني ولم أكن بشرا
شعب الإيمان – أحمد بن الحسين البيهقي – ج 1 ص 485
يجب على الشخص الذي ينتظر أن يلتقي بالله، و وُعد بالجنة، لابد أن يشكر الله ألف مرة على أنه خلقه إنسان و كان قادرًا على بلوغ الكمال و العيش في أعلى جنة الفردوس الإلهية؛ لكن هذه المخاوف و هذا الهروب من کونه إنسانا يدلان على أن الحساب الإلهي صعب جدًا على مثل هذا الشخص و أن العذاب المؤلم ينتظره. كما قال أمير المؤمنين علي (ع) عندما ضربه ابن ملجم على رأسه بالسيف، قال: فزت و رب الكعبة.
توضح هذه الجملة أن ما هو طاهر في الحساب لم يخشى الحساب.
رد الحدیث بید امیرالمومنین علیه السلام:
و في كتاب سليم بن قيس الهلالي محادثة بين أمير المؤمنين (ع) و الزبير، و هي بالنسبة لحديث العشرة المبشرة، و نصه على النحو التالي:
أصحاب الجمل ملعونون على لسان رسول الله صلى الله عليه وآله فقال عليه السلام : نشدتكما بالله ، أتعلمان وأولوا العلم من آل محمد وعائشة بنت أبي بكر ( أن أصحاب الجمل وأهل النهروان ملعونون على لسان محمد صلى الله عليه وآله ) وقد خاب من افترى ؟ فقال الزبير : كيف نكون ملعونين ونحن من أهل الجنة ؟ فقال علي عليه السلام : لو علمت أنكم من أهل الجنة لما استحللت قتالكم . فقال الزبير : أما سمعت رسول الله يقول يوم أحد : ( أوجب طلحة الجنة ، ومن أراد أن ينظر إلى شهيد يمشي على الأرض حيا فلينظر إلى طلحة ) ؟ أوما سمعت رسول الله يقول : ( عشرة من قريش في الجنة ) ؟ رد أمير المؤمنين عليه السلام حديث العشرة المبشرة فقال علي عليه السلام : فسمهم . قال : فلان وفلان وفلان ، حتى عد تسعة ، فيهم أبو عبيدة بن الجراح وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل . فقال علي عليه السلام : عددت تسعة ، فمن العاشر ؟ قال الزبير : أنت فقال علي عليه السلام : أما أنت فقد أقررت أني من أهل الجنة ، وأما ما ادعيت لنفسك وأصحابك فإني به لمن الجاحدين . والله إن بعض من سميت لفي تابوت في جب في أسفل درك من جهنم ، على ذلك الجب صخرة إذا أراد الله أن يسعر جهنم رفع تلك الصخرة
کتاب سلیم بن قیس – سلیم بن قیس الهلالی الکوفی – ص 327 و 328
و في هذا الحدیث أنكر أمير المؤمنين صراحةً صدور مثل هذا الحدیث عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم ، و أشار إلى أحد عيوب هذا الحدیث، و هو أننا إذا كنا من اهل الجنة فلابد ان لا نقاتل بعضنا البعض و لانعتبر حرب بعضنا مع البعض مشروع.
اضطراب الحدیث من حیث اشخاص العشرة المبشره:
عيب آخر في هذا الحديث هو عدم معرفة أهل هذه العشرة المبشرة، و إذا أردنا أن نحسب جميع الأشخاص المذكورين على أنهم من العشرة المبشرة، فقد یتجاوزوا العشرة.
في إحدى روايات هذا الحديث يعتبر أبو عبيدة من المبشرين العشرة:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر في الجنة وعمر في الجنة وعثمان في الجنة وعلى في الجنة وطلحة في الجنة والزبير في الجنة و عبد الرحمن بن عوف في الجنة وسعد بن أبي وقاص في الجنة وسعيد بن زيد في الجنة وأبو عبيدة بن الجراح في الجنة
سنن الترمذی – الترمذی – ج 5 ص 311
أما في رواية حاكم النيسابوری في المستدرك فقد ورد اسم ابن مسعود مكانه.
قال رسول الله صلى الله عليه وآله عشرة في الجنة فذكر أبا بكر وعمر وعثمان وعليا وطلحة والزبير وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص وسعيد بن زيد وعبد الله ابن مسعود رضي الله عنهم
المستدرک علی الصحیحین – الحاکم النیسابوری – ج 3 ص 316 و 317
في الحدیث الوارد في سنن ابن ماجه وسنن أبي داود: لا اسم لأبي عبيدة ولا لابن مسعود. و بدلا من ذلك ذكر اسم النبي صلى الله عليه و آله و سلم:
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم عاشر عشرة فقال أبو بكر في الجنة وعمر في الجنة وعثمان في الجنة وعلى في الجنة وطلحة في الجنة والزبير في الجنة وسعد في الجنة وعبد الرحمن في الجنة فقيل له من التاسع؟ قال أنا
سنن ابن ماجه – محمد بن یزید القزوینی – ج 1 ص 48
کذلک فی سنن ابی داود ذکر هذا الحدیث بهذا الشکل:
عشرة في الجنة النبي في الجنة وأبو بكر في الجنة وعمر في الجنة وعثمان في الجنة وعلى في الجنة وطلحة في الجنة والزبير بن العوام في الجنة وسعد بن مالك في الجنة و عبد الرحمن ابن عوف في الجنة ولو شئت لسميت العاشر قال فقالوا من هو فسكت قال فقالوا من هو فقال هو سعيد بن زيد
سنن أبی داود – سلیمان بن الأشغث السجستانی – ج 2 ص 401 و 402
و في هذا الحدیث عن سنن أبي داود عرف سعد بن مالك كواحد من المبشرين العشرة. و أما في حدیث آخر في نفس الكتاب فقد جاء سعد بن أبي وقاص من المبشرين العشرة:
فأشهد على التسعة إنهم في الجنة ولو شهدت على العاشر لم إثم قال ابن إدريس والعرب تقول آثم قلت ومن التسعة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على حراء أثبت حراء إنه ليس عليك إلا نبي أو صديق أو شهيد قلت ومن التسعة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر وعثمان وعلى وطلحة والزبير وسعد بن أبي وقاص و عبد الرحمن بن عوف قلت ومن العاشر فتلكأ هنية ثم قال أنا
سنن أبی داود – سلیمان بن الأشغث السجستانی – ج 2 ص 401
جعل الحديث في صالحك:
و مما يثير الشكك في هذا الحدیث أن أسماء عبد الرحمن بن عوف و سعيد بن زيد، رواة هذا الحدیث، من أسماء الموعودین بالجنة. بينما لم يروِ باقي الاشخاص الذين كانت أسماؤهم من المبشرين العشرة مثل هؤلاء، مما يجعل المرء يشعر أن هذه الأحادیث قد تمت في نسق الأمويين لخلق الفضائل.
أما عبد الله بن عمر، و هو من رواة هذا الحديث، فإما أنه لم يكن يعلم بمثل هذا الحدیث و نسبه إليه زوراً انه روى مثل هذا الحدیث، أو أنه هو نفسه حاول خلق فضيلة لوالده. و هو في ذلك لم ينتبه أنه إذا زور مثل هذا الحديث فعليه أن يلتزم بعواقبه، و من عواقب هذا الحديث على عبد الله بن عمر أن يبایع أمير المؤمنين كواحد من العشرة المبشرة. لكن عبد الله بن عمر يرفض مبايعة أمير المؤمنين علیه السلام ، و هذا فعل عبد الله بن عمر يدل على أن هذا الحدیث باطل من الأساس. لذلك فإن عبد الله بن عمر لم یلتزم بلوازمه.
و من الله التوفیق