طباعة

تعلّق الإرادة الأزليّة بأفعال العباد

تعلّق الإرادة الأزليّة بأفعال العباد

 

 

إن قلت : أنّ الإرادة الأزليّة إن تعلّقت بصدور الفعل من العبد فيصدر قهراً ولا يمكنه الترك وإلاّ لزم تخلّف إرادته تعالى عن مراده وهو محال ، فإنّه سبحانه إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون ، وإن تعلّقت بعدم صدوره منه فلا يمكن صدوره ويكون ممتنعاً ، فيدور الأمر بين الضرورة والامتناع . وعلى كلّ تقدير لا  يكون العبد مختاراً في الفعل والترك بل هو مضطر إلى أحدهما .

قلت : إنّ الأفعال الاختياريّة لا  تكون متعلّقة للإرادة الأزليّة أصلاً فلا تكون الإرادة الأزليّة متعلّقة بصدورها ولا بعدم صدورها ليدور الأمر بين الضرورة والامتناع بل الإرادة الأزليّة قد تعلّقت بكون العبد مختاراً ، إن شاء فعل وإن شاء ترك ، فلو لم يكن العبد مختاراً لزم تخلّف إرادته تعالى عن مراده . نعم ، له تعالى علم بأنّه يفعل أو يترك باختياره ، ومن المعلوم أنّ العلم لا  يوجب الوجوب أو الامتناع ، فإنّه عبارة عن انكشاف الواقع عنده تعالى ، فكل ما يفعله العبد باختياره فهو منكشف عنده سبحانه قبل وقوعه ، فليس له هناك اجبار واضطرار إلى الفعل أو الترك .

هذا مضافاً إلى ما يجيء التعرّض له قريباً إن شاء الله تعالى من أنّ إرادته تعالى ليست من صفاته الذاتيّة القديمة ، بل من صفاته الفعليّة التي هي عبارة عن المشيئة وإعمال القدرة ، ولذا تقع بعد أدوات الشرط ، كما في قوله تعالى (إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ)([1]) .

فإذاً لا  يمكن تعلّق إرادته تعالى بالأفعال الاختياريّة للعبد ; لأنّ الإرادة بمعنى إعمال القدرة يستحيل تعلّقها بفعل الغير ; ضرورة أنّه لا  يعقل إلاّ في الأفعال التي تصدر من الفاعل بالمباشرة ، وكيف يمكن التفوّه بأنّ الأفعال القبيحة من الكفر والظلم ونحوهما ـ التي قد تصدر من العبد ـ صادرة منه تعالى بالمباشرة وإعمال القدرة ، وكيف يمكن القول بصدور ما لا  ينبغي صدوره من العبد منه تعالى ، وكيف يمكن الإلتزام بأنّه يصدر منه تعالى ما لا  يرضى بصدوره من عبده ؟ !

وبالجملة : القول بتعلّق إرادته وإعمال قدرته تعالى بالأفعال الاختياريّة للعبد في غاية الضعف والسقوط ، فالعبد هو الذي يفعل ويباشر العمل باختياره حسناً كان أو قبيحاً . نعم ، إعطاء المقدّمات كالقدرة والحياة منه تعالى على نحو ]تقدّم [بيانه مفصّلاً عند الردّ على مذهب التفويض .

نعم ، لو شاء سبحانه وتعالى عدم صدور بعض الأفعال من العبد أبدى المانع عنه أو رفع المقتضي له ، وهذا غير تعلّق إرادته بأفعالهم بالمباشرة كما هو واضح([2]) .

 

 

--------------------------------------------------------------------------------

[1] يس: 82 .

[2] مصباح الاُصول ج1 / القسم 1 : 263 ـ 265 .