طباعة

إذا كثرت الغواية وقلَّت الهداية

إذا كثرت الغواية وقلَّت الهداية

 

«إذا كثرت الغواية وقلَّت الهداية»([1]).

الغواية لغةً: الضّلال، وفلان ضالّ عن الدرب أي لم يهتدِ إلى الدرب أو إلى الحقيقة، وإذا كثرت الغواية أي كثر الضالّون والضّلال هو البعيد عن الهدف والمطلوب، قال تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الجِنَّ وَالإنْسَ إلاَّ لِيَعْبُدُونَ)([2])، والإنس اليوم يعبد الدنيا، يعبد الدينار، يعبد النّساء، يعبد الكرسي والمنصب، يعبد الملذّات، يعبد رؤساء الدول، يعبد المؤسّس للحزب والأمين العام ولا يعصي له أمراً، أمَّا طاعة الله، أمَّا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أمَّا الفروض والواجبات، أمَّا الحلال والحرام، أمَّا ما جاء به القرآن الكريم والنبيّ المصطفى (صلى الله عليه وآله) والأئمّة الهداة الميامين (عليهم السلام) ففي ذلك نظر، لأنَّ النظام الداخلي للحزب يوجب ترك الصوم والصَّلاة، ويعزل الدّين عن السياسة، لا بل محاربة الدّين والمتديّنين، وما رأيناه من فلسفة حزب البعث والحزب الشيوعي أكبر دليل، كثرت الغواية، وخرجت النّاس من الدّين القويم إلى طاعة القادة والمنظرين في الأحزاب، وجلّهم إن يكونوا صليبيّين أو صهاينة، فهم علمانيّون، وجوديّون، لا يؤمنون بالدّين والحقّ ويسمّون الدّين أفيون الشعوب، في حين الدّين هو ذاك الدّين الذي بسط الذراعين شرقاً وغرباً، وأنجب العلماء الفطاحل الذين تدين لهم البشريّة بالشيء الكثير، والذين لا زالت مؤلّفاتهم وأفكارهم تُدرس اليوم في أرقى جامعات العالم، حيث بسببهم فُتحت الآفاق العلميّة وتخرج الكثيرون من العلماء والمفكّرون والأساتذة، وتطوّرت بسببهم العلوم والمعارف وحلّت بأفكارهم المسائل الشائكة.

نعم العدوّ أضلّ الكثير الكثير، لأنَّه يعرف أنَّ النّاس إن اهتدوا خرجوا عن طاعته، وخرجت كثير من المصالح من يديه بسبب هدايتهم، ولذا صدَّر المبادي الهدّامة، والتي لحمتها وسداها التفريق والإختلاف والتخاصم والتقاتل، واليوم ما يبثّه العدوّ من برامج خلاعية فاضحة وأفلام القتل والسرقة ورعاة البقر، وما يحرّفه عن العلماء الأعلام، وما ينسبه إلى الدّين بالباطل، وما يبثّه من السموم القاتلة في غسل الأدمغة، وشحن القلوب بالمسائل الخلافيّة السياسيّة والمذهبيّة ليلاً ونهاراً، الغرض منه إضلال النّاس عمّا هم عليه، وإبعادهم عن الدّين وأحكام الدّين، لأنَّه يعرف أنَّ مركز الثقل وقوّة المجتمع الإسلامي هو الدّين، ولذا نجده بثَّ الجواسيس والمنحرفين في الحوزات العلميّة وفي الجامعات لأجل تشويه السمعة وجعل الطلبة ينحرفون عن الواقع الحوزوي وصرف النظر عن العلوم والآداب إلى الشهوات والمغريات، لذا نشأ الكثير من هؤلاء، وأخذوا بمعاول الحقد يهدّمون صرح الدّين، ويكونون سبباً في قتل الأحرار من العلماء والفضلاء والطلبة النجباء، وأخذ الخطباء منهم في لعن العلماء والقول فيهم بما لم ينزل به سلطان، وأخذ المؤلّفون منهم يكتبون من غير خجل ولا وجل ما يندى له الجبين، هذا لا سند له وذاك ضعيف وآخر لا يليق، يحذفون ويدخلون في الدّين ما ليس فيه، ويُشكلون إشكالات جوفاء على عظماء الدّين ورجالات المسلمين كما فعل سلمان رشدي المرتدّ، وغيره من أضرابه، ووصل بضعاف الإيمان أن يحذفوا من القرآن آيات وآيات، ويقولوا فيه العُجب العُجاب، من أجل أهداف شيطانيّة.

نعم كثر الضّلال والإضلال، وقلَّت الهداية، لقلّة الناصح المخلص والعالم الربّاني، والخطيب الصّادق الذي يقول ويفعل.

لا أُولئك المرتزقة الذين يقولون ما لا يفعلون، والمربّي الناصح والأُمّ المخلصة التي جهادها حُسن التبعّل، وتربية النشيء تربية صحيحة بعيداً عن سموم الأعداء، والمناهج المستوردة الهدّامة.

 

 

--------------------------------------------------------------------------------

([1]) بشارة الإسلام، ص: 149.

([2]) الذاريات / 56.