طباعة

المصارحة المرة

المصارحة المرة

وقد تقدمت كلمات أمير المؤمنين (عليه الصلاة والسلام) التي صرح فيها بأن العرب كرهت أمر محمد (صلى الله عليه وآله)، وحسدته على ما آتاه الله من فضله، واستطالت أيامه، حتى قدفت زوجته، ونفرت به ناقته.
ولولا أن قريشاً جعلت اسمه ذريعة للرياسة، وسلما إلى العز والإمرة، لما عبدت الله بعد موته يوماً واحداً.
وعلى هذا، فإن من الطبيعي جداً: بعد أن جرى ما جرى منهم معه (صلى الله عليه وآله) في منى وعرفات وبعد أن تأكد لديهم إصرار النبي (صلى الله عليه وآله) معاملة غريبة، وبصورة بعيدة حتى عن روح المجاملة الظاهرية.
وقد واجههم رسول الله (صلى الله عليه وآله) بهذه الحقيقة، وصارحهم بها، في تلك اللحظات بالذات.
ويتضح ذلك من النص المتقدم في الفصل السابق والذي يقول: عن جابر بن عبد الله: أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) نزل بخم فتنحى الناس عنه، ونزل معه علي بن أبي طالب، فشق على النبي تأخر الناس، فأمر علياً، فجمعهم، فلما اجتمعوا قام فيهم متوسد (يد) علي بن أبي طالب، فحمد الله، وأثنى عليه، ثم قال:
(أيها الناس، إنه قد كرهت تخلفكم عني، حتى خيل إلي: أنه ليس شجرة أبغض إليكم من شجرة تليني)(21).
وروى ابن حبان بسند صحيح على شرط البخاري، - كما رواه آخرون باسانيد بعضها صحيح أيضاً:
إنه حين رجوع رسول الله (صلى الله عليه وآله) من مكة، - حتى إذا بلغ الكديد (أو قدير) جعل ناس من أصحابه يستأذنون، فجعل (صلى الله عليه وآله) يأذن لهم.
فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله):
(ما بال شق الشجرة التي تلي رسول الله أبغض إليكم من الشق الآخر؟
قال: فلم نر من القوم إلا باكياً، قال: يقول أبو بكر: إن الذي يستأذنك بعد هذا لسفيه في نفسي الخ)(22).