طباعة

الحدث الخالد

الحدث الخالد

أن من طبيعة الزمن في حركته نحو المستقبل، وابتعاده عن قضايا الماضي، وهو أن يؤثر في التقليل من أهمية الأحداث الكبيرة، التي يمر بها، وتمر به، ويساهم في أفولها شيئا فشيئا، حتى تصبح على حد الشبح البعيد البعيد، ثم قد ينتهي بها الأمر إلى أن تختفي عن مسرح الذكر والذاكرة، حتى كأن شيئا لم يكن.
ولا تحتاج كبريات الحوادث في قطعها لشوط كبير في هذا الاتجاه إلى أكثر من بضعة عقود من الزمن، مشحونة بالتغيرات والمفاجآت.
وحتى لو احتفظت بعض معالمها - لسبب أو لآخر - بشئ من الوضوح، ونالت قسطا من الاهتمام، فلا يرجع ذلك إلى أن لها دورا يذكر في حياة الإنسان وفي حركته، وإنما لأنها أصبحت تاريخا مجيدا يبعث الزهو والخيلاء لدى بعض الناس، الذين يرون في ذلك شيئا يشبه القيمة، أو يعطيهم بعضا من الاعتبار والمجد بنظرهم.
ولكن قضية الغدير، رغم مرور الدهور والأحقاب، وبعد ألف وأربع مئة سنة زاخرة بالتقلبات العجيبة، وبالقضايا الغريبة، ومشحونة بالحروب والكوراث، بالعجيب من القضايا والحوادث .
ورغم المحاولات الجادة، والمتتابعة للتعتيم علنها، وإرهاقها بالتعليلات غير المعقولة، باردة كانت أو ساخنة، بهدف حرفها عن خطها القويم، وعن الاتجاه الصحيح والسليم..
وكذلك رغم ما عاناه ويعانيه المهتمون بها من اضطهاد وغربة، وتشريد ومحنة، وما يصب على رؤوسهم من بلايا ومصائب، وكوارث ونوائب.
نعم رغم ذلك كله وسواه، فإن هذه الحادثة بما تمثله من قضية كبرى للإيمان وللإنسان، قد بقيت ولسوف تبقى القضية الأكثر حساسية وأهمية، لأنها الأكثر صلة بالإيمان وبالإنسان، ولأنها الأعنق تأثيرا في حياة هذا الكائن، وفي بنية شخصيته من الداخل، وعلى علاقاته بكل من وما يحيط به، أو يمت إليه بأدنى صلة أو رابطة  من الخارج.
وهي كذلك القضية الأكثر مساسا وارتباطا بمستقبل هذا الإنسان، وبمصيره، إن في الدنيا، وإن في الآخرة.
وهذا بالذات هو السر في احتفاظ هذه القضية بكل حيويتها، وحساسيتها بالنسبة إليه، على مر الدهور، وتعاقب العصور، ولسوف تبقى كذلك كما  سيتضح فيما يأتي.