طباعة

الغدير، والإمامة


إن من يراجع كتب الحديث والتاريخ، يجدها طافحة بالنصوص والآثار الثابتة، والصحيحة، الدالة على إمامة علي أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام، ولسوف يجد أيضاً: أن النبي (صلى الله عليه وآله) لم يأل جهدا، ولم يدخر وسعا في تأكيد هذا الأمر، وتثبيته، وقطع دابر مختلف التعللات والمعاذير فيه، في كل زمان ومكان، وفي مختلف الظروف والأحوال، على مر العصور والدهور.
وقد استخدم في سبيل تحقيق هذا الهدف مختلف الطرق والأساليب التعبيرية وشتى المضامين: فعلا وقولا، تصريحا، وتلويحا، إثباتا ونفيا، وترغيبا وترهيبا، إلى غير ذلك مما يكاد لا يمكن حصره، في تنوعه، وفي مناسباته.
وقد توجت جميع تلك الجهود المضنية، والمتواصلة باحتفال جماهيري عام نصب فيه رسميا على (عليه السلام) في آخر حجة حجها رسول الله (صلى الله عليه وآله). وأخذت البيعة له فعلا من عشرات الألوف من المسلمين، الذين يرون نبيهم للمرة الأخيرة.
وقد كان ذلك في منطقة يقال لها (غدير خم) واشتهرت هذه الحادثة باسم هذا المكان. وهي أشهر من أن تذكر . وقد المحنا إلى ذلك في أول هذا البحث.
ولسنا هنا في صدد البحث عن وقائع ما جرى، واستعراض جزئياته، ولا نريد توثيقه بالمصادر والأسانيد، ولا البحث في دلالاته ومراميه المختلفة. فقد كفانا مؤونة ذلك العلماء الأبرار،جزاهم الله خير جزاء وأوفاه(3).
وإنما هدفنا هو الإلماح إلى حدث سبقه بفترة وجيزة، وهو ما حصل ـ تحديدا ـ في حجة الوداع، التي نصب فيها النبي (صلى الله عليه وآله) عليا إماما لأمة، وهو في طريق عودته منها إلى المدينة.
وذلك لأن التعرف على هذا الحدث الذي سبق قضية  الغدير لسوف يمكننا من أن نستوضح جانبا من المغزى العميق الذي يكمن في قوله تعالى: (والله يعصمك من الناس)(4).