طباعة

مقدمة ابن كثير

مقدمة ابن كثير([1])

 

فصل في إيراد الحديث الدال على أنه ( النبي ) (صلى الله عليه وآله وسلم) خطب بمكان بين مكة والمدينة مرجعه من حجة الوداع قريب من الجحفة ـ يقال له غدير خم ـ فبين فيها فضل علي بن أبي طالب وبراءة عرضه مما كان تكلم فيه بعض من كان معه بأرض اليمن ، بسبب ما كان صدر منه إليهم من المعدلة التي ظنها بعضهم جوراً وتضييقاً وبخلاً ، والصواب كان معه في ذلك ، ولهذا لما تفرغ (عليه السلام) من بيان المناسك ورجع إلى المدينة بين ذلك في أثناء الطريق ، فخطب خطبةً عظيمةً ([2]) في اليوم الثامن عشر من ذي الحجة عامئذ وكان يوم الأحد بغدير خم تحت شجرة هناك ، فبيّن فيها أشياء ([3]) . وذكر من فضل علي وأمانته وعدله وقربه إليه ما أزاح به ما كان في نفوس كثير من الناس منه .

ونحن نورد عيون الأحاديث الواردة في ذلك ونبين ما فيها من صحيح وضعيف بحول الله وقوته وعونه ، وقد اعتنى بأمر هذا الحديث أبو جعفر محمد بن جرير الطبري صاحب التفسير والتاريخ فجمع فيه مجلدين أورد فيهما طرقه وألفاظه ، وساق الغث والسمين والصحيح والسقيم ، على ما جرت به عادة كثير من المحدِّثين يوردون ما وقع لهم في ذلك الباب من غير تمييز بين صحيحه وضعيفه .

وكذلك الحافظ الكبير أبو القاسم بن عساكر أورد أحاديث كثيرة في هذه الخطبة ([4]) .

ونحن نورد عيون ما روي في ذلك مع إعلامنا أنه لا حظّ للشيعة فيه ، ولا متمسك لهم ولا دليل لما سنبينه وننبه عليه ([5]) ، فنقول وبالله المستعان ([6]) :

 

 

--------------------------------------------------------------------------------

[1] البداية والنهاية 5 : 227 .

[2] لم يذكرها ابن كثير ، كما لم يذكرها كثير ممن روى هذه الواقعة ، مع أن ابن كثير يصفها بأنها  عظيمة ! يا تراها أين ذهبت؟ ومن صادرها من كتب التاريخ والحديث؟!

[3] هكذا هي الأمانة العلمية! ما هي هذه الأشياء يا ابن كثير؟ نراكم تهتمون باُمور لا تستحق الذكر ، وتمرون على ما يبين فضل أمير المؤمنين على عليه السلام مرور الكرام ، وكأنما الأمر لا يعنيكم من قريب ولا بعيد .

[4] لقد غاب عن ذهن ابن كثير فائدة إيراد الحديث الضعيف!

                 فأولاً : ليس الضعيف كلمة تساوق معنى الموضوع والمكذوب ، بل الحديث الضعيف يحتمل صدوره ولا يعلم كذبه وإن كان راويه ضعيفاً ، بخلاف الموضوع فإنه مما يقطع بكذبه وعدم صدوره .

                 ثانياً : أنّ الحديث وإن كان ضعيفاً إلاّ أنّه يفيد في تحصيل التواتر ، فإنه إذا تعددت الطرق وإن كان بعضها بل كلها ضعيفاً لكن ربما تصل من الكثرة بحيث يؤمن جانب الكذب فيها ويمتنع تواطؤ المخبرين على الكذب ، كما هو واضح لمن كانت له أدنى دراية بالموضوع .

                 ثالثاً : نلاحظ ابن كثير يتشدد في ما يروى من الفضائل في حق الإمام علي عليه السلام ويغض النظر عن ما يروى في حق غيره ، مع أن التهمة فيما يروى في حق غيره أولى وأقرب ، لما علم من سيرة باعة الحديث وسماسرة الكلمة الخائنة الذين تصدوا لفضائل الإمام علي عليه السلامورووا مثلها أو عينها في حق غيره! .

[5] هذا هو السر الذي يدعو ابن كثير وأمثاله لإخفاء وتضعيف ما ورد في حق الإمام علي عليه السلام ، وكأنما الإمام علي عليه السلام هو للشيعة فقط ، ولم يعلم أنهم ـ أهل السنة ـ قد خسروا خسراناً مبيناً حينما تركوا أحاديث الرسول صلى الله عليه وآله وسلم فيه جانباً وقاسوه بغيره ، بل أنزلوا من مقامه في سبيل إعلاء اسم غيره!

                 ثم إن ابن كثير لم يستند في دعواه هذه إلى دليل ، ولم يفِ بوعده من البيان ، وقد بينا في المقدمة أن حديث الغدير من الأحاديث التي تأخذ بعنق المؤمن للاعتراف بولاية أمير المؤمنين على عليه السلام ، ولا ينكر ذلك إلاّ من طبع على قلبه ، والحمد لله على هدايته لدينه والتوفيق لما دعا إليه من سبيله .

[6] لا يخفى أنا قدمنا حديث الغدير بطرقه على حديث سرية اليمن كما نبهنا عليه في المقدّمة فلا تغفل ، وأبقينا هذه المقدّمة على حالها .