السياسة الإعلامية في حكومة الإمام علي (عليه السلام)
عمار البغدادي(1)
يتأسس ثقل النظرية الإعلامية في الحكومة الإسلامية على خلفية فلسفية، كونية لها علاقة عضوية بمهام وأهداف الشريعة الإسلامية في حياة المجتمع المدني الإسلامي.
يقول الإمام علي (عليه السلام) (والصق بأهل الورع والصدق ثم صنهم على أنه لا يُطروك ولا يبجحوك بباطل لم تفعله، فإن كثرة الإطراء تُحدث الزهو وتُدني من العزّة) ووفق هذه القاعدة أمكن للإمام أن يؤسس أهم المبادئ الواقعية في خطاب الإعلام الإسلامي في الدولة التي حكمها فترة تزيد عن أربع سنوات، وأهم هذه المبادئ الواقعيّة. أي مكاشفة الأمة بما يدور في أروقة القرار السياسي الإسلامي ومصارحة الطبقات الشعبية جميعها بما يجول في خاطر القيادة من أهداف وطموحات تتصل بالإمامة على العالم ونشر خطاب الحرية في الإسلام على جميع شرائح المجتمع الإنساني - ومن المبادئ - والكذب على الأمة حيث وُجد الإعلام سواءً المدارس الجامعية أو على أعواد الخطابة والتأليف والشعراء والأدباء وحفّاظ القرآن والمبلّغون للشريعة لتزكية الأمة وتعريفها بإسلامها وزرع الهداية في نفوس أبنائها وتحصين ذاتها من أورام الجاهلية ودنسها في الثقافة والسياسة ومواجهة الفتن.
يقول الإمام علي (عليه السلام): - في وصيّة طويلة للفقيه والوالي مالك الأشتر - (وأشعر قلبك الرحمة للرعية والمحبة لهم واللطف بهم ولا تكونن عليهم سبُعاً ضارياً) وهنا يضيف الإمام مبان أخرى للنظرية الإعلامية وسُبُل معالجتها للأمراض والآفات السياسية في المجتمع، وفوق على الارتقاء بالعمل السياسي والإداري والاهتمام بالرعية بنفس المستوى الذي يمكنه تغذية جانب الاهتمام بالإعلام الذي وُجِد لهدف الارتفاع بالعقل الاجتماعي العام إلى درجة فهم الشريعة والعمل بدوافعها وفلسفتها الميدانية في الحياة المدنية والإنسانية.
إنّ قول الإمام لمالك الأشتر لا يقتصر على الجانب السياسي والإداري والقضائي والاقتصادي في إدارة بلد كإقليم مصر الذي يعرف الإمام في مقدار الدعاية الرومانية ضد أهله بعد أن تمّ فتحها بالسيف أيام الخلفاء بل يضع الإمام هدف التغيير بالإعلام لكي تأتي العملية القيادية وإدارة هذا الإقليم مستوفية لشروطها ومن هنا كان الإمام يلح ان تكون أهداف إبلاغ (الإعلام) موازية للأهداف التغييريّة - القيادية الأخرى، كون العلاقة التي يهدف إليها (إعلام الإمامة) لا تقتصر على ضرورة استتاب الأمن والاستقرار والطمأنينة السياسية في مصر مثلاً بل كان يطمح ان يشكّل الإعلام واحدة من الآليات الواقعيّة والسياسية والروحيّة المرتبطة بالإمامة القادرة على تربية أمة بكل حياتها. وخطاب الإمام (عليه السلام) لمالك الأشتر، يكرّس نظرية الإسلام في الإعلام الاجتماعي البنّاء ويحيي النفس بعد موتها على يد المفاهيم السلطوية التي سادت قبل حكومة الإمام علي (عليه السلام) حيث كانت المفاهيم تلك يغلب عليها طابع الدعوة للذات السياسية - السلطوية مع إضفاء طابع التحريض العشائري القبلي الذي يكرّس بدوره مفاهيم الجاهلية القبلية القائمة على السيف والإباحة والدم.
لهذا كان الإمام علي (عليه السلام) واضحاً في الحديث عن الإمام التغييري القادر على بناء الأمة السليمة المعافاة من أمراض الجاهلية وأدرانها فهاهو مخاطبٌ العقل الاجتماعي السياسي الخاص والعام في الأمة الإسلامية الموزعة آنذاك على اثنتين وخمسين دولة بالقول: (لا تكن عبد غيرك وقد جعلك الله حرّاً) متحدّياً بذلك كافة المقاييس السلطوية القبلية التي سادت مجتمع الدعوة بعد وفاة القائد النبي (صلى الله عليه وآله) وهنا كان الإمام (عليه السلام) وهو القائد والزعيم والإمام للأمة يقوم بوظيفة (تحريض الأمة) على نبذ شعوذة التقاليد السياسية والنفسية التي انطلقت من عقالها الجاهلي وسادت إلى حين ولايته.
وإذا كان خطاب الإعلام في حكومة الإمام علي (عليه السلام) استنهض كوامن العزّة والكرامة الذاتية للإنسان من ان هوى الحاكم وعبوديته وأسره فإنه خاطب العقل العام عبر ماكنة هذا الإعلام بالقول (ان سخط العامة يجحف برضا الخاصة وان سخط الخاصة يُغتفر مع رضا العامة وليس أحدٌ من الرعية أثقل على الوالي مؤونة في الرضا وأقل معونة له في البلاء هو أكره للإنصاف وأسأل بالإلحاف وأقلّ شكراً عند الإعطاء وأبطأ عذراً عند المنع وأضعف صبراً عند ملمّات الدهر من أهل الخاصة). وبهذا نبّه إعلام الإمام من الخطر التي تشكّله الخاصة على أوساط الجمهور العام وطبقات المجتمع السياسي وأهل المعرفة وحتى عن قدرة الحاكم وعقله وإمكانياته في إدارة البلاد كونهم شُذاذٌ لا يعيشون إلا في الزوايا المنعمة وشكايا الرضا من دون أن يكون لهم دور في قرار الدولة أو مساهمةٌ في العلاقة بالمجتمع وأهدافه العامة.
من هنا يكن بيان صورة واقعيات الدولة الإسلامية التي حكمها علي (عليه السلام) عبر ما يلي:
1 ـ إن الإعلام في رؤية الإمام (عليه السلام) خطاب قائم على خلفية وجود الشريعة الإسلامية في الحياة الإنسانية - ووجوده لا يعني إنه نظام قائم بذاته بل وجوده يعني اعتباره آلية تخدم الشريعة وتُعينها لخدمة أغراضها في الحياة الإنسانية.
2 ـ هو خطاب تربوي يهدف إلى ترويض النفس والحياة وحركة التاريخ في حال وجود الدولة الحاكمة بالقول المتعدد الاتجاهات لكنه ينقلب إلى خطاب تحريضي استنهاضي حين تداهن الكرامة الإنسانية ويعتدى عليها وتهان شخصية الإنسان والدولة والشريعة التي جاءت تعبرة المجتمع الإنساني والإسلامي على السواء.
3 ـ يتعامل هذا الإعلام مع الواقعيات ولا يعد المجتمع الإسلامي بالقول المثالي كون هذا العنوان مرتبط بالجهد الاجتماعي العام ومدى قدرة هذا الجهد في تعزيز دور الشريعة في الحياة وبهذه الواقعية يكن للإنسان ان يتدرج في السمو ويتبنّى شخصيته ودولته على خلفية البناء الطبيعي لأبناء القفزات المفاجئة.
4 ـ هو خطابٌ يدعو إلى بناء حضارة الشورى والتعددية ونبذ الاستبداد وإقامة دولة الإسلام.
على هدى الإيمان والسلام.
الهوامش
1 - كاتب وباحث.
