• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

مقام الإمام الجواد (عليه السلام) العلمي

إن من يستقرئ سيرة الأئمة من أهل البيت (عليهم السلام) يجد أن كل إمام منهم كان هو البارز من علماء عصره في علوم الشريعة والحياة، لذا يكون مفزع العلماء، ومرجع المفكرين والفقهاء. فكانت مدرسة أئمة أهل البيت (عليهم السلام) من لدن فقيه الأمة، وإمام العلماء(1)، ومرجع الصحابة، أبيهم علي بن أبي طالب (عليه السلام) وحتى آخر إمام من الأئمة الاثني عشر، من تلك الذرية المباركة، والبيت المطهر، فهي إذن مدرسة واضحة المعالم، محددة الأسس والأركان والمنهج.
ساهم الأئمة الاثنا عشر المطهّرون، والعلماء الذين تربوا في مدرستهم، وحلقات درسهم، وأخذوا عنهم علوم الإسلام، ساهموا في إنشاء تلك المدرسة، وتثبيت أركانها العلمية، وتوسيع آفاقها، في التوحيد والتفسير والفقه والحديث وعلوم الفلسفة والكلام وأصول الفقه وغيرها من العلوم والمعارف الإسلامية، حتى تميّزت تلك المدرسة العلمية على مرّ العصور، من بين مدارس المذاهب والفرق الإسلامية الأخرى، بثراء عطائها واستمرار روافدها، في علم التوحيد والفقه والأصول والحديث ومنهج البحث والتفكير والاستنباط... إلخ.
وهي اليوم أبرز مدرسة، وأغنى منهج وعطاء علمي في معارف الإسلام، وعلوم الشريعة قاطبة. وقد ساهم الإمام الجواد (عليه السلام) طيلة مدة إمامته التي دامت نحو سبعة عشر عاماً في إغناء هذه المدرسة العلمية، وحفظ تراثها، والتي امتازت في تلك المرحلة بالاعتماد على النصّ والرواية عن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وعلى الفهم والاستنباط من الكتاب والسنة، استنباطاً مُلتزِماً دقيقاً، يكشفُ حقيقةَ المحتوى العلمي لهذين المصدرين، ويعبِّر عن الحكم الواقعي فيهما، بالإضافة إلى اهتمامها بالعلوم والمعارف العقلية، التي ساهم الأئمة وتلامذتهم في إنمائها، وإغنائها، وتوسيع مداراتها، حتى غدت صرحاً شامخاً، وحصناً منيعاً للفكر الإسلامي وللشريعة الإسلامية.
ومن الأسس العلمية التي قامت عليها هذه المدرسة هي:
1 - المحافظة على تراث النبوة، وما حوى من رواية وسيرة، ونقلُهُ أميناً كاملاً، عبر سلسلة الأئمة من لدن الإمام علي (عليه السلام) وولديه السبطين الشهيدين الحسن والحسين (عليهما السلام)، وحتى آخر إمام منهم، ونشره بين المسلمين جميعاً، خصوصاً وأنّ المسلمين مُجمِعون على أمانة أهل البيت ووثاقتهم، وصدق ما يصدر عنهم.
2 - احترام دور العقل في الفهم والتفسير، وتوظيفه في مجال الفهم والاستنباط الملتزم بالكتاب والسنة وفي مجال العلوم العقلية، كعلم الكلام والفلسفة، للدفاع عن الإسلام، والرد على خصومه، والعابثين بنقائه وأصالته.
 
وقد اعتمدوا لتنفيذ منهجهم هذا عدة أساليب من أشهرها:
أ - أسلوب التدريس وتعليم التلامذة والعلماء، القادرين على استيعاب علوم الشريعة ومعارفها، وحثهم على الكتابة والتدوين، وحفظ ما يصدر عن أئمة أهل البيت (عليهم السلام)، أو أمرهم بالتأليف والتصنيف ونشر ما يحفظون لبيان علم الشريعة، وتعليم المسلمين وتفقيههم، أو للرد على الأفكار المنحرفة، والفهم الخاطئ الذي وقع فيه الكثيرون.
وقد تكون من حول كل إمام من أئمة أهل البيت (عليهم السلام) تلامذة ورواة ينقلون عنهم ويروون ويؤلّفون ويكتبون.
وقد مارس الإمام الجواد (عليه السلام) هذا الدور، كما ممارسه آباؤه. ويذكر علماء الرجال والحديث عدداً من أصحاب الإمام الجواد (عليه السلام) الذين تربّوا على يده، وأخذوا عنه، أو عن آبائه، العلوم والمعارف الإسلامية، فصاروا حلقة وصل بين الأمة والإمام.
وقد عدّ الشيخ الطوسي في كتابه الرجالي أصحاب الإمام الجواد (عليه السلام) ورواتَهُ الذين تلقوا عنه ورَوَوْا وتتلمذوا عليه نحو مائة من الرواة الثقات، منهم امرأتان.
وقد روى هؤلاء العلماء عن الإمام الجواد (عليه السلام)، وألّفوا كتباً، وصنّفوا في مختلف العلوم والمعارف الإسلامية، فأغنوا تلك المجالات، وأخصبوا يقظة الفكر، وأثروا المدرسة الإسلامية. وفيما يلي نذكر على سبيل المثال لا الحصر بعض ما روى علماء الرجال والمحققون عنهم:
1 - من أصحاب الإمام الجواد (عليه السلام) أحمد بن محمد بن خالد البرقي، فقد تحدّث عنه علماء الرجال، بأنه: (صنف كتباً كثيرة، ثمّ ذكر جملة منها، وذكره النجاشي في رجاله، وعدّ من تصانيفه، نيّفاً وتسعين كتاباً)(2).
2 - علي بن مهزيار الأهوازي الذي تحدّث عنه الشيخ الطوسي بقوله:
(علي بن مهزيار الأهوازي (رضي اله عنه)، جليل القدر، واسع الرواية، ثقة، له ثلاثة وثلاثون كتاباً، مثل كتاب الحسين بن سعيد، وزيادة كتاب حروف القرآن، وكتاب الأنبياء، وكتاب البشارات)(3).
3 - ومنهم صفوان بن يحيى، الذي وصفه الشيخ الطوسي بقوله:
(أوثق أهل زمانه عند أصحاب الحديث وأعبدهم. وكان يصلي كل يوم خمسين ومائة ركعة، ويصوم في السنة ثلاثة أشهر ويخرج زكاة ماله في السنة ثلاث مرّات. وروى(4) عن الرضا والجواد، وروى عن أربعين رجلاً من أصحاب أبي عبد الله الصادق (عليه السلام)، وله كتب كثيرة مثل كتاب: الحسين بن سعيد، وله مسائل عن أبي الحسن موسى الكاظم (عليه السلام) وروايات)(5).
4 - ومن أصحاب الإمام الجواد (عليه السلام) علي بن موسى، وهو عم أبيه علي بن جعفر الصادق، ابن محمد الباقر ابن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليه السلام)، قال الحافظ الرازي في كتابه الرجالي، الذي عرّف فيه الرواة في باب حديثه عن الإمام موسى بن جعفر، جدّ الإمام الجواد (عليه السلام):
(موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، روى عن أبيه، روى عنه ابنه علي بن موسى وأخوه علي بن جعفر، سمعت أبي يقول ذلك، إنّ عبد الرحمن، قال: سئل أبي عنه فقال: ثقة صدوق، إمام من أئمة المسلمين)(6).
5 - أحمد بن محمد بن أبي نصر زيد، مولى السكوني أبو جعفر، وقيل أبو علي، المعروف بالبزنطي، كوفي ثقة لقي الرضا (عليه السلام)، وكان عظيم المنزلة عنده، وروى عنه كتابا، وله من الكتب: كتاب الجامع، وكتاب النوادر(7).
وهكذا نجد مدرسة الإمام تخرج العلماء والتلامذة ويأخذ عنها الرواة والعلماء ليساهموا في بناء صرح الفكر والمعرفة الإسلامية.
ب - أما الأسلوب الثاني من الأساليب التي اعتمدها الإمام الجواد (عليه السلام)، فهو أسلوب نشر العلم والمعرفة، وتوسيع دائرة الدعوة إلى الإسلام، والتعريف بالفكر الإسلامي، وتثبيت أركان العقيدة والشريعة على ضوء مدرسة أهل البيت (عليهم السلام)، وما أثر وروي وأخذ عنهم.
فقد اعتمد الأئمّة أسلوب تعيين الوكلاء، ونشرهم في أنحاء مختلفة من العالم الإسلامي، ليكونوا دعاة إلى الإسلام، والعمل به، وتبليغ أحكامه. وكثيراً ما كانوا يمارسون مسؤولياتهم العلمية والسياسية والاجتماعية بشكل سرّي نظراً لرقابة السلطات الحاكمة، وللدور المعارض، الذي قام به أهل البيت (عليهم السلام)، ومن التحق بمسيرتهم لمواجهة الجور والفساد السياسي والاجتماعي، وتعطيل أحكام الشريعة.
وقد رأينا من خلال مراسلات الإمام أبي جعفر الثاني (محمد الجواد عليه السلام)، واستعراض بعض أسماء تلامذته، وعددهم، كيف أنّه كان يعتمد الوكلاء، وينشرهم في بقاع مختلفة من العالم الإسلامي، بعد أن يُتِمّوا تفقههم، وتعليمهم على يده، أو الذين تتلمذوا على يد آبائه الأئمة الهداة، ليؤدّوا دور الدعاة والمبلغين لأحكام الشريعة وفكرها الأصيل.
وبذا أصبح لمدرسة أهل البيت (عليهم السلام) جهاز علمي منظّم، ومدارس منتشرة في كل أرجاء العالم الإسلامي.
وكثيرون هم تلامذة الإمام (عليه السلام) وأصحابه الذين تربّوا في مدرسته، وأخذوا عنه. كما امتدت حياة بعضهم فحظي بصحبة آبائه وصحبة ولده وحفيده.
ج - ومن الأساليب المهمة المؤثرة التي اتبعها أهل البيت (عليهم السلام) لنشر الفكر الإسلامي، وتفقيه الأمة وتثقيفها والحفاظ على أصالة ونقاء الشريعة الإسلامية، أسلوب المناظرة والحوار العلمي.
وقد حفظت لنا كتب الحديث والرواية أنماطاً غنيّة من الاحتجاج والمناظرة والحوار في شتى صنوف العلم والمعرفة، والدفاع عن الإسلام، وتثبيت أركانه في مجال التوحيد والفقه والتفسير والرواية وأمثال ذلك.


ويمكننا أن نصنّف هذه المناظرات العلمية التي صدرت ورويت عن أئمة أهل البيت (عليهم السلام) أصنافاً هي:
1 - صنف منها قد خاضه الأئمة دفاعاً عن الإسلام، وردّاً على الإلحاد والزندقة، وأصحاب الديانات المحرّفة، والأفكار الضالة، والفلسفات والنظريات الغريبة على روح الإسلام.
2 - وقسم منه قد خاضه الأئمة للرد على الانحراف الفكري والعقائدي الذي نشأ بين بعض المسلمين، كالغلو والتجسيم والتفويض، وشطحات بعض فرق المتصوّفة والفلاسفة والمتكلمين.
3 - وصنف منه مناظرات خاضوها لكشف الدسّ والتزييف الذي أدخِلَ على الإسلام، وبيان الخطأ العلمي والقصور الفكري عن اكتشاف الحقيقة العلمية وتشخيص المنهج الصواب.
4 - المناظرات التي كانت تجري بينهم وبين علماء عصرهم على شكل أسئلة تُطرح عليهم، أو إشكال يورد على ما يصدر عنهم أو محاولة منهم لمناقشة الآخرين. والدخول في حوار معهم في مجال التوحيد والفقه والأصول والتفسير... إلخ.
د - الكتابة والتأليف من قِبَل أصحابهم، وقد رأينا الدور العلميَّ للكتابة والتأليف من خلال التعريف ببعض أصاب الإمام، وكم هو حجم ونوع الإنتاج العلمي الذي أغنَى الفكر والمكتبة والحياة الإسلامية إلى يومنا هذا.
----------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
1 - قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (أنا مدينة العلم وعليّ بابها، فمن أراد المدينة فليأتها من بابها).
2 - الشيخ الطوسي: رجال الطوسي.
3 - الشيخ الطوسي الفهرست: ص 88.
4 - صاحب الإمام الكاظم (عليه السلام) أيضاً.
5 - الشيخ الطوسي الفهرست: ص 83.
6 - الرازي الجرح والتعديل: ج 8 ص 139.
7 - الطوسي الفهرست: ص 19. 


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة

telegram ersali arinsta ar

30 رمضان

وفاة الخليفة العباسي الناصر لدين الله

المزید...

23 رمضان

نزول القرآن الكريم

المزید...

21 رمضان

1-  شهيد المحراب(عليه السلام). 2- بيعة الامام الحسن(عليه السلام). ...

المزید...

20 رمضان

فتح مكّة

المزید...

19 رمضان

جرح أميرالمؤمنين (عليه السلام)

المزید...

17 رمضان

1 -  الاسراء و المعراج . 2 - غزوة بدر الكبرى. 3 - وفاة عائشة. 4 - بناء مسجد جمكران بأمر الامام المهد...

المزید...

15 رمضان

1 - ولادة الامام الثاني الامام الحسن المجتبى (ع) 2 - بعث مسلم بن عقيل الى الكوفة . 3 - شهادة ذوالنفس الزكية ...

المزید...

14 رمضان

شهادة المختار ابن ابي عبيدة الثقفي

المزید...

13 رمضان

هلاك الحجّاج بن يوسف الثقفي

المزید...

12 رمضان

المؤاخاة بين المهاجرين و الانصار

المزید...

10 رمضان

1- وفاة السيدة خديجة الكبرى سلام الله عليها. 2- رسائل أهل الكوفة إلى الامام الحسين عليه السلام . ...

المزید...

6 رمضان

ولاية العهد للامام الرضا (ع)

المزید...

4 رمضان

موت زياد بن ابيه والي البصرة

المزید...

1 رمضان

موت مروان بن الحكم

المزید...
012345678910111213
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page