الوقائع التي حدثت بعد الهجرة
والان نقدم لك عزيزي القاري اهم الحوادث التي وقعت في ايام رسول الله صلى الله عليه واله وسلم بعد الهجرة وباختصار :
في السنة الاولى من الهجرة :
وعندما وصل النبي صلى الله عليه واله وسلم الى المدينة آخى بين المهاجرين والانصار ، وجعل عليا عليه السلام اخاه ، وتزوج من عائشة في شهر شوال منها. وفيها بنى مسجد قباء ، وصلى فيه اول جمعة.
اهم حوادث السنة الثانية من الهجرة :
تحولت القبلة في هذه السنة من بيت المقدس الى الكعبة وتزوج امير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام بفاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ونزول سورة هل اتى في حق اهل البيت عليهم السلام.
وفرض صيام شهر رمضان في هذه السنة في اخر شهر شعبان.
وقوع غزوة الابواء ، والابواء قرية كبيرة بين مكة والمدينة ، وفيها قبر امنة ( رضي الله عنه ) ام رسول الله صلى الله عليه واله وسلم.
غزوة بدر الصغرى :
غزوة بدر الصغرى وقعت في شهر جمادي الاخرة من هذه السنة.
غزوة بدر الكبرى : وقعت ايضا في نفس السنة.
وفيها غزوة بني القينقاع حدثت بعد معركة بدر وهي اول معركة كانت مع اليهود بعدما نقضوا العهد.
اهم حوادث السنة الثالثة من الهجرة
في هذه السنة حدثت غزوة بني غطفان ، فخرج رسول الله صلى الله عليه واله وسلم في اربعمائة وخمسين رجلا فهرب دعثور بن الحارث قائد جيش العدو ، وانتصر رسول الله صلى الله عليه واله وسلم.
وفيها ولد الامام الحسن عليه السلام .
وفيها تزوج النبي صلى الله عليه واله وسلم من حفصة وزينب بنت خزيمة.
وفيها ايضا كانت غزوة « احد » وفيها استشهد حمزة عم النبي صلى الله عليه واله وسلم وعبد الله بن جحش ابن اخت النبي صلى الله عليه واله وسلم ودفنوا في قبر واحد ، كما استشهد في هذه الغزوة سبعون رجلا من اصحاب رسول الله صلى الله عليه واله وسلم.
وفيها كانت غزوة حمراء الاسد ، وهو موضع يبعد عن المدينة ثمانية اميال ، وكانت بعد غزوة احد مباشرة ، فترك الجرحى علاجهم ولبسوا السلاح فوق جروحهم ، واخذ الراية علي بن ابي طالب عليه السلام مع انه كان قد اصيب بثمانين جرحا في تلك الواقعة وبكى له رسول الله صلى الله عليه واله وسلم لما راه في تلك الحال.
اهم حوادث السنة الرابعة للهجرة :
في هذه السنة قدم ـ ابو براء عامر بن مالك بن جعفر الملقب بملاعب الاسنة ـ على رسول الله صلى الله عليه واله وسلم من اراضي نجد الى المدينة ، وكان سيد قبيلة بني عامر بن صعصعة ، وارسل النبي صلى الله عليه واله وسلم بعض اصحابه ومعهم رسائل الى كبراء نجد وقبيلة بني عامر يحثهم فيها على تعليم الشريعة الاسلامية ، ونزلوا بجوار وحماية ـ ابو براء ـ ، ولكن هجم عليهم عامر بن الطفيل مع قبائل بني سليم وعصية ورعلا وذكوان ، فاجابوه الى ذلك ، فخرجوا حتى غشوا القوم وقاتلوهم حتى قتلوهم عن اخرهم ، تالم رسول الله صلى الله عليه واله وسلم واخذ يلعن القبائل التي اشتركت في قتل اصحابه ، وحزن ـ ابو براء ـ لهذه الحادثة كثيرا حتى مات حزنا والما ، لانهم كانوا في حمايته وضيافته ، ومات عامر بن الطفيل بلعنة رسول الله صلى الله عليه واله وسلم اياه ، فاصابته كغدة البعير فمات منها.
وفي هذه السنة ايضا وقعت غزوة بني النضير وبني قريضة ، وكانت قريضة سبعمائة نفر وبنو النضير الفا وهم اكثر مالا واحسن حالا ، وكانوا حلفاء لعبد الله بن ابي.
وفي هذه المعركة خسر اليهود بعدما غدر بهم عبد الله بن ابي ولم يعنهم ، واستسلمت اليهود وارسلت الى النبي صلى الله عليه واله وسلم تريد الامان والخروج ، فخرجوا وخربوا بيوتهم بايديهم لئلا تصير للمسلمين.
اهم حوادث السنة الخامسة للهجرة :
في هذه السنة تزوج النبي صلى الله عليه واله وسلم بزينب بنت جحش ونزلت اية الحجاب حين زفافها.
وفي هذه السنة كانت غزوة « المريع » وهو ماء لبني خزاعة بين مكة والمدينة ، وتسمى هذه الغزوة بغزوة « بني المصطلق » وفي هذه السنة نزلت سورة « المنافقون ».
وفي هذه السنة وفي شهر شوال كانت معركة الخندق ، ويقال لها غزوة الاحزاب او معركة الاحزاب .. ، وحفر سلمان الفارسي الخندق وعندما برز علي عليه السلام لقتال عمر بن ود قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم : « برز الايمان كله الى الشرك كله ».
وفي هذه السنة كانت غزوة بني قريظة ، وذلك لما انصرف النبي صلى الله عليه واله وسلم من الخندق ذهب الى بيت فاطمة عليها السلام فوضع لامته واغتسل واستحم وتطيب فاتاه جبرئيل واخبره : ان الله يامرك يا محمد بالمسير الى بني قريضة .. فاذن بلال في الناس ان لا يصلين العصر احد الا في بني قريظة ، فحاصرهم رسول الله صلى الله عليه واله وسلم خمسة عشر يوما حتى نزلوا من القلاع ورضوا بحكم سعد بن معاذ فيهم.
وكانت في هذه السنة ايضا « غزوة دومة الجندل » خرج لهم رسول الله صلى الله عليه واله وسلم في يوم الخامس والعشرين من شهر ربيع الاول ، فلما سمعوا بقدوم النبي صلى الله عليه واله وسلم هربوا وتركو اموالهم ومواشيهم على حالها فاخذها المسلمون ورجعوا الى المدينة.
اهم حوادث السنة السادسة للهجرة :
قيل في هذه السنة فرض الحج ونزلة الاية الكريمة : « واتموا الحج والعمرة لله » (1) ، وقيل في السنة التاسعة.
وفي هذه السنة كانت غزوة ذات الرقاع ، خرج لهم رسول الله صلى الله عليه واله وسلم وخلف اباذر رضي الله عنه مكانه وخرج اليهم في النصف من شهر جمادي الاولى في اربعمائة رجل ، وقيل سبعمائة رجل متوجها الى نجد ، وكانت قبائل غطفان ، وبني محارب ، وانمار ، وثعلبة ، قد تجمعوا في ناحية النخلة ، ولما سمعوا بقدوم النبي صلى الله عليه واله وسلم هربوا الى الجبال خوفا ورعبا وتركو النساء والذراري فنسبوهم المسلمون ، وصلا بهم النبي صلى الله عليه واله وسلم صلاة الخوف ، خوفا من ان يغير عليهم المشركون ...
وفي هذه السنة ايضا كانت غزوة بني « لحيان ».
وفيها كانت غزوة « ذي قرد » ، انتصر فيهما النبي صلى الله عليه واله وسلم ايضا.
وفي هذه السنة ايضا خرج النبي صلى الله عليه واله وسلم في ذي القعدة الى مكة للعمرة ومعه سبعون بدنة للنحر ، فاحرم في مسجد الشجرة ومعه الف واربعمائة نفر ، وكانت ام سلمة مع صلى الله عليه واله وسلم.
كان خروج النبي صلى الله عليه واله وسلم للعمرة فقط وليس للحرب ، وفيها حدثت « بيعة الرضوان ».
اهم حوادث السنة السابعة للهجرة :
فتح خيبر ، ونزول سورة « الفتح » بعد رجوعه صلى الله عليه واله وسلم من المدينة وفيها قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم لاعطين الراية غدا رجلا كرارا غير فرار يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله ، ولا يرجع حتى يفتح الله على يده » كان هذا بعد ان كان كل يوم يعطي الراية لاحد اصحابه فيرجع دون اي فتح ، اخذها ابوبكر فرجع منهزما واخذها عمر في اليوم الاخر فرجع منهزما وهكذا حتى استلمها علي عليه السلام وخرج مهرولا حتى وصل الحصن فخرج مرحب متبخترا من الحصن كعادته ومرتجزا يقول :
شاكي السلاح بطل مجرب ***قد علمت خيبر اني مرحب
فاقبل علي عليه السلام قائلا :
ضرغام اجام وليث قسورة ***انا الذي سمتني امي حيدرة
لما سمع مرحب ارتعدت فرائصه وخاف واراد ان يهرب ، ولكنه رجع واراد ان يضرب عليا عليه السلام فسبقه علي عليه السلام وضربه على راسه بذي الفقار فهلك في الحال ، وهرب اليهود وانتصر المسلمون.
وفيها كانت عمرة القضاء ، وذلك بعدما رجع النبي صلى الله عليه واله وسلم من خيبر عزم على زيارة بيت الله الحرام ، فامر اصحابه للتهيؤ للسفر لقضاء عمرة الحديبية ، فخرج معه الذين شهدوا الحديبية وغيرهم ، ثم مكث في مكة ثلاثة ايام ورجع الى المدينة.
وفي نفس السنة تزوج رسول الله صلى الله عليه واله وسلم بام حبيبة بنت ابي سفيان وكانت قبل ذلك زوجة عبد الله بن جحش فاسلمت معه وهاجرا سوية الى الحبشة ، فارتد زوجها هناك ومات على دين النصارى وبقيت هي على اسلامها فتزوجها النبي صلى الله عليه واله وسلم.
اهم حوادث السنة الثامنة للهجرة :
من اهم الحوادث في هذه السنة غزوة « مؤتة » وهي قرية من قرى البلقاء في اراضي الشام ، وكانت الراية بيد جعفر بن ابي طالب رضي الله عنه وهجم على الاعداء ، فلما اشتد القتال حوصر جعفر بين الاعداء فقطعوا يمينه ، فاخذ الراية بيساره ، وقاتل حتى قطعوا يساره ، واصيب من امامه بخمسين جرحا لم يكن واحد منها وراء ظهره ، حتى قتل رضوان الله عليه وسقطت الراية ورفعها زيد بن حارثة وقاتل قتالا شديدا حتى قتل ، فاخذ الراية عبد الله بن رواحة بعده قاتل حتى قتل.
ومن كرامات جعفر بن عم رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ان جعل الله له بدل يديه جناحين يطير بهما في الجنة مع الملائكة وسمي بجعفر الطيار.
وروي عن الامام السجاد عليه السلام قال : « ما من يوم اشد على رسول الله صلى الله عليه واله وسلم من يوم احد ، قتل فيه عمه حمزة بن عبد المطلب ، ويوم مؤتة ، قتل فيه ابن عمه جعفر بن ابي طالب ».
غزوة بني السلاسل ؛ ايضا حدثت في نفس السنة حيث اجتمع اكثر من اثني عشر الف فارس ضد الرسول صلى الله عليه واله وسلم وتعاهدوا ان لا يتخلف رجل عن رجل حتى يموتوا كلهم او يقتلوا محمدا صلى الله عليه واله وسلم وعلي بن ابي طالب عليه السلام.
فنزل جبرئيل واخبر النبي صلى الله عليه واله وسلم ، فارسل النبي صلى الله عليه واله وسلم أبا بكر ومعه من المهاجرين والانصار فرجع منكسرا وارسل في اليوم الثاني عمر ايضا رجع منكسرا ، وفي اليوم الثالث ارسل عليا عليه السلام واوصاه بما اوصى ابا بكر وعمر ، وارسل معه المهاجرين والانصار ، فسار بهم حتى قربوا من الاعداء ، تقدم الامام علي عليه السلام ودعاهم الى الاسلام وان يكون لهم ما للمسلمين ، فرفضوا وطلبوا
الحرب ، اغار عليهم الامام علي عليه السلام مع اصحابه بعد صلاة الفجر فقتل مقاتيلهم وسبى ذراريهم واستباح اموالهم وخرب ديارهم وجاء بالاسارى والاموال الى النبي صلى الله عليه واله وسلم ، وانزل الله تعالى سورة العاديات في المناسبة قال تعالى : « والعاديات ضبحا * فالموريات قدحا * فالمغيرات صبحا * فاثرن به نقعا * فوسطن به جمعا ... الخ ».
وفيها قال النبي صلى الله عليه واله وسلم لعلي عليه السلام : « يا علي لولا انني اشفق ان تقول فيك طوائف ما قالت النصارى في عيسى بن مريم ، لقلت فيك اليوم مقالا لا تمر بملا منهم الا اخذوا التراب من تحت قدميك .. » (2).
فتح مكة :
في هذه السنة خرج رسول الله صلى الله عليه واله وسلم في اثني عشر الف من المسلمين ودخل مكة فاتحا منتصرا من دون قتال واراقة دماء ، وكسر الاصنام مع الامام علي عليه السلام المحيطة بالكعبة ، وكان الرسول صلى الله عليه واله وسلم يقول : « قل جاء الحق وزهق الباطل ان الباطل كان زهوقا » (3) فتقع الاصنام على وجوهها ، واما الاصنام الكبيرة كان علي عليه السلام يصعد على منكبي رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ويلقي الاصنام على الارض.
ثم اخذ رسول الله مفاتيح الكعبة ففتح بابها ، ثم امر بلال فصعد على الكعبة واذن لصلاة الظهر ، وبعدها جاء رجال قريش واخذوا يبايعون الرسول صلى الله عليه واله وسلم والنساء تضع يدها في طست من ماء وتبايع.
وفي نفس الوقت اعطى رسول الله الى اهالي مكة الامان وقال لهم من دخل بيته كان امنا ومن دخل بيت ابو سفيان كان امنا وعلى اثرها امن ابو سفيان في الظاهر (4).
غزوة حنين :
ايضا في هذه السنة وبعد فتح مكة امنت اكثر قبائل العرب ولم تؤمن قبيلتي هوازن ، وثقيف ، تكبرا وابت ان تسلم ، وتعاهدوا على قتال النبي صلى الله عليه واله وسلم فخرج لهم رسول الله صلى الله عليه واله وسلم بالفي رجل من اهل مكة ، وعشرة الاف ممن كان معه ، وعقد اللواء رسول الله صلى الله عليه واله وسلم الى علي عليه السلام.
فهجمت هوازن بغتة وخرجت من كمينها بعد ان تفرق جيش المسلمين فانهزم المسلمون ، فاول من انهزم من المسلمين فوج خالد بن الوليد ومشركو قريش الذين اسلموا حديثا ثم انهزم بعدهم اصحاب رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ولم يبقى مع رسول الله صلى الله عليه واله وسلم الا عشرة نفر ، تسعة من بني هاشم معهم علي بن ابي طالب عليه السلام وعاشرهم ايمن ابن ام ايمن الذي قتل على يد مالك.
فلما رأى النبي صلى الله عليه واله وسلم ذلك اخذ يقاتل القوم وهو على بغلته ويرتجز ويقول :
انا بن عبد المطلب***انا النبي لا كذب
وكان رسول الله صلى الله عليه واله وسلم لم يقاتل في حرب قط ، الا في هذه الغزوة.
وكان علي عليه السلام يحوم حول رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ويدافع عنه ، وروي عن الفضل بن العباس انه قال : ضرب علي عليه السلام يومئذ اربعين مبارزا كلهم يقده حتى انفه وكان رجل من هوازن يقال له « ابو جرول » يقود القوم على جمل احمر وبيده راية سوداء في راس رمح طويل ، خرج له امير المؤمنين عليه السلام فضربه وصرعه ، فضعف المشركون بعده وانهزموا ، فرجع المسلمون وتجمعوا وانتصروا.
وفي هذه السنة ولد للنبي صلى الله عليه واله وسلم ابراهيم.
اهم حوادث السنة التاسعة للهجرة :
في مستهل هذه السنة بعث رسول الله صلى الله عليه واله وسلم عامليه لاخذ الزكاة من قبائل المسلمين ، الا ان بني تميم امتنعوا من عطاء الزكاة ، اغار عليهم خمسين رجلا من المسلمين لمجازاتهم ، وسبوا احد عشر رجلا واحد عشر امرأة وثلاثين طفلا وجاءوا بهم الى المدينة.
فجاء كبار بني تميم الى المدينة وطالبوا رسول الله صلى الله عليه واله وسلم باسراهم وبعدما دخلوا في الاسلام واسلموا جميعا ترك رسول الله اسراهم ودخلوا في الاسلام ودفعوا الزكاة وحسن اسلامهم.
غزوة تبوك :
وكانت في هذه السنة غزوة تبوك وهي من اواخر غزوات النبي صلى الله عليه واله وسلم.
وفي هذه الغزوة اثاقل المسلمون من الخروج للحرب لانه كان ايام حصاد الثمار والغلات وبعد المسافة وشدة الحر ، فنزل قوله تعالى : « يا ايها الذين آمنوا مالكم اذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم الى الارض ... » (5).
ارسلت النساء حليها لرسول الله صلى الله عليه واله وسلم واعطى الرجال نصف اجورهم اليومية ليشاركوا في تجهيز الجيش ، فقام النبي صلى الله عليه واله وسلم بتجهيز الجيش وبلغ جيش المسلمين ثلاثين الف مقاتل وفيهم الف فارس ، وتخلف المنافقون من دون عذر وكانو يجبنون الناس ويخذلونهم.
وفي هذه المعركة خلف رسول الله صلى الله عليه واله وسلم علي بن ابي طالب على عياله في المدينة ، وعاب عليه المنافقون ، وذهب الى رسول الله صلى الله عليه واله وسلم واخبره فقال له رسول الله صلى الله عليه واله وسلم : ( اما ترضى ان تكون مني بمنزلة هارون من موسى الا انه لا نبي بعدي ) (6) فرجع علي وبقي في المدينة محافظا عليها من المنافقين.
وظهرت معاجز كثيرة لرسول الله صلى الله عليه واله وسلم في هذه الغزوة ، منها اخبارهم صلى الله عليه واله وسلم بمقالة المنافقين ، وتكلمه مع الجبل ، وتكلمه مع الجني الذي ظهر على صورة حية عظيمة ، واخباره عن الناقة الضالة ، وازدياد ماء تبوك الى غير ذلك من المعجزات (7).
ولما انتشر خبر نزول النبي صلى الله عليه واله وسلم والمسلمين في اراض تبوك ، دعا ـ هرافليوس ـ امبراطور اوربا والشام وبيت المقدس ، والذي كان انذاك في حمص ، دعا الناس الى تصديق النبي صلى الله عليه واله وسلم والايمان به ، وعلى رواية انه اسلم وبعدها رجع النبي صلى الله عليه واله وسلم الى المدينة منتصرا بالاسلام.
وعند رجوعه هدم مسجد ضرار الذي بناه المنافقون مقابل مسجد قبا.
وفي هذه السنة مرض عبد الله بن ابي راس المنافقين وبقي عشرين يوما وبعدها مات ، فحضر جنازته رسول الله صلى الله عليه واله وسلم تكريما لابنه عبدالله ، واعترض عمر على النبي صلى الله عليه واله وسلم ....
وفي هذه السنة ارسل رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ابا بكر لقراءة ايات من سورة البراءة على المشركين في مكة ، فنزل جبرئيل على النبي صلى الله عليه واله وسلم وقال الله يقراك السلام ويقول : لا يؤديها الا انت او رجل منك ، وفي رواية اخرى قال : لا يبلغ عنك الا علي.
فامر رسول الله صلى الله عليه واله وسلم عليا عليه السلام بالذهاب خلف ابي بكر وان ياخذ الايات منه ويبلغها بنفسه ويقراها على الناس ، فلقيه في منزل « الروحاء » فاخذ الايات منه ثم ذهب الى مكة فقراها على الناس.
وتوفي في هذه السنة النجاشي سلطان الحبشة ، فلما اخبر النبي صلى الله عليه واله وسلم بموته قال : اليوم مات رجل صالح قوموا للصلاة عليه ، فصلى عليه النبي مع اصحابه.
اهم حوادث السنة العاشرة للهجرة :
قصة المباهلة مع نصارى نجران
في هذه السنة باهل النبي صلى الله عليه واله وسلم نصارى نجران ونزلت اية المباهلة : « ... فقل تعالوا ندع ابنائنا وابنائكم ونساءنا ونساءكم وانفسنا وانفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنت الله على الكاذبين » (8).
وفي اليوم الثاني خرج رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ومعه علي بن ابي طالب عليه السلام وفاطمة والحسن والحسين عليهما السلام ، فلما راهما رؤساء نجران قال ابو حارثة كبيرهم ، ان ارى رجلا جريئا على المباهلة وانا اخاف ان يكون صادقا فلا يحول الحول علينا ولا نصراني في الدنيا ، واني ارى وجوها لو سالوا الله ان يزيل جبلا من مكانه لازاله ، فلا تبتهلوا فتهلكوا ولا يبقى نصراني على وجه الارض الى يوم القيامة.
ثم جاء ابو حارثة الى النبي صلى الله عليه واله وسلم فقال : يا ابا القاسم انا لا نباهلك ولكن نصالحك ، فصالحهم رسول الله صلى الله عليه واله وسلم على الفي حلة كل حلة اربعون درهما وعلى عاربة ثلاثين درعا وثلاثين رمحا وثلاثين فرسا ، فكتب لهم بذلك كتابا فانصرفوا راجعين الى بلادهم.
وفي نفس السنة ادخل رسول الله صلى الله عليه واله وسلم تحت كساءه ، الحسن والحسين وفاطمة وعلي عليهما السلام ونزل قوله تعالى : « ... انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس اهل البيت ويطهركم تطهيرا » (9).
حجة الوداع :
في السنة العاشرة كانت حجة الوداع ، وذلك بعد ان اقام رسول الله صلى الله عليه واله وسلم في المدينة المنورة عشر سنين ولم يحج خلال هذه العشرة وبعد ذلك انزل الله تبارك وتعالى : « واذن في الناس بالحج ياتوك رجالا وعلى كل ضامر ياتين من كل فج عميق » (10) فامر رسول الله صلى الله عليه واله وسلم المؤذنين ان يؤذنوا في الناس باعلى اصواتهم بان رسول الله صلى الله عليه واله وسلم يحج في عامه هذا ، فاجتمع الناس وانتظروا خروج رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ، فخرج رسول الله صلى الله عليه واله وسلم وخرج الناس معه حتى وصلوا مسجد الشجرة فصلى صلى الله عليه واله وسلم الظهر وبعد ذلك احرم بالحج مفردا ، « لان حج التمتع لم يكن مفروضا انذاك ».
فلما وصل مكة دخل البيت من باب بني شيبة ـ كما روى ابن سنان ـ فطاف واستلم الحجر وصل وسعى وادى مناسكه الواجبة والمستحبة ولما انتهى النبي صلى الله عليه واله وسلم من سعيه في المروة اقبل على الناس بوجهه ، فحمد الله واثنا عليه وقال : هذا جبرئيل يامرني ان امر من لم يسق هديا ان يحل ، ولو استقبلت من امري ما استدبرت لصنعت مثل ما امرتكم ولكني سقت الهدي ولا ينبغي لسائق الهدي ان يحل حتى يبلغ الهدي محله ، ومن هنا شرع رسول الله صلى الله عليه واله وسلم حج التمتع وفرضه على المسلمين « حسب شرائطه المذكورة في المناسك ».
فقال له رجل من اصحابه معترضا على رسول الله صلى الله عليه واله وسلم : .. لنخرجن حجاجا ورؤوسنا وشعورنا تقطر ، فقال له رسول الله صلى الله عليه واله وسلم اما انك لن تؤمن بهذا ابدا. (11)
ولما قضى رسول الله صلى الله عليه واله وسلم مناسكه شارك عليا في هديه وقفل راجعا الى المدينة ومعه المسلمون حتى انتهى منطقة ـ غدير خم ـ نزل رسول الله صلى الله عليه واله وسلم في هذه المنطقة الجرداء لا زرع ولا ماء كما امره الله تعالى ونزل المسلمون معه.
هنا امره الله تعالى بتنصيب امير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام خليفة في الامة بعده ، قال تعالى : « يا ايها الرسول بلغ ما انزل اليك من ربك ... » (12) يعني بلغ الناس في استخلاف علي عليه السلام والنص بالامامة عليه. « ... وان لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس .. » (13).
امتثل الرسول صلى الله عليه واله وسلم لامر الله تعالى ، صعد المنبر الذي صنعوه له من رحال البعير ، ودعى علي عليه السلام حتى قام عن يمينه ، ثم خطب الناس فحمد الله واثنى عيه ووعظ فابلغ بالموعظة ونعى الى الامة نفسه قال :
اني قد دعيت ويوشك ان اجيب وقد حان مني الرحيل ، ... واني مخلف فيكم ما ان تمسكتم به لن تضلوا ، كتاب الله وعترتي اهل بيتي ، فانهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض.
ثم نادى باعلى صوته :
الست اولى بكم منكم بانفسكم ؟ قالوا : اللهم بلى ، فقال لهم بعد ان اخذ بضبعي امير المؤمنين علي عليه السلام فرفعها حتى بان بياض ابطيهما :
« فمن كنت مولاه فهذا علي مولاه ، اللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه وانصر من نصره ، واخذل من خذله ».
ثم نزل وكان وقت الظهيرة فصلى الظهر وجلس في خيمته وامر عليا عليه السلام ان يجلس بازائه ، ثم امر المسلمين ان يدخلوا فوجا فوجا عليه فيهنئوه ويسلموا عليه بامرة المؤمنين ، ففعل الناس كلهم ، ثم امر زوجاته وسائر نساء المسلمين معه ان يدخلن ويسلمن عليه بامرة المؤمنين ففعلن.
وقال له عمر بن الخطاب مبايعا له : بخ بخ لك يا علي !! اصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة !!
وقام حسان بن ثابت وانشد القصيدة الغراء والتي مطلعها :
بخم واسمع بالرسول مناديا ***يناديهم يوم الغدير نبيهم
الى ان قال :
وكن للذي عادى عليا معاديا ***هناك دعا ، اللهم والي وليه
فقال له رسول الله صلى الله عليه واله وسلم لا تزال يا حسان مؤيدا بروح القدس ما نصرتنا بلسانك. (15)
__________________________________________________________
1 ـ البقرة: 196.
2 ـ الارشاد ص 61 منه منتهى الامال ج 1 ص 131.
3 ـ الاسراء : 81.
4 ـ نفس المصدر : ص 169.
5 ـ التوبة : 38.
6ـ الارشاد : ص 83.
7ـ يمكنكم مراجعة البحار : ج 21 ص 234 وص 250 ، والخرائج ج 1 ص 108 ومنتهى الامال ج 1 ص 183.
8 ـ ال عمران : 61.
9 ـ الاحزاب : 33 وصاحب الكشفاف عن عائشة.
10 ـ الحج : 27.
11 ـ القائل في بعض الروايات كان عمر واراد بقوله « رؤوسنا تقطر » اي من ماء غسل الجنابة.
12 و 13 ـ المائدة : 67.
15 ـ راجع كتاب الغدير للاميني.
