وفاة النبي سليمان عليه السلام :
« فلما قضينا عليه الموت ما دلهم على موته الا دابة الارض تأكل منسأته فلما خر تبينت الجن ان لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين » (1).
قال سليمان بن داود عليهما السلام ذات يوم لاصحابه : ان الله تبارك وتعالى قد وهب لي ملكا لا ينبغي لاحد من بعدي سخر لي الريح والانس والجن والطير والوحوش ، وعلمني منطق الطير ، وآتاني من كل شيء ، ومع جميع ما اوتيت من الملك ماتم لي سرور يوم الى الليل.
وقد احببت ان ادخل قصري في غد ، فاصعد اعلاه وانظر الى ممالكي ، فلا تأذنوا لاحد علي لئلا يرد علي ما ينغص علي يومي.
قالوا نعم : فلما كان من الغد اخذ عصاه بيده وصعد الى اعلى موضع في القصر ، ووقف متكئا على عصاه ينظر الى ممالكه مسرورا بما اوتي فرحا بما اعطي.
وبينما هو كذلك اذ نظر الى شاب حسن الوجه واللباس قد خرج عليه من بعض زوايا القصر ، فلما بصر به سليمان عليه السلام قال له : من ادخلك الى هذا القصر وقد اردت ان اخلو فيه اليوم ؟ فباذن من دخلت ؟
فقال الشاب : ادخلني هذا القصر ربه وباذنه دخلت ، فقال : ربه احق به مني ، فمن انت ؟ قال : انا ملك الموت ، قال : وفيما جئت ؟ قال : جئت لاقبض روحك ، قال : امض لما امرت به فهذا يوم سروري ، وابى الله ان يكون لي يوم سرور دون لقائه.
فقبض ملك الموت روحه وهو متكئ على عصاه ، فبقي سليمان عليه السلام متكئا على عصاه وهو ميت ما شاء الله ـ وقيل سنة ـ والناس ينظرون اليه وهم يقدرون انه حي ، وكان الجن كذلك ينظر اليه ويعملون له.
وبعد مدة من الزمن بعث الله عزوجل « الارضة » فدبت في عصاه ، فلما اكلت جوفها انكسرت العصا وخر سليمان عليه السلام من قصره على وجهه ميتا.
وعلمت الجن بعد ذلك ما التبس عليهم انهم لا يعلمون الغيب ، ولو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب ، وشكرت الجن الارضة ما صنعت بعصا سليمان ، فما تكاد تراها في مكان الا وعندها ماء وطين.
وقيل ان سليمان عليه السلام عاش سبعمائة سنة واثنى عشر سنة ، (2) وقيل اقل من هذا ، وروي ان سليمان عندما توفي دفن الى جنب قبر ابيه داود ، وكان له من العمر يوم ملك اثنتا عشرة سنة ، فمات وله اثنتان وخمسون سنة والله العالم. (3)
اتضح لنا كيف ان رجلا بكل هذه القدرة والعظمة كان امام الموت ضعيفا لا حول له ولا قوة ، بحيث فارق الدنيا فجاة وفي لحظة واحدة.
وكيف ان الاجل لم يعطه حتى فرصة الجلوس او الاستلقاءعلى سريره.
هذه عبرة وموعظة لمن يتعض البعض حينما يبلغون مقاما او منصبا ان قد اصبحوا مقتدرين حقيقة ، فان المقتدر الحقيقي ، ذلك الذي كان الجن والانس والشياطين خدما بين يديه ، ذلك الذي كان يجول في الارض والسماء ، والذي بلغ قمة الهيبة والحشمة ، ثم في لحظة واحدة قصيرة ـ كزبد البحر ـ فارق الدنيا ... فتامل.
________________________________________
1 ـ سبأ : 14.
2 ـ كمال الدين ، عنه البحار : ج 14 ص 140.
3 ـ تاريخ اليعقوبي : ص 60.