إلى جنة المأوى
أثر السم في بدن الإمام الطاهر (عليه السلام) وأخذ يدنو من الموت وهو متوجه إلى الله تعالى يتلو القرآن الكريم، وبينما لسانه مشغول بذكر الله إذ وافاه الأجل المحتوم، ففاضت نفسه المطمئنة إلى ربها راضية مرضية وقام وصيه وخليفته الإمام أبو عبد الله، جعفر الصادق بتجهيز الجثمان فغسله وكفنه بما أوصى به وصلى عليه، ونقل الجثمان العظيم بالتهليل والتكبير وقد حفت به الجماهير، والسعيد من الناس من لمس نعش الإمام… وسارت مواكب التشييع وهي تعدد مناقب الإمام وفضائله. وانتهى بالجثمان المقدس إلى بقيع الغرقد [1] ، فحفر له بجوار أبيه الإمام السجاد (عليه السلام) وبجوار عم أبيه الإمام الحسن سيد شباب أهل الجنة (عليه السلام) وأنزل الإمام الصادق أباه في مقره الأخير فواراه فيه ووارى معه العلم والحلم والفضل والأخلاق والفقه والمعروف والكرم والبر بالناس.
قال أبو عبد الله (عليه السلام): (إن رجلاً كان أميال من المدينة فرأى في منامه فقيل له: انطلق فصل على أبي جعفر فإن الملائكة تغسله في البقيع فجاء الرجل فوجد أبا جعفر قد توفي)[2].
كان فقد الإمام الباقر من أفجع النكبات التي مني بها المسلمون في ذلك العصر، فقد خسروا بفقده القائد الفالح والرائد الصالح والموجه العظيم الذي جهد على نشر العلم لمقاومة الجهل والانحراف والظلم، وبوجوده تم الوعي الفكري والثقافي والديني بين المسلمين.
لقد انطوى كوكب من كواكب الإسلام الذي ما أظلت مثله سماء الدنيا في عصره علماً وفضلاً وحريجة في الدين.
فصلوات الله عليه وعلى أبيه وأجداده عدد ما في علم الله.
--------------------------------------------------------------------------------
[1] قال ابن منظور الغرقد: كبار العوسج وبه سمي بقيع الغرقد لأنه كان فيه غرقد، ومنه قيل لمقبرة أهل المدينة، بقيع الغرقد لسان العرب ج3 ص325.
[2] بحار الأنوار ج 46 ص 219.