كلمة المؤسسة
بسم اللَّه الرحمن الرحيم
الحمد للَّه رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا ونبيّنا محمد وآله الطيبين الطاهرين.
يسرّ مؤسّسة السبطين عليهما السلام العالمية أن تقدّم إلى القراء الأعزاء باكورة إصداراتها الثقافية، متمثّلةً في أهمّ الموضوعات العقائدية ألا وهو موضوع: الإمامة.
والأهميّة والخطورة المترتبة على موضوع ( الإمامة )، دفعتنا إلى العناية بهذا البحث، حيث إنَّ لهذه القضية جذورها البادئة من أوّل يوم صدع به الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في تبليغ الرسالة تبعاً لقوله تعالى: « وأنْذِر عَشِيرَتَك الأقرَبِين »، مروراً بمختلف المناسبات التي ألمح فيها النّبي صلى الله عليه وآله وسلم وصرّح بهذا الموضوع، إلى البلاغ الأخير يوم الغدير الّذي أمر اللَّه تعالى نبيّه صلى الله عليه وآله وسلم أن يبلّغ ما اُنزل إليه، تبعاً لقوله تعالى: « يَا أ يُّها الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا اُنزِلَ إليكَ مِن رَّبِّك وَإن لَّمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي القَوْمَ الكَافِرِينَ »، وذلك إكمالاً للدين وإتماماً للنعمة ؛ لقوله تعالى أيضاً: « اليَوْمَ أكْمَلتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسْلَامَ دِيناً... » حيث كانت هذه الحادثة التي شهدها الآلاف في ( غدير خُم )، وفي ذلك المقطع الحسّاس من حياة النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم، خير مفصح عن خطورة الموضوع المذكور.
ولكن وقع الانحراف عن الخط المستقيم المرسوم أو الانقلاب الذي شهدته الاُ مّة بعد وفاة الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم « وَمَا مُحمّدٌ إلّا رَسُولٌ قَد خَلَت مِن قَبلِهِ الرُّسل أفَإن مَاتَ أو قُتِلَ انقَلَبْتُم على أعقابِكُم » وأشارت إليه الآية بوضوح.. هذا الانقلاب الذي نجم عن أسباب نفسية واجتماعية متنوعة ترتبط بالحسّ الجاهلي، وبالحسد، والحقد، والترات، والبحث عن الموقع الاجتماعى.. انعكس بعد ذلك على الأقلام المنحرفة التي حاولت أن تطمس حقيقة الغدير والإمامة من خلال مختلف تمحّلاتها.
ولمّا كان حديث الغدير المتواتر « مَن كنتُ مَولاه... » يُعدّ واحداً من أهمّ الأدلّة وأعلاها وأقواها سنداً ودلالة في إثبات إمامة أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام وخلافته، لهذا ارتأت مؤسستنا العناية بهذا الحديث، إذ وجدت أنَّ الدراسة الشاملة للعلّامة الأميني في موسوعته « الغدير في الكتاب والسنة والأدب » والتي طُبع منها أحد عشر جزءاً، قد أولت هذا الحديث ما يستحقه من التحليل والدراسة الجديّة والمعمّقة...
ووجدنا أنّ زبدة أجزاء هذه الموسوعة هو الجزء الأوّل منها الذي تناول الحديث بحثاً مستفيضاً سنداً ودلالة.
وقد لاحظنا أنّ البحث كان فريداً في بابه، وقد استوفى أهمّ الأدلّة والقرائن المثبتة للإمامة.
كما وجدنا أنّ جوهر هذه الدراسة ينتظم في مفاد ودلالة لفظة ( المولى )، الذي أثبته العلّامة الأميني في الجزء الأوّل من موسوعته، متمثّلاً في العنوان الذي اختاره وهو ( مفاد حديث الغدير ).
ولمّا لم يكن نسق الكتاب في هذا القسم قد رُتّب ترتيباً فنيّاً، والقارئ لا يمكنه تشخيص الأدلّة والمناقشات التي أوردها العلّامة الأميني قدس سره في إثبات هذه الحقيقة بسهولة ويسر، ولا يجد التسلسل المنطقي العلمي بين الأدلّة وعناوين المبحث الواردة في السياق..
لذا عزمنا على إفراد البحث بكتاب مستقلّ، فكان هذا الإصدار الّذي بين يديك. حيث قمنا بتحقيقه وتنقيحه، وتوثيق بعض المطالب أو شرحها، ونقدّمه الآن إلى القرّاء بهذا الإصدار في عرض جديد تمثّل في العنوان الذي اخترناه وهو ( المولى في الغدير ).
وقد تناولنا بحث السند مختصراً، في مدخل البحث ؛ لإطلاع القارئ على تواتر الحديث وصحّة سنده، وثبوت صدوره عن النبيّ الأقدس صلى الله عليه وآله وسلم باعتباره مصدراً من مصادر السماء.. قوله صلى الله عليه وآله وسلم وحي، وفعله سُنّة، تجب إطاعة أقواله، وامتثال أفعاله وتقريراته.
مميزات هذه الطبعة :
لا يخفى على القارئ أنَّ هذا البحث قد طُبع مستلّاً من كتاب « الغدير »، إلّا أنَّ لطبعتنا هذه جملة خصائص تميّزها عمّا صدر في نفس الموضوع والمبحث، يمكن توضيحها على النحو الآتي:
1 - اُفرزت وجهة نظر العلّامة الأميني في مفاد حديث الغدير بحيث لا تتداخل الأدلة والآراء.
2 - تتبّعنا الأدلّة التي أوردها العلّامة الأميني ورقّمناها فكانت ستة أدلّة، ثمّ عينّا المناقشات التي أوردها العلّامة الأميني حول دلالة الحديث على إمامة أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام واستنبطنا لها العناوين الدالّة عليها، ورتّبناها بما يسهل تشخيصها بسرعة. فالمطالع للمحاولات السابقة المحقّقة والمنشورة من قبل، لا يجد هذه الميزة، بل لا يجد القارئ الارتباط بين العناوين الموجودة في أصل الكتاب.
3 - أوجدنا التسلسل المنطقي العلمي والمنهج البحثي بين مواضيع وأدلّة وعناوين هذا الكتاب من بدايته حتى نهايته بحيث يكون بحثاً مستقلاً متّصلاً متناسقاً في موضوعاته وفصوله، غير منفصل العُرى بين عناوينه وإرجاعاته التي كانت في الأصل.
فالمبحث باعتباره ضمن كتاب الغدير فإنّه جاء متّصلاً مع ما سبقه من أبحاث، فكثير من الإرجاعات والإحالات جاءت متناسقة مع وحدة الكتاب ككل. لكن مع استلال مبحث المفاد وحده مستقلاً، فإنّه لا يبقى معنىً للكثير من الإحالات التي لم تتمكّن المحاولات السابقة - للأسف - تلافي هذا الأمر وتداركه، مما جعل المبحث في إصدارهم مفصوم العُرى، يحوي على كثير من المبهمات والإرجاعات التي لا يجد لها القارئ تفسيراً منطقياً.
في حين بذلنا جهداً في حلّ كل تلك المبهمات وأوضحناها في حاشية الكتاب أو تداركناها في متن الكتاب، فتواصلت عُرى البحث من خلال ما أوجدناه من عناوين، وبعض التحويرات وغير ذلك من تغييرات طفيفة أحياناً.
4 - أضفنا عناوين تحتّم علينا وضعها في مظانها الصحيحة حيث اقتضاها البحث المنهجي للكتاب، وحذفنا البعض الآخر حيث كانت هذه التغييرات لازمة وضرورية للبحث، وأبدلنا البعض الآخر منها بما يتناسب والموضوع المبحوث.
5 - أضفنا مصادر جديدة مع مطابقة بعض الطبعات للمصادر على الطبعات الحديثة المتداولة اليوم.
6 - شرحنا بعض الكلمات الصعبة والغريبة، ونبّهنا إلى اُمور تجاوزها التحقيق الأول، وعلّقنا في بعض الموارد بما يلزم.
7 - اشتملت على كشّافٍ علميٍّ للمحتويات في نهاية الكتاب، وبملاحظته وقياسه مع فهارس المحتويات للمحاولات السابقة للكتاب المطبوع من قِبل مؤسسات اُخر، يجد القارئ مدى الجهد المبذول لإخراج هذا الكتاب بهذه المنهجيّة والهيكليّة في تنظيم وتنسيق العناوين.
منهجنا في التحقيق:
1 - أثناء مطالعة النص الأصلي المحقق وجدنا بعض الأخطاء والملابسات في بعض الأسماء وسنيّ الوفاة وموارد اُخر شاركنا فيها المؤلف أو التحقيق الأول تعليقاً أو تصحيحاً في المتن أو الحاشية فقد قمنا بتصحيحها والتعليق بما يلزم وحصرنا ذلك بين قوسين جامعين { }.
2 - ما كان بين معقوفين [ ] في الأصل المحقق يعود ل « مركز الغدير للدراسات الإسلامية » محقق كتاب الغدير، فهي تشير إلى زياداتهم وتصحيحهم.
3 - أبقينا هوامش التحقيق الأول لمركز الغدير على حالها دون أيّ تغيير، وهي لا تحمل أيّ رمز.
4 - أبقينا هوامش المؤلّف على حالها الأول غير أننّا استعضنا عن كلمة ( المؤلّف ) في التحقيق الأول بكلمة ( الأميني ).
5 - جميع الأرقام للمجلد والصفحة والآية في المتن والتي تعود للمؤلّف أدرجناها في الهامش ونسبناها للمؤلّف مع وضع تخريج التحقيق الأول إزاءها بين قوسين معقوفين [ ]، كما درجوا عليه في تخريجاتهم.
6 - أشرنا في الحاشية إلى طبعتين من كتاب الغدير بعنوان الطبعة المتداولة، والطبعة المحقّقة. فالمتداولة هي الطبعة الثانية السائدة في الأسواق، والمنتشرة في المكتبات العامة والخاصة في أنحاء العالم قبل صدور الطبعة الجديدة المحقّقة. والمحقّقة هي الطبعة الحديثة بتحقيق مركز الغدير.
وهكذا أصبح لدينا:
ألف - هوامش المؤلّف حملت اسم ( الأميني ).
ب - الهوامش الخاصة بالتحقيق الأول لمركز الغدير بدون رمز.
ج - القوسين المعقوفين [ ] في المتن أو الحاشية اختصّا بمركز الغدير المحقِّق الأول لكتاب الغدير.
د - القوسين الجامعين { } حوت ما أضفناه تصحيحاً أو استدراكاً في المتن أو الحاشية على المؤلِّف أو التحقيق الأول.
ه - الهوامش التي أضفناها مستقلّاً في الحاشية، وما حوته من معلومات وتصحيحات ونظرات تحقيقية حملت اسم المؤسسة ( السبطين ).
شكر وتقدير
وأخيراً تتقدم مؤسستنا بجزيل شكرها وتقديرها لكلّ العاملين في إنجاز هذا العمل، من السادة الأفاضل والمشايخ الكرام، لِمَا بذلوه من جهد في المراجعة والتصحيح، وإبداء الرأي تسديداً للمشروع، وتلافياً لنواقصه ؛ لكي ينال رضا القارئ، ويخلو من النقص وعثرات الطبع قدر المستطاع.
سائلين اللَّه تعالى أن يوفق الجميع لمرضاته.
والحمد للَّه أوّلاً وآخراً
عباس الساويز الكاشاني
الثامن من ذي الحجّة 1422 ه
