التتبع المدهش والمعجز للأميني‏

 ولعلّ التتبع المدهش أو المعجز هو: رحلته الطويلة المتمثلة في وقوفه عند العنوان الآتي ( نظرة في معاني المولى ) حيث قطع رحلة طويلة في تتبعه ال ( 27 ) مفردة من معاني ( المولى ) وناقش كلّاً منها بنحو مُسهب، موضحاً ما هو البعيد جداً أو الأوسط أو القريب من الدلالة الأصليّة ( الأولى )، ممّا لا مجال للحديث عنها الآن، بقدر ما استهدفنا توضيح الظاهرة الملفتة للنظر وهي ( التتبع المدهش والمعجز ) من خلال ( تذوّقه اللغوي ) في هذه الشريحة من البحث، مضافاً إلى التتبع العام في مستوياته الدلاليّة والتاريخيّة والكلاميّة و... إلخ.
 وما دمنا قد حصرنا الحديث عن هذه الشريحة البحثيّة من كتاب الغدير في مسألة التذوّق اللغوي، حينئذٍ لا مانع في الختام أن نشير إلى نماذج يتصل أحدها بالتذوّق الفني المحض والآخر بالتذوّق الدلالي.
 
 نماذج من التذوّق الفني‏
 فبالنسبة إلى الأوّل نجد مثلاً: عبر تقديمه للدليل الثالث وهو: العشرون قرينة فيما أثبت فيها بأنَّ المقصود من ( المولى ) هو ( الأولى ) دون سواه، نجد بأنَّ المؤلّف قد اتكأ حيناً على الذائقة ( المعجميّة ) للمفردة، كتوكئه على مفردة ( النصب ) في القرينة ( 11 ) عبر ما ورد بعبارة ( نصب رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم عليّاً عليه السلام علماً ) وعبارة ( أقر اللَّه نبيّه صلى الله عليه وآله وسلم أن ينصب.. ) وعبارة ( نصبني علماً )... إلخ، حيث أشار إلى أنَّ ( النصب ) لاتتم دلالته مع المعاني التي سردها الآخرون ؛ لأنَّ النصب هو: إعطاء منصب اجتماعي للشخصيّة، فيلتئم مع الإمامة، بالإضافة إلى أ نّه جاء مقترناً في نصوص اُخرى بالولاية للناس أو الاُ مّة، بينما لا ينسجم ذلك مع ( المحبّة ) أو ( النصرة ) وهما المعنيان اللذان يصرّ الآخر على انسحاب ( المولى ) عليهما.
 وقد يتكئ المؤلّف في ذائقته اللغويّة على ( المبنى الهندسي ) للحديث أي البناء الدلالي الذي يقوم الحديث عليه، حيث ذكر المؤلّف في القرينة ( 1 ) أنَّ مقدمة الحديث: « ألست أولى بكم من أنفسكم » تفسر ما بعدها وهي عبارة: « فمن كنت مولاه فعليّ مولاه »، ويعقّب المؤلّف قائلاً: ( فلو كان صلى الله عليه وآله وسلم يريد في كلامه غير المعنى الذي صرّح به في المقدمة لعاد لفظه - ونجلّه عن السقط - محلول العرى، مختزلاً بعضه عن بعض، وكان في معزل عن البلاغة، وهو أفصح البلغاء، وأبلغ من نطق بالضاد ).
 من الواضح أنَّ المؤلّف في عبارته المذكورة يشير إلى واحد من أهم العناصر البلاغيّة في النص ألا وهو عنصر ( البناء العضوي ) للنص، حيث إنَّ النصوص الفنيّة الخالدة وفي مقدمتها نصوص القرآن الكريم ونصوص المعصومين: تتميز بكونها تخضع لبناء فكري تلتحم أجزاؤه بعضها مع الآخر، بحيث يختلّ الكلام إذا حصل تغيير أو حذف لبعض الأجزاء،... وهذا ما التفت إليه الأميني حينما عبّر عن المصطلح المذكور بعبارة ( محلول العرى مختزلاً بعضه عن بعض ) وهي إشارة إلى تفكك البناء الفكري للنص في حالة ما إذا كان صَدْرُ الحديث يختلف عن ذيله، أي: في حالة ما إذا كان صدر الحديث وهو « ألست أولى.. » يختلف عن دلالة « فمن كنت مولاه... » لذا يتعين بأن يكون المقصود من ( مولى ) في ذيل الحديث نفسه في صدر الحديث ( أولى )..
 وهذا كله فيما يرتبط بالتذوّق الفني في نطاق المفردة والتركيب.
 
 نماذج من التذوّق الدلالي
 وأما فيما يرتبط بالتذوّق ( الدلالي ) العام، فلا نحسب بأنَّ المجال يتسع للحديث عنه،... وبمقدور القارئ أن يقف على القرائن المشار إليها ليتبين له مدى تضلّع الأميني في ذائقته الدلاليّة، ومن ذلك مثلاً:
 1 - ذهابه عند الحديث عن القرينة ( 2 ) إلى أنَّ عبارة: « وانصر من نصره واخذل من خذله » تعني جملة من خصائص مشيرة إلى دلالة ( الأولى ) أي ( الإمامة ).
 2 - منها: أنَّ معرفته صلى الله عليه وآله وسلم بما يحدث مستقبلاً من خلال ظاهرة الحقد والعداء والترات والحسد لعليّ عليه السلام ممّا يترتب عليها من عدم نصرة هؤلاء لعليّ عليه السلام، يتلاءم مع فقرة الدعاء لمن ينصر عليّاً عليه السلام...
 3 - ومنها: أنَّ الدعاء المذكور يكشف عن عصمة الإمام عليه السلام لإفادته وجوب النصرة والموالاة...
 4 - ومنها: الترغيب على الطاعة والخضوع، والتحذير من التمرد... إلخ .
 على أيّ حال، لا مجال لإفاضة الحديث عن هذه الجوانب، بقدر ما يتوقف الأمر على وقوف القارئ ذاته عند الكتاب المذكور لملاحظة جميع الجوانب المرتبطة بذلك، وليس ( المعالجة اللغويّة ) فحسب، بل سائر الموارد المرتبطة بالدلالة وبالسند، وبكل مايواكب ذلك من رصد وتتبع وجلد وصبر واستقراء كامل لكل الجزئيات والكليات المتصلة بحادثة الغدير، بالنحو الذي أشرنا إليه.
 
 
 
 
 

أضف تعليق