المؤلِّفون في حديث الغدير[1]
بلغ اهتمام العلماء بهذا الحديث إلى غاية غير قريبة، فلم يُقنعهم إخراجه بأسانيد مبثوثة خلال الكتب حتى أفرده جماعة بالتأليف، فدوّنوا ما انتهى إليهم من أسانيده، وضبطوا ما صحَّ لديهم من طريقه ؛ كلُّ ذلك حرصاً على كلاءة متنه من الدثور، وعن تطرّق يد التحريف إليه، فمنهم:
1 - محمد بن جرير بن يزيد بن خالد الطبريّ، الآمليّ: المتوفّى ( 310 ).
له كتاب الولاية في طرق حديث الغدير، رواه فيه من نيّف وسبعين طريقاً.
2 - الحافظ الدارقطني علي بن عمر البغدادي: المتوفّى ( 385 ).
{ له جزء في حديث الغدير }.
3 - الحافظ أبو سعيد السجستاني: المتوفّى ( 477 ).
له كتاب الدراية في حديث الولاية في ( 17 ) جزءاً، جمع فيه طرقه، ورواه عن مئة وعشرين صحابياً.
4 - شمس الدين محمد بن أحمد الذهبيُّ: المتوفّى ( 748 ).
له كتاب طرق حديث الولاية، ذكره لنفسه هو في كتابه تذكرة الحفّاظ، وقال: أمّا حديث الطير فله طرق كثيرة جدّاً، قد أفردتُها بمصنَّف، ومجموعها يوجب أن يكون الحديث له أصل، وأمّا حديث: « من كنتُ مولاه »، فله طرق جيّدة، وقد أفردتُ ذلك أيضاً[2].
5 - شمس الدين محمد بن محمد الجزريّ، الدمشقيّ، الشافعيّ: المتوفّى ( 833 ).
أفرد رسالة في إثبات تواتر حديث الغدير، وأسماها أسنى المطالب في مناقب عليّ بن أبي طالب[3]، ورواه من ثمانين طريقاً ونسب مُنكره إلى الجهل والعصبيّة، عدّه من تآليفه السخاوي في الضوء اللامع[4].
تكملة
قال ابن كثير في البداية والنهاية[5]: وقد اعتنى بأمر هذا الحديث أبو جعفر محمد بن جرير الطبري صاحب التفسير والتاريخ، فجمع فيه مجلّدين، أورد فيهما طرقه وألفاظه، وكذلك الحافظ الكبير أبو القاسم ابن عساكر[6] أورد أحاديث كثيرة في هذه الخطبة، نحن نورد عيون ما رُوي في ذلك[7].
وقال الشيخ سليمان الحنفيّ في ينابيع المودّة: حُكي عن أبي المعالي الجُويني[8]، الملقّب بإمام الحرمين، اُستاذ أبي حامد الغزالي يتعجّب ويقول: رأيت مجلّداً في بغداد في يد صحّافٍ فيه روايات خبر غدير خُمّ مكتوباً عليه المجلّدة الثامنة والعشرون من طرق قوله صلى الله عليه وآله وسلم: « من كنتُ مولاه فعليّ مولاه »، ويتلوه المجلّدة التاسعة والعشرون[9]. انتهى.
وقال العلوي الهدّار الحداد[10] في القول الفصل: كان الحافظ أبو العلاء العطّار الهمداني[11] يقول: أروي هذا الحديث بمئتين وخمسين طريقاً[12].
لقد أوقفك البحث والتنقيب البالغان على زُرافات من الصحابة والتابعين وعلماء الاُمّة وحفّاظ الحديث ورؤساء المذهب - السنّة والجماعة - رووا حديث الغدير، وأخبتوا وسكنوا إليه، وعلى آخرين زووا عنه كلّ ريبة وشكّ، وحكموا بصحّة أسانيد جمّة من طرقه، وحسن طرق اُخرى، وقوّة طائفة منها، وهناك أُمّة من فطاحل العلماء حكموا بتواتر الحديث، وشنّعوا على من أنكر ذلك، ولقد علمت أنَّ من رواه من الصحابة في ما وقفنا على روايته مئة وعشرة صحابي، ومرَّ[13] أَنَّ الحافظ السجستاني رواه عن مئة وعشرين صحابياً، وأَسلَفْنا قبل هُنَيْهة عن الحافظ أبي العلاء الهمداني: أ نَّه رواه بمئتين وخمسين طريقاً، وعليه فقس رواية التابعين ومن بعدهم في الأجيال المتأخّرة، فلن تجد فيما يُؤثر عن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم حديثاً يبلغ هذا المبلغ من الثبوت واليقين والتواتر.
« وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً لَّا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ العَلِيمُ *
وَإِنْ تُطِعْ أكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ
إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ »[14]
--------------------------------------------------------------------------------
[1] أورد العلّامة الأميني قدس سره في الغدير 1: 152 - 158 الطبعة المتداولة و 1: 313 - 325 الطبعة المحقّقة، عدّة قوامها ستة وعشرون ( 26 ) مؤلِّفاً، انتخبنا هنا خمسة ( 5 ) منهم اختصاراً وعلى سبيل التمثيل والاستشهاد.
على أنّ المرحوم المحقق العلّامة السيد عبد العزيز الطباطبائي رحمه الله أفرد كتاباً في المؤلفات التي كُتبت عن الغدير عبر خمسة عشر قرناً، فكانت حصيلة جهده مئة وأربعة وستين ( 164 ) كتاباً ضمّها بين دفّتي كتابه الغدير في التراث الإسلامي. ( السبطين )
[2] تذكرة الحفّاظ 3: 231 [ 3: 1042 رقم962 ]. (الأميني)
[3] أسنى المطالب: ص48.
[4] الضوء اللامع 9: 255 رقم608.
[5] البداية والنهاية 5: 208 [ 5: 227 حوادث سنة 10ه ]. ( الأميني )
[6] تاريخ مدينة دمشق 12: 224 - 237 { 42: 205 - 238 }.
[7] ذكر من عيون ما رُوي فيه ما يأتي رسالة.( الأميني )
[8] قال ابن خلّكان في تاريخه 1: 312 [ 3: 167 رقم378 ]: إنَّه أعلم المتأخّرين من أصحاب الإمام الشافعي على الإطلاق، المجمع على إمامته، المتّفق على غزارة مادّته وتفنّنه في العلوم من الاُصول والفروع والأدب وغير ذلك. ولد ( 419 ) وتُوفِّي ( 478 ). أكثر المترجمون في الثناء عليه وإطراء تآليفه. ( الأميني )
[9] ينابيع المودّة: ص36 [ 1: 34 باب4 ] { 1: 113 ح36 الطبعة المحقّقة }. (الأميني)
[10] اسمه علوي بن طاهر بن عبداللَّه هدّار الحدّاد العلويالحضرمي، من أعلام القرن الرابع عشر. أديب بارع، وفاضل كامل. أشاد بالشيخ يوسف النبهاني ( ت/1350 ه ).. له مراسلات مع السيد عبدالرزاق كمونة (ت/1970 م ). ذكره الآغا بزرك الطهراني في عدة مواضع من الذريعة بأنه معاصر، ومنه يظهر أنَّ المترجم كان حيّاً سنة 1378 ه/1959م. ( السبطين )
[11] { الحسن بن أحمد بن الحسن } وُلد ( 488 ) وتُوفّي ( 569 )، ترجمته في تذكرة الذهبي 4: 118 [ 4: 1324 رقم1093 ]، قال السمعاني: حافظ متقن، ومقرئ فاضل، حسن السيرة، مرضيّ الطريقة، وعن عبدالقادر الحافظ: له تصانيف، منها زاد المسافر في خمسين مجلّداً، وكان إماماً في القرآن وعلومه، جمل الثناء عليه كثيرةفي المعاجم. ( الأميني )
[12] القول الفصل 1: 445. ( الأميني )
[13] ذكرناه في خاتمة الرواة من الصحابة صفحة 67 من كتابنا هذا. ( السبطين )
[14] الأنعام: 115، 116.