طباعة

مفاد حديث الغدير (ثانياً)

مفاد حديث الغدير (ثانياً)

{ ثانياً - إمامة أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام بلا فصل }

 

 دعانا إليه إغضاء غير واحد[1] ممّن اعترف بالحقِّ في مفاد الحديث ؛ حيث وجده كالشمس الضاحية بلجاً[2] ونوراً، أو تسالم عليه[3] عن لازم هذا الحقِّ، وهو: أنَّه إذا ثبتت لمولانا أمير المؤمنين خلافة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم فإنَّ لازمه الذي لا ينفكُّ عنه أن تكون الخلافة بلا فصل، كما هو الشأن في قول الملك الذي نصب أحدَ من يمتُّ إليه وليَّ عهده من بعده، أو من حضره الموت أوصى‏ إلى‏ أحد، وأشهد على‏ ذلك، فهل يحتمل الشهداء أو غيرهم أنَّ الملوكيّة للأوّل والوصاية للثاني تثبتان بعد ردحٍ من الزمن مضى‏ على‏ موت الملك والموصي، أو بعد قيام أُناس آخرين بالأمر بعدهما ممّن لم يكن لهم ذكر عند عقد الولاية، أو بيان الوصيّة ؟ وهل من المعقول مع هذا النصّ أن ينتخبوا للملوكيّة بعد الملك، ولتنفيذ مقاصد الموصي بعده، رجالاً ينهضون بذلك، كما هو المطّرد فيمن لا وصيّة له ولا عهد إلى‏ أحد ؟ أللّهمّ لا، لا يفعل ذلك إلّا من عزب عن الرأي، فصدف عن الحقِّ الصراح.

 وهلّا يوجد هناك من يجابه المنتخِبين - بالكسر - بأ نّه لو كان للملِك نظر إلى‏ غير من عهد إليه، وللموصي جنوح إلى‏ سوى‏ من أفضى‏ إليه أمره، فلماذا لم ينصّا عليه وهما يشهدانه ويعرفانه ؟ فأين اُولئك الرجال ليجابهوا من مرّت عليك كلماتهم من أنَّ الولاية الثابتة لمولانا بنصِّ يوم الغدير تثبت له في ظرف خلافته الصوريّة بعد عثمان ؟ أوَما كان رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم يعرف المتقدِّمين على ابن عمّه، ويشهد موقفهم، ويعلم بمقاديرهم من الحنكة ؟ فلماذا خصّ النصّ بعليّ عليه السلام بعدما خاف أن يُدعى‏ فيجيب، وأمر الملأ الحضور أن يبايعوه، ويبلّغ الشاهد الغائب[4] ؟ ولو كان يرى‏ لهم نصيباً من الأمر فلماذا أخّر البيان عن وقت الحاجة ؟ وهو أهمُّ فرائض الدين، وأصلٌ من اُصوله، وبطبع الحال أنَّ الآراء في مثله تتضارب - كما تضاربت - وقد يتحوّل الجدال جلاداً، والحوار قتالاً، فبأيِّ مبرِّرٍ ترك نبيُّ الرحمة أُمّته سُدىً في أعظم معالم الدين ؟

 لم يفعل نبيّ الرحمة ذلك، ولكن حسن ظنِّ القوم بالسلف الماضين العاملين في أمر الخلافة، المتوثّبين على‏ صاحبها لحداثة سنّه وحبّه بني عبدالمطّلب[5] حداهم إلى‏ أن يزحزحوا مفاد النصّ إلى‏ ظرف الخلافة الصوريّة، ولكن حسن اليقين برسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم يُلزمنا بالقول بأ نّه لم يترك واجبه من البيان الوافي لحاجة الاُمّة. هدانا اللَّه إلى‏ سواء السبيل.

 

 

--------------------------------------------------------------------------------

[1] راجع من كتابنا هذا 1: 397، 398 الطبعة المتداولة. ( الأميني )

 وراجع الغدير 1: 687 - 689 الطبعة المحقّقة. وراجع أيضاً: ص‏182 - 184 من كتابنا هذا.

    ( السبطين )

 

[2] أبلجت الشمس: أضاءت. لسان العرب 1: 478 (مادة بلج).

[3] راجع: شرح المواقف 3: 271 [  8: 361 ]، والمقاصد: ص‏290 [  5: 273 ]، والصواعق: ص‏26 [  ص‏43 ]، والسيرة الحلبية 3: 303 [  3: 274 ]. ( الأميني )

[4] تجد هذه الجمل الثلاث في غير واحد من الأحاديث فيما تقدّم {  اعتباراً من القرينة الخامسة من القرائن المعيِّنة }. الأميني )

[5] راجع: ص‏171 من كتابنا هذا. ( السبطين )