المغفَّلُون و الغافِلون
السذاجة و الحُمْق و العصبية العمياء ، صفات من أسرة الجاهلية ، و يتأسف عقلاء كلّ مجتمع على تغلغل مثل هذه الصفات في بعض الناس و يتألمون لإفرازاتها الجاهلية و آثارها السيّئة على المجتمع ، و الجاهل يفعل بنفسه و صديقه ما يعجزان يفعله عدوّهما .
يُذكَر بهذه المناسبة انّ العلاّمة الشهيد الشيخ حسين آل عصفور ( الذي قُتِل سنة 1216 هـ و قبره في قرية شاخورة بالبحرين ) كان يدرِّس فقه الشريعة الاسلامية ، و كان بين تلامذته طالب وقّاد الذهن جرىء في مناقشة استاذه ، و لذلك اصبح ممّن يودّه الاستاذ و يهتم بمناقشاته . و من ناحية أخرى كان لدى الشيخ خادم ساذج يحبّ الشيخ بعصبية عمياء و لم يكن عنده من العلم نصيب غير انه يحب خدمة العلماء بطريقته العفوية الدارجة بين قطاع من الناس قديماً و حديثاً .
كان الخادم ـ كما يملي عليه حُمقُه ـ يتصوّر ان هذا الطالب الجريء الذي يقاطع الشيخ في بحثه و يردّ عليه و يناقشه عدوّ للشيخ !
لذلك قرّر عند نفسه أن يخدم الشيخ و يسرّه بهذه الخدمة ! فَكَمَنَ لهذا الطالب ذات صباح خلف التخيل و أجهز عليه فقتله ، ثم جاء الى الشيخ كعادته اليومية ، و هو ينتظر الفرصة المناسبة لإخبار الشيخ بهذه الخدمة !
انهى الشيخ درسه في ذلك اليوم و لم يجد لتلميذه المتفوِّ حضوراً ، فاستغرب قليلا ، و زاد استغرابه في اليوم التالي . فرآه الخادم جالساً على عتبة المسجد ، ينظر يمنة و يسرة و يلقي ببصره بعيداً و كأنه يبحث عن شخص و ينتظر قدوم أحد ، فسأله : مَن تنتظر يا سماحة الشيخ ؟
لعلك تفكّر في الذي أرحتك منه !
قال الشيخ : ما ذا تقول ؟
قال الخادم : نعم لقد اصبحتَ منذ اليوم تلقي دروسك بحرية تامة ، لاأحد يعارضك في الجلسة و لايشاغبك و لايعاديك ! قال الشيخ : ما ذا تقصد ؟ قال الخادم : اقصد ذلك الطالب المشاغب ، لقد قتلته لتستريح منه ! فضرب الشيخ على رأسه و بكى بشدّة ، و طرد الخادم الأحمق من عنده للأبد .([1]) و السؤال هنا لمجرد العبرة و الدرس من التاريخ : هل علماء اليوم يطردون المؤيدين الغافلين و المغفَّلين مِن حولهم كيلا يسيئوا إلى سمعة الاشخاص و ينتهكوا حرمة أجواء العلماء المنافسين لهم في الخدمة الإسلامية ؟ !
سؤال ينتظر الجواب السريع مع التأني و التفكير في العواقب الدنيوية و الاخروية و نحن نقول : ( اللّهم نبّهنا من نومة الغافلين ) .
--------------------------------------------------------------------------------
[1]ـ راجع التفصيل عن حياة الشيخ في كتابنا ( علماء البحرين ، دروس و عبر ) .