غارة سفيان بن عوف الغامدي على العراق
أمره معاوية أن يدخل العراق منحدراً مع نهر الفرات ، وأوصاه أن يغير وينهب ويحرق ويقتل قائلاً: «إنّ هذه الغارات ياسفيان على أهل العراق، ترهب قلوبهم ، وتجُرّ كلّ من كان له فينا هوىً منهم ويرى خراقهم ، وتدعو إلينا كل من كان يخاف الدوائر...».
ثم أمر معاوية الناس بالتوجه مع سفيان قائلاً: «إنّ الخروج معه وجه عظيم فيه أجر عظيم» فالتحق به ستة آلاف مقاتل.
وعمل سفيان ما أمره طاغيته، واضاف إلى ذلك قتله ونهبه لاُناس من أهل الذمّة كانوا هناك.
وقد وصف الإمام عليّ (عليه السلام) تلك الحادثة بقلب حزين في خطبة له بالكوفة تقطر ألماً: «وقتل منكم رجالاً صالحين، وقد بلغني أن الرجل من أعدائكم كان يدخل بيت المرأة المسلمة والمعاهدة فينتزع خلخالها من ساقها ورعثها من اُذنها فلا تمتنع منه، ثم انصرفوا وآخرين لم يُكّلم منهم رجل كلماً ، فلو أن امرءاً مسلماً مات من دون هذا اسفاً ما كان عندي ملوماً ، بل كان عندي به جديراً» [1].
إلى غير ذلك من الغارات الاخرى والتي شملت المناطق التي كان يشكّ بوجود ولاء فيها لعليّ بن أبي طالب (عليه السلام)، وقتل بسبب ذلك الآلاف من المسلمين من رجال ونساء وأطفال ، بل وقتل من أهل الذمة الذين أوصى بهم الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله).
وأمّا أمير المؤمنين (عليه السلام) فكان موقفه واضحاً صريحاً بالنسبة إلى تلك الغارات الشرسة حيث أنّه وقف بوجهها ، وكان رأيه جهاد المحلّين، والدفاع عن المظلومين.
انظر إلى وصيّته إلى أحد قادته العسكريين الذين بعثهم للتصدي لهجمات معاوية وغاراته: «اتّق الله الذي إليه تصير، ولا تحتقر مُسلماً ولا معاهداً، ولا تغصبنّ مالاً ولا ولداً ولا ذريّة، وإن حفيت وترجّلت ، وصلّ الصلاة لوقتها».
نعم، هكذا كان الإمام يوصي قادته ، فليقارن بين هذه الوصيّة وبين وصايا معاوية لقوّاد الغارات الظالمة، وهو إن دلّ على شيء إنما يدلّ على الاختلاف في المبدأ ، فإن مبدأ الإمام علي (عليه السلام) مبدأ إلهي ، فكان (عليه السلام) لا يتصرّف تصرّفاً إلاّ وطلب فيه مرضاة الله تعالى، بينما الطرف الآخر كان همّهُ التسلّط على رقاب الناس، والوصول إلى دفّة الحكم ولو بالركوب على جماجم الأبرياء وسفك الدماء ، فقام بأعمال كانت في فظاعتها أبشع حتى ممّا كان يقع في الجاهلية الاُولى.
--------------------------------------------------------------------------------
[1] الغارات: 476.